بقلم مارسيل منصور

By Marcelle Mansour

يتميز المجتمع الاسترالي المعاصر با لتنوع الثقافي والانفتاح على العالم ، وقد أثبتت أستراليا نجاحها في ذلك ، والتزامها بالحفاظ على التعددية الثقافية ، ولذلك نرى أستراليا في هذا العصرأكثر من غيرها من الشعوب تفاعلا مع القضايا الإنسانية والشعوب المظلومة والمغلوبة على أمرها .
اعتمدت استراليا تطبيق الفلسفة الاجتماعية المعاصرة القائمة على مبدأ التعددية الثقافية أو التنوع الثقافي منذ أوائل السبعينات ، والتي حلت محل سياسة «استراليا البيضاء» أي السياسة الانجلوساكسونية ، حيث تم استيعاب المهاجرين من جميع دول العالم المختلفة في الأعراق والجنسيات والديانات والثقافات ، على أمل الإندماج في المجتمع الاسترالي حتي تصبح هذه الأفواج من المهاجرين جزءاً فاعلاً من مكوناته ، ولا غرابة في ذلك إذا عرفنا اليوم أن استراليا ذات الثقافات المتعددة لديها اليوم ما يقرب من 220 أصول عرقية يتحدثون 225 لغة مختلفة ، على أن يسمح هذا التنوع الثقافي بالانسجام و التناغم واحترام الآخر ضمن أجواء الحرية والديمقراطية وتكافؤ الفرص ، كوسيلة لتعزيز الوئام بين جميع الناس بغض النظرعن دينهم وعرقهم .
ومن جهة أخرى ، فإن الحكومة الأسترالية تتوقع من الجاليات الإثنية أن ترد الجميل بأن ترى أفرادها مواطنين صالحين قادرين على الإنخراط والتأقلم في الوطن الأسترالي الجديد المعاصر ، والمساهمة الإيجابية في بنائه والولاء له.
ومن الملاحظ حاليا أن أهم ما يميزعصرنا الراهن ، هو أنه عصرالعلم المقترن بالتكنولوجيا الحديثة الذكية ، ولكنه في نفس الوقت ? من المؤسف – يجتاحه الكثير من الظلمة واضطراب المعايير في زمن التعصب والإرهاب .
ومع تفاقم النزاعات في بلاد الشرق الاوسط ، وظهور جماعات أصولية متطرفة ، والتي تعتمد على التمايزالديني والطائفي والمذهبي وما شابه ذلك ، أصبحنا نشعر تزايدا في التصدع بين الجاليات الإثنية عموما وأن الهوة بدأت تتسع في المجتمع المتنوع الواحد ككل ، وحتى بين المسلمين أنفسهم . ومما يلفت الانتباه هو ظهور مؤشرات التطرف في بعض المدارس ودورالتعليم ومراكز الصلاة ، والاطراد السريع في الفكر المتطرف . هذه الظاهرة المتنامية الملحوظة في عدد الشبيبة الاستراليين الراغبين في السفر إلى الخارج مثل سوريا والعراق للإلتحاق في صفوف الإرهابيين مثل داعش ، قد باتت بالفعل تؤرق السلطات الأمنية في البلاد حتى أنها قد أوقفت المتشككيين بهم من السفر إلى خارج استراليا  أوالعودة إليها .
لذلك نرى أن هناك حاجة ماسة إلى إعادة النظر في الجوانب الإجتماعية والسياسية والثقافية بما فيها التعليمية والدينية والتربوية . وكذلك إدراك أهمية الفنون والأدب والموسيقى في سد الفجوات المعرفية والتقريب بين المجتمعات .  ولهذا فقد بات من الأكيد حاجتنا الملحة قي هذا العصر المضطرب إلى بذل الجهود في مراجعة المنهج التعليمي من حيث الديانة والمواطنة والإنسانية و بناء الثقة المتبادلة ، وإعطاء الأمل للشباب ، وتحقيق الأمان والوئام والسلام .
ويجدر الإشارة هنا إلى أهمية التكاتف الأسترالي العربي في هذا المجال ، وإلى مدى حاجتنا إلى وجود قيادات محايدة ومسؤؤلة من أصول عربية ، خصوصا إذا عرفنا أن عدد المسلمين والمسيحيين يشكل معا ما يزيدعلى نصف سكان العالم ، لذلك فقد بات من الأكيد أن جزءا كبيرأ من مستقبل العالم يعتمدعلى السلام ومنطق الحوار بين الاديان ، من أجل التغيير والتحول على الصعيد الفردي والجماعي بما ويناسب العصر .
فالحديث عن المعاصرة ، ربما يطرح أكثر من سؤال ! كيف يمكن التحول ؟ التحول من ماذا ؟ والتحول إلى ماذا ؟ ولماذا ؟ كيف نتغير ونغير؟ كيف ننتقل من فكر قديم إلى فكر جديد ؟ كيف يمكن التخلص من فكر متطرف أسود وولادة فكر معتدل ناصع ؟ وهل ستؤدي هذه الاضطرابات التي نعايشها اليوم إلى تقلص مفهوم التنوع الثقافي ، وربما الإلغاء التدريجي له بعد ان أصبحت المخاوف تدب في العديد من أفراد المجتمع ، وتميل إلى التمسك بتقاليد البلد الأم على حساب الوطن الجديد استراليا ؟ وهذا ما يتبعه في سؤال لاحق ؟
كيف أثرت الجالية العربية في المجتمع الاسترالي من حيث التنوع الثقافي ؟ وكيف تفاعلت وإلى أي مدى ؟ وإذا كانت قد أثرت وتأثرت ، هل يعتبرهذا التأثير إيجابيا أم سلبيا ؟ وهل أنجبت الجالية العربية في أستراليا مفكرين معاصرين لمناقشة فكرة «الحرية» أو»اليمقراطية» أو»العدالة» « أو»المساواة» أو»احترام الآخر» مثلا ؟ أوالحسم في كيفية القضاء على الفكر الإرهابي؟  أو التحدث عن مسألة استيعاب مفهوم» المعاصرة» في عصرنا الراهن ؟
فما أحوجنا اليوم إلى التمحيص وإعادة التفكيرفي تغييرالفكر، والغرف من محاسن القديم والجديد معا ، وصياغتهما وسكبهما في قالب حديث معاصر ، وبالتالي يمكن إنتاج عصير طازج تستطيع أن تنهل منه الأجيال الصاعدة والمعاصرة .
إن استراليا سباقة إلى أن تشرب من كؤوس المفاهيم الهامة والضرورية في حياتنا من القيم الرفيعة التي سبق ذكرها ، وعلينا أن نعمل سويا على أن يمتزج هذا الشراب بروح العصرفيستبدل القديم بالحديث ، وأن يتحول من التخلف إلى التقدم ، ومن الجمود إلى التطور نحوابتكار نسيج جديد من الفكر ، لنشرب من هذا المزيج حتى يصبح دماءا جديدا يسري في عروقنا ، وينمو في أجسادنا ، ويجدد عقولنا و أرواحنا .