بقلم هاني الترك OAM
يصادف يوم الاثنين المقبل الذكرى 101 عاماً للانزاك .. وبهذه المناسبة قدمت مخطوطة الى دائرة المحاربين القدامى بالانكليزية عن دور القوات الاسترالية والعرب في الحرب العالمية الأولى وتعاونهم في التحرر من الحكم العثماني :
ابحرت القوات الاسترالية عبر البوارج الحربية الى الاسكندرية وسافرت من هناك الى القاهرة بأيام عام 1915.. وكان مركز قيادة القوات الاسترالية والنيوزيلاندية في فندق شيبرد في القاهرة .. كان موظف استلام التموين يكتب على الصناديق المشحونة اسم فيلق الجيش الاسترالي والنيوزيلاندي .. ولما كان الاسم طويلاً ومن الصعوبة استعماله كاملاً في المستندات والبرقيات والشفرة صنع ضابطان في الفندق ختماً مطاطياً ANZAC اشارةً للفيلق .. وبعد نزول القوات الاسترالية والنيوزينلادي على شاطى غاليبولي اطلق قائد الحلفاء البريطاني عليها اسم الانزاك للدلالة والتمييز .. فمع ان كلمة انزاك تشير عموماً الى القوات الاسترالية التي اشتركت في الحرب العالمية الاولى الا ان الانزاك تشير بالتحديد الى الفيلق الاسترالي والنيوزيلاندي الذي اشترك في معركة غاليبولي .. ومن هنا فان يوم الانزاك يشير الى يوم 25 ابريل نيسان الذي انزلت استراليا قواتها على شاطئ غاليبولي وهزمت في المعركة ولقى عشرات الالاف حتفهم.
فما هو الدور الذي لعبته القوات الاسترالية مع الدول العربية في تحريرها من الحكم العثماني؟
كانت معظم الدول العربية ترزح تحت الحكم العثماني حيث كان الفساد والرشوة .. كانت الحكومة العثمانية تحصل الضريبة وكان يمارس بيع وشراء حق تحصيل الضريبة لاشخاص عسكريين ومدنيين مما ادى الى ثورة العرب ضد الحكم العثماني .. ففي عام 1902 قاد الشريف عبد العزيز الثورة ضد العثمانيين وتم اخمادها .. وحتى ذلك الوقت كان الشريف حسين ابي علي وعائلته في السجن القسري لمدة 15 عاماً وكان يقود العائلة الحجازية اذ يعتقد ان اسلافه يعود الى النبي محمد.. كان له اربعة اولاد هم علي و فيصل وعبدالله و زايد تولوا الثورة العربية .. واصبح الحسين حامي مكة الذي عرض عليه البريطانيون بان يتولى الزعامة الروحية لمعظم العرب وقاد الثورة ضد العثمانيين.
بدأ الامير حسين بالثورة وقبل لورنس البريطاني كمستشار له .. احتل فيصل العراق وبعد ذلك العقبة وانتقل الى فلسطين وجنّد عرباً تابعين له .. هاجم فيصل خط السكة الحديد الذي يصل المدينة المنورة مع دمشق .. واصل فيصل الزحف وهزم الجيش العثماني الرابع مما منح الجنرال اللنبي قائد كل جيوش الحلفاء في الشرق الاوسط الوقت للاستعداد للهجوم .. وارسل الجنود الاستراليون على الخيل الى مصر والجنود الاستراليون الاخرون الجبهة الغربية في فرنسا وبلجيكا.
توجهت القوات الاسترالية بعد ذلك تحت قيادة الجنرال الاسترالي شافال .. في هذه الاثناء تقدم العثمانيون نحو قناة السويس واسندت مهمة رئيسية للقوات الاسترالية في الشرق الاوسط وحماية منطقة قناة السويس ضد الهجوم التركي ونجحت في مهمتها خير نجاح .. فقد حاربت القوات المصرية مع القوات الاسترالية في منطقة طوسن ومنطقة فردان من اجل الدفاع عن قناة السويس حيث حولت تلك المعركة الحرب من دفاع دول الحلفاء الى هجوم وكانت هي النصر الحقيقي على العثمانيين .. ومُنح ضابطان استراليان وسام الشجاعة فكتوريا كروس .. هاجم الاستراليون بعد ذلك العثمانيين في منطقة الرمانة حتى تراجع العثمانيون ووصل عدد القتلى والجرحى منهم إلى50 الف جندي.. واصلت قوات الانزاك زحفها على الخيل الى العريش ولعبت القوات الجوية الاسترالية دوراً في مراقبة تحركات الجيش العثماني .. وجهت بعد ذلك الخيالة الى رفح حيث كانت غزة تحت الاحتلال العثماني .. وقامت القوات البريطانية والاسترالية بمهاجمتها مرتين ولكنها فشلت.
قرر الجنرال اللنبي الاستيلاء على بئر السبع من الخلف فهاجم العثمانيين في بئر السبع بغته وتمكنت القوات الاسترالية من الاستيلاء على ابار المياه قبل ان يسممها العثمانيون .. استولت القوات الاسترالية على بئر السبع وقتل منها 97 جندياً فقط .. زحفت بعد ذلك الى غزة واستولت عليها .. واحتلت مدن الخليل والقدس وباقي فلسطين عام 1918.. رغم ان عدد الجنود العثمانيين كان يفوق عدد الجنود الاستراليين الا ان عدداً قليلاً من الاستراليين قتل في معارك فلسطين.
احتلت بعد ذلك قوات الحلفاء امارة شرق الاردن وعمان والسلط واريحا واتجهت الى دمشق وحماة وحلب وطرابلس حتى بيروت والعراق والخليج العربي .. وهنا يجب تصحيح خطأ تاريخي .. فكان يعتقد ان لورنس البريطاني قد دخل دمشق مع القوات العربية .. ولكن تقول المؤرخة جيل هاملتون في كتابها First to Damascus ان القوات الاسترالية التي اصطحبت الجنود البريطانيين العرب كانت قد سبقت لورنس في الدخول وتحرير دمشق وبيروت من العثمانيين .. وهي تقول ان التاريخ سجل انتصار القوات الاسترالية على الخيالة في بئر السبع الفلسطينية ولكن القليل يعرف ان القوات الاسترالية دخلت بيروت ودمشق قبل لورنس .. واثناء زحفها اسرت 40 ألف جندياً عثمانياً .. وقد ثأرت القوات الاسترالية من هزيمتها في غاليبولي بالانتصار في بئر السبع ودمشق .
لقد لعبت القوات الاسترالية دوراً رئيسياً في تحرير العرب من الاحتلال العثماني الذي جثم على صدر الدول العربية حوالي 500 عام .. ويجب تقدير التضحيات الاسترالية في تاريخ العرب في القرن العشرين.
ان ذكرى الانزاك ليس هو الاحتفال بالحروب والصراعات وانما هو يوم تكريم الجنود الذين قدموا ارواحهم قرابين وشيدوا القيم التي تقف عليها استراليا والعالم الحر الان .. ان مشاركة الجنود الاستراليين في الحروب وتقديم تضحيات هو مبعث فخر للشعب الاسترالي حتى يذكر التاريخ المشاق التي واجهها الجنود وتقديم التحية والتقدير لهم .. وفي ذلك الوقت يجب تعليم الجيل الناشئ في استراليا تاريخ الانزاك لانه الجزء الحيوي من تكوين الامة الاسترالية.
ان هدف مخطوطتي البحثية التي قدمتها لدائرة المحاربين القدامى ليس هو التركيز على الحروب والتاريخ .. ولكن فهم وتعلم اسباب الحروب وتجنبها فهي خراب ودمار والدليل على ذلك هو ما نشهده في الشرق الاوسط.