نقلا عن موقع الغربة
أجرى اللقاء
شربل بعيني
بعد لقاءين ناجحين مع الفنان نويل علماوي والشاعر فؤاد نعمان الخوري، ها نحن نطرق باب الاعلامي أنطوان قزي، رئيس تحرير جريدة التلغراف، ونرمي على مكتبه بعض الاسئلة المحرجة، التي أجاب عليها بشفافية ظاهرة:
ـ بعد النجاح الكبير لأمسية توقيع كتابك «وجوه مشرقة» اختفيت تماماً عن النشر، لماذا؟
– بعد صدور كتاب «وجوه مشرقة» ما اختفيت مطلقاً عن النشر، فقد صدرت لي بعد ذلك الوقت ثلاثة كتب في بيروت، كان آخرها كتاب «القبعة» الذي صدر منذ بضعة أشهر ونفدت طبعته الاولى وستصدر الطبعة الثانية بعد اسبوعين في بيروت.
قد تسألني لماذا أنشر في بيروت، والجواب هو ان كتبي معتمدة في اكثر من مئة مدرسة خاصة في لبنان و»القبعة» اعتمدت لتلامذة السنة العاشرة (البريفيه).
وانا الآن في صدد استكمال الجزء الثاني من «وجوه مشرقة» وهو موسوعة عن هجرة الجالية اللبنانية والعربية إلى استراليا.
وقد يصدر السنة المقبلة ان شاء الله.
ـ يقولون أنك متكبّر ومتشاوف ولا تشارك في ندوة لا تتكلّم بها.. ما ردك على هذه الاتهامات؟
– لا أستغرب هذا السؤال في بيئة يحوّل بعض مَن فيها الشائعات الى حقيقة ، لكنني أكتفي بالقول أن هناك عداوة دائمة ومستحكمة بين حامل الريشة والقلم وبين ممتشق سيف التشاوف والكبرياء. واوضح بل أؤكد انني شاركت في السنوات الماضية بنسبة تسعين في المئة من المناسبات والندوات الثقافية في الجالية ولم أكن متحدثاً فيها، وتغيبت عن مناسبتَي توقيع لسببين وجيهين جداً تزامنا مع التوقيعين. وللعلم ايضاً إنني سُئلت في اكثر من مناسبة توقيع للمشاركة في الكلام واعتذرت رغم حضوري المناسبة عينِها.
إذن لا تشاوف ولا كبرياء، كلنا خدّام في هيكل الكلمة، واحياناً للظروف احكام قد تغيب عن أذهان أهل الظنّ والمزاعم.. ـ أين تجد نفسك مرتاحاً أكثر في الاعلام أم في الشعر.. ولماذا لم تنشر ديواناً شعرياً حتى الآن؟
– اعترف صادقاً، ان الاعلام سرقني من عالم الكلمة شعراً ونثراً وانا الآتي من صفحات الأدب والإبداع على انواعه، وجدتُني في استراليا واقفاً امام باب صاحبة الجلالة ادخل بلاطها حاملاً زاداً وافراً من الشعر على انواعه ومن كنوز المعرفة التي اثقلتْها سنوات المطالعة والبحث.
أمّا لماذا لم انشر ديواناً من الشعر، فقد نشرت ديوان «ذاكرة الريح» الذي قدّم له الشاعر الكبير موسى زغيب في صالة مطرانية الملكيين الكاثوليك في غرينايكر سنة 2000 بحضور 670 شخصاً آنذاك.
ولدي امامي في جهاز الكمبيوتر نحو ثلاثة دواوين اتمنى ان يسنح لي الوقت لنشرها.
وعن المفاضلة بين الاعلام والشعر، فهذه عين وهذه عين.
ـ هل ندمت على مواقف اتخذتها.. وقلت في سرك لقد أخطأت يا أنطوان. وما هي؟
– تسألني عن الندامة والأخطاء وجُلّ من لا يخطئ ، والاعتراف بالخطأ فضيلة، والذي لا يخطئ كما نعلم هو الذي لا يعمل، وإذا كان ما تقوم به صحيحاً في نظر البعض احياناً قد يراه بعض آخر خطأ. وفي عالم الإعلام كيفما سرت تجد نفسك في حقل ألغام، لأن القارئ والمراقب لا يهادنان ولا يرحمان.
ندمت؟ نعم، على بعض اوهام وقناعات بنيتها في المكان الخطأ وكانت درساً مؤلماً لي.
ـ لقد كتبت مئات المقالات السياسية، هل ستنشرها أم ستبقى على الصفحات الأولى من أعداد التلغراف، كمرجع أو كتذكار اعلامي ليس إلا؟
– اذا اعطاني الله عمراً، طبعاً سأختار الأفضل من مقالاتي التي تجاوزت الثلاثة آلاف في استراليا وانشرها في اجزاء.
ـ لو لم تكن رئيسا لتحرير جريدة التلغراف، ماذا تحب أن تكون.. ولماذا؟
– لو لم اكن رئيساً لتحرير «التلغراف» لتمنيت ان اكون ذلك، وإلاّ انصرفت الى اعداد ارشيف دقيق وموسّع عن الهجرة اللبنانية الى استراليا.
ـ اذا استثنينا المقالات والاخبار التي تنشر في التلغراف، هل يقرأ أنطوان قزي في أوقات فراغه، ولمن؟
– انا قارئ نهِم منذ عمر الحادية عشرة، اقرأ تماماً مثلما آكل واشرب ولا ابالغ في ذلك، واكثر اوقات قراءاتي هي بين العاشرة والثانية عشرة ليلاً، وبالمناسبة لا يمكن ان تمرّ ساعة دون ان اكتب ، فإدمان الكتابة لديّ يلازمني تماماً كإدمان القراءة. صحيح انني نشرت 17 كتاباً حتى الآن بين القصة والناريخ والشعر، ولكن، لو لم يسرقني الاعلام لكانت هذه الكتب مضاعفة اليوم.
ـ هل أنت راضٍ عن الحركة الأدبية في أستراليا.. وماذا يجب أن نعمل لتفعيلها أكثر؟
– الحركة الادبية في استراليا تعيش حالة مدّ وجزر، الإبداعات الفردية وافرة ونرفع القبعات لبعضها وليست بالضرورة كلها ظاهرة للعيان ومعروفة، وليس كل ما نراه ونسمعه هو فقط الابداع، فهناك الكثير الكثير من الكنوز في هذه الجالية تحتاج الى تسليط الضوء عليها. وحان للأضواء ان تتحرك في كل اتجاه لتطال كلَّ المستحقين.
نعم الحركة الادبية تحتاج الى تفعيل، والتفعيل يحتاج الى نوايا صادقة ليس اكثر.. والاقلاع عن الدوران في حلقة «الأنا».
ـ الفايس بوك شوّه الشعر والأدب والاعلام لكثرة ما ينشر فيه من تفاهات وخاصة هنا في الجالية.. ما العمل كي نوقف هؤلاء عند حدهم؟
– اني افضّل الابتعاد عن المقارنة بين الفايسبوك وبين الشعر والادب والاعلام، لأن كل ميدان يخلو من الضوابط يكبو فرسانه ويسقطون وهم يوهمون انهم محلّقون.
أمّا ماذا نستطيع ان نفعل ، فعلى روّاد الفايسبوك ان يراقبوا انفسهم.. وللأمانة اقول : ان هناك خامات فاجأتنا بابداعها على الفايسبوك رغم ان الفورة السلبية من الطارئين قد طغت عليها وللأسف.
ـ كإعلامي عتيق، ما نصيحتك لمن يريد أن يدخل هذا المجال من أبناء الجالية؟
– يمكنني ان اتمنى على كل من يدخل مجال الإعلام ولا انصحه، لأنني لست في موقع الناصح، اتمنى على كل الزملاء الاّ يستسهلوا الخوض في مهنة المتاعب، فمطالبها كثيرة وصعبة، فكما انه ليس كلّ من قال آه اصبح مطرباً، كذلك فليس كل من حمل قلماً صار اعلامياً او اديباً وعلى الاعلامي والاديب اولاً ان يتواضعا، لأنهما ينحنيان دائماً وعيونهم على القلم فبهذه الإنحناءة يرتفع نتاج القلم بصاحبه وليس بغير ذلك.
ثم لا يخدعنّ أحد نفسه انه بمجرّد شطحة قلم يستطيع ان يميز القمح الجيّد من الزؤان، فالتاريخ هو الذي يحكم وليس المزاج الراهن.
ـ هل لنا أن نقرأ في آخر اللقاء إحدى قصائدك، ونتمنى أن تكون عن الحب؟
– يسعدني اخيراً ان اسوق هذه القصيدة من «الحواضر» وأرجو ان تنال رضاكم؟؟
امهليني
هل لهذا الصُبْحِ وجهٌ عندَ بابي
أم قناعُ الليلِ يُؤتيني جوابي
أمهليني واتركي الأجفان تحكي
ما دهى العينينِ في عهدِ الغيابِ
أوقَدَتْ عشتار في كأسي لهيباً
وارتوى الريحانُ دمعاً من شرابي
لستِ وجهاً كي أرودَ الحبّ فيه
لستِ زهراً كي يغذّيهِ ترابي
أنتِ دِينٌ أبحرتْ فيه صلاتي
أنتِ دنٌّ ما ارتوتْ منه الخوابي
انتِ عمرٌ شقّ في صدري ضلوعاً
تغرف الآهاتِ من جُرح التصابي
انتِ ثغْرٌ ما اشتهى في الأرضِ طيباً
يملأُ الأنفاس من غنجِ اللعابِ.
أمهليني واسألي الأطيارَ عنّي
كم رموشٍ أورقَتْ خلفَ اكتئابي
نجمةُ القبطانِ تحدوني غريباً
موعدُ الأسفار يصحو في كتابي،
بسمةُ الأحلامِ تهديني سراباً
قد برى أحداقها جنحُ الغُرابِ
باتتِ الأقباسُ في فجري سيوفاً
تنزعُ الأنداءَ من صدرِ السحابِ.
إن توارى الضوءُ من عيني دهوراً
أو أضعْتُ الشمسَ في دربِ الإيابِ
ثوبُكِ الفوّاحُ يسقيني عبيراً
يُقلقُ الأزرارَ في دوحِ الشبابِ
من جنونِ الأمسِ في قلبي دماءٌ
ليس للولهانِ عقلٌ في حسابي.