عياد يسى

عندما بدأ صاحبنا التفكير في امر الزواج ذهب إلى الخرطوم مسقط رأسه ليحقق هدفه وهناك استقر في منزل عمه في فرحة سائحة ليستعيد ايام طفولته وبداية شبابه مع ابن عمه الذي يقاربه في السن.
تعمد الذهاب الى الحفلات العائلية لعله يجد مراده وفي إحداها لفتت نظره فتاة جميلة شعرها كأسلاك الذهب أسنانها كاللؤلؤ ذات عينان زرقاوان كثيرة الحركة تتنقل من مكان الى آخر بفستانها الجميل المتنوع الالوان كأنها فراشة تملأ العيون بحركاتها وأجمل ما يميزها غمازتين على وجنتيها فسرح في خياله وردد في نفسه ما أجمل هاتين الغمازتين عندما تتكلم أو تضحك. كانت هذه الفتاة كثيرة التردد على طاولتهم تسأل عما ينقصهم من طعام وخلافه حيث كان هو مركز اهتمام العائلة لانه قادم من استراليا. شغلت هذه الفتاة باله فسأل عنها ابن عمه الذي قال له ان كل ما يعرفه عنها ان اسمها سوزي ووعد بإحضار كل المعلومات عنها وعن عائلتها.
بعد فترة قصيرة وافاه بكل ما عرف عنها وعن عائلتها ذات السمعة النظيفة فطلب منه مصاحبته لمنزلها للتعرف عليهم وإبداء رغبته لهم بالزواج منها خاصة ان إقامته بالخرطوم أصبحت محدودة فإذا ما تم القبول سيذهب مع عمه لطلبها رسمياً.
فتح لهما الباب رجل ذو ملامح طيبة تعكس ما في قلبه من طيبة وتعلو وجهه ابتسامة مشرقة. اندهش صاحبنا عندما سلم على ابن عمه سلاماً حاراً مما يبدو انهما على معرفة وثيقة ودعاهما للدخول.
تعرف الرجل الطيب على صاحبنا وبعد ان عرف اسم المرحوم والده وعرف منه انهما كانا على معرفة به قبل هجرتهم الى استراليا مما سهل له الدخول في الموضوع مباشرة وأبدى رغبته في التقدم للزواج من ابنتهم «سوزي» وإذا ما تم النصيب تعيش معه في استراليا. غاب الاب قليلاً ثم عاد وبعد ربع ساعة تقريباً دخلت سيدة أنيقة الملبس باسمة الوجه ومعها فتاة هادئة الجمال فأثار الرجل للمرأة بأنها زوجته والى الفتاة بانها «سوزي» ابنته.
فيا للدهشة أنها ليست سوزي التي في باله والتي سبق ورآها في ذلك الحفل فتطلع بنظرة سريعة الى ابن عمه الذي وجده غارقاً من خجله من هذا الخطأ فتمالك نفسه وتقدم مرحباً بها وتطلع مرة أخرى الى سوزي هذه انها ذات جمال هادئ مريح للنفس قمحية اللون جميلة بدون أصباغ كثيرة وظهرت وكأنها لوحة جميلة لا تمل العين من النظر اليها… ولكنه ما يزال مشوش التفكير وحسن استقبالهم لها خفف من هذه الصدمة. إنتهت الزيارة ووعدهم بتكرارها للمزيد من التعارف وأعطاهم الفرصة الكافية للسؤال عنه وبتكرار زيارته لهم شعر بالحنين نحو هذه الاسرة وشعر كأنه يعرفها من زمن طويل. لم يعاتب صاحبنا ابن عمه عن هذا الخطأ إذ شعر ان ما حدث إشارة من الله بالنصيب. بدأ الحب يشتعل على نار هادئة بينه وبين سوزي فتبادلا أرقام الهواتف وأخيراً إتصل بوالدها لأخذ ميعاد ليذهب مع عمه وابن عمه لطلب يدها رسمياً حيث تم الزواج ونسى سوزي الاولى ذات الغمازتين على وجنتيها ولا تقول إلا انها القسمة والنصيب.