بقلم: فـيـصـل قـاســـم
زيارة مهمة الى مصر قام بها أوباما في مستهل ولايته الأولى كرئيس للولايات المتحدة الأميركية عام 2009، أراد من خلالها توجيه رسالة مهمة يؤكد فيها فتح صفحة جديدة من العلاقات الطيبة مع العرب، بادرها في خطاب، كان أشبه بمحاضرة، تحدث فيه عن الإسلام وتعاليمه السمحة ورقي عقيدته. وأشاد بأهمية مساهمة المسلمين في تطور الحضارة الانسانية.
وتكمن أهمية تلك الزيارة أنها كانت في فترة السماح، أو المئة يوم التي يعطيها الشعب الأميركي لكل رئيس في مستهل ولايته يخصصها لوضع عربة سياساته الداخلية على سكة نجاحه أو فشله. وعليه كانت تلك الزيارة مغامرة خطيرة يخصصها أوباما لقضية خارجية في تلك الفترة لحل القضية الفلسطينية التي كان كما بدا متحمسا لإنجازها. والتي إنتهى به المطاف إلى عدم ذكرها في خطابه الأخير في الامم المتحدة وبوجود الرئيس محمود عباس بعد أن كان قد ذكرها أكثر من عشر مرات في خطابه الأول عام 2009 من على نفس المنبر. جاء أوباما إلى بلاد العرب يحمل هم قضيتهم ويبحث عن حل لها فوجدهم بحل عن هذه القضية وأنها آخر همومهم. ربما لم يفاجأ برفض القاعدة وأخواتها وتوعد مقاومات مشغولة بقمصانها السود وتمجيد أيام غدرها بأهلها. ولا «بممانعة» دول «الصمود»ومراوغاتها. ولكن ما فاجأه أن قضية العرب الأولى كانت في آخر إهتمامات القادة العرب. منهم من كان همه توريث إبنه للحكم بغية الحفاظ على علاقات بلاده الجيدة مع أميركا. ومنهم من طلب دعمه للبقاء في الحكم بحجة أن « النحس الذي تعرفه خير من السعد الذي لا تعرفه”.
وبعضهم كانت إيران شغله الشاغل. ومعظمهم كان مهتما بمن كان سيفوز بالإنتخابات الإسرائيلية. أما الفلسطينيون فقد كانوا غارقين في بحر جدل بيزنطي بين عباس وحماس.
ولما باعد مسعاه لحل القضية الفلسطينية بينه وبين نتنياهو، ولم يقربه من العرب، ولما لم يعد هناك جدوى من إضاعة مزيد من وقته، يمم أوباما وجهه شطر إيران وكرس جهده ووقته نحو حل مشكلتها النووية حتى إستطاع أخيرا إنجاز إتفاق حققه بإصرار وعزم. واستحق به، عن جدارة، جائزة نوبل التي ربما أعطيت له في بداية ولايته لدعم سياسته الخارجية التي أعلنها في حملته الإنتخابية، والقائمة على سحب الجيوش الأميركية من العراق وأفغانستان، وإعتماد الحلول السلمية لا العسكرية في حل النزاعات الدولية.
ولم تكن مباركته لربيع الحرية العربي وحث رؤساء الديكتاتوريات في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا على التنحي عن الحكم لصالح الديمقراطية والحرية إلا تأكيدا لتلك السياسة.
بالأمس بكى العرب على الأندلس لم يحافظوا عليها كالرجال. وغدا سيبكون على فرصة أضاعوها إسمها باراك أوباما قد لا تتكرر في المستقبل المنظور. أجل، إن أوباما ليس نهاية الدنيا. وربما المصلحة هي أساس السياسة الخارجية للدول الكبرى. لكنه حين يرى، هو أو غيره، أن العرب قد حزموا أمرهم وبدأوا يقلعون شوكهم بأيديهم كما فعلوا بعاصفة الحزم سيدرك أن حصادهم سيكون كبيرا وسيجري إليهم ويخصص ما بقي له من وقت في البيت الأبيض للقضية الفلسطينية. وقد يأتي بحل يرضي العرب، رضي نتنياهو أم غضب كما كان شأنه مع نووية إيران.
لم يفت الأوان بعد، وبالأخص إن حزم القادة العرب أمرهم وأقصوا القاصي منهم ودعموا الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة وشدوا على يد تركيا وسارعوا إلى وضع فيتو عربي على روسيا. فقد تأخروا كثيرا على حزب الله حتى جرموه أخيرا. ما زال أمام أوباما وقتٌ كافٍ قبل نهاية ولايته لفعل شيء ما لصالح القضايا العربية وفي مقدمتها فلسطين وسوريا والعراق.
الخيار خيار القادة العرب، إما أن تكون الكرة بين أرجل كراسيهم لا حراك لها. وإما تحت أقدامهم يلقونها في مرمى خصومهم، أو يتسلل نتنياهو وبوتين في ظل الحرارة المتأججة اليوم بين أوباما وبينهما على نار حريق سوريا، ويلقيان كرتهما في شباكهم طالما أن في عيون حكام اللعبة الدولية حوَل يحول دون رؤية أخطائهما.