اذا كان من المسلّم به ان لا مصلحة لاي فريق داخلي في تحريك نيران التشنج والتوتر الذي يغلب عليه الطابع المذهبي، فبماذا تفسر اللعبة الخبيثة التي دارت رحاها طوال اليومين الاخيرين مشعلة المخاوف من فلتان شارع «يزهو» بعروض مذهبية فاقعة؟
واذا كان الجيش اضطر الى تنفيذ انتشار ميداني واسع مرات عدة في أقل من 24 ساعة بين ليل السبت وليل الاحد لطمأنة من أخذهم الرعب في ظل «السيناريوات» و»البروفات» التي تعيد الى الذاكرة المتوترة عملية 7 أيار 2008 المسلحة، عن حق او عن توجس، فبأي «عدة شغل « سيواجه المعنيون السياسيون والامنيون الاستعدادات الجارية لاجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في أيار المقبل وسط هذا «العبق» المتصاعد للشحن المذهبي والسياسي؟
والأخطر مما سبق، هل صار لبنان فعلاً الساحة الوسيطة الجديدة والبديلة للصراع الاقليمي وتحديدا الخليجي ? الايراني وقت بدأت في سوريا هدنة مفروضة بثقل الدولتين الكبريين الولايات المتحدة وروسيا؟
بطبيعة الحال لم تتسارع هذه الاسئلة والمخاوف دفعة واحدة بفعل شريط هزلي تهكمي عرضته محطة «ام بي سي» عن الامين العام لـ»حزب الله « السيد حسن نصرالله فقط على رغم اثارته موجات احتجاج واسعة لانصاره في الشارع. بل ان المخاوف تصاعدت مع معاينة حجم الاحتقانات التي كشفتها هذه الواقعة واتخذت طابعي التحدي والاستفزاز وتجاوزت في بعض جوانبها ردة الفعل العفوية في ما قرأه الآخرون في الشارع المقابل «بروفة» ورسائل ضمنية موجهة اليهم. ولم يكن أدل على خطورة المناخ الذي عاشته «الشوارع» المذهبية في الساعات المنصرمة من تمادي عمليات قطع الطرق في بيروت والضاحية الجنوبية والطريق الساحلية الجنوبية وطريق شتورا – تعلبايا الحيوية الامر الذي استدعى اتصالات عاجلة بين القيادات العسكرية والامنية والقيادات المعنية في «حزب الله» وحركة «أمل» و»تيار المستقبل» لوقف موجات التوتير تجنبا لاي حسابات أو مزالق خاطئة. واذ سجل انتشار واسع للجيش مساء في مناطق كورنيش المزرعة ورأس النبع والكولا والسفارة الكويتية، بدا لافتا النداء الذي وجهه الرئيس نجيب ميقاتي الى جميع القيادات والمرجعيات» من أجل دعوة المناصرين الى الهدوء وعدم الانجرار الى ما يؤدي الى الفلتان التام، «مستنكراً» ردود الفعل التي استهدفت الأنبياء والصحابة».
وعلم ان المسيرات الدرّاجة التي سيّرها أنصار «حزب الله» إستنكاراً للشريط التلفزيوني الذي تناول الامين العام للحزب بلغت ليل السبت – الاحد مشارف السفارة السعودية في بيروت في شارع بلس – المنارة حيث تجمع مئات من مناصري الحزب وهم على دراجاتهم النارية أمام الحاجز الذي وضعته القوى الامنية على مسافة أمتار من مبنى السفارة وراحوا يهزون العوائق الحديد فيما كانوا قد تجمهروا أيضا على مقربة من منزل الرئيس فؤاد السنيورة الكائن في المحلة نفسها. وحذّرت أوساط وزارية في قوى 14 آذار عبر «النهار» من أن تكون تحركات انصار الحزب في أكثر من منطقة بمثابة «بروفة» لـ7 أيار جديد مشيرة الى ان الجيش إتخذ التدابير اللازمة لحماية الامن الداخلي.
على خط مواز، لم تستبعد هذه الأوساط ان يكون هذا التوتير وتوظيف ردة الفعل على الشريط للتأثير على مجريات جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية غدا الاربعاء بحيث يجري توظيف الاحتجاجات لمنع أي من المرشحين لرئاسة الجمهورية من المشاركة في هذه الجلسة.
وعلم ان رئيس مجلس النواب نبيه بري اجرى اتصالات في قيادة الجيش مطالباً بأخذ زمام المبادرة لمنع كل التجاوزات في شوارع العاصمة، كما بدأ باجراء اتصالات بكل من «حزب الله « و “تيار المستقبل” لاحتواء التوتر. وسئل بري عن مصير الحوار بين الفريقين، فأجاب: «ما هو البديل الحوار؟ هذا الحوار سيستمر وكذلك الحوار الوطني الموسع». وفي المواقف البارزة من التطورات تمنى رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط على المملكة العربية السعودية « ان تقبل الاعتذار من أجل العلاقة التاريخية مع لبنان وقال في حديث الى محطة «اورينت نيوز» إن «حزب الله هو امتداد للسياسة الايرانية وجزء من منظومة ايرانية في لبنان» واعتبر ان هناك « تغييراً في الخرائط في الشرق الاوسط « مؤكدا وجود خطر لتقسيم سوريا».
«تعليق» الجلسات؟
في غضون ذلك، علم ان جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل وزّع على الوزراء وهو يتضمن 169 بنداً. ونقلت أوساط وزارية عن رئيس الوزراء تمام سلام إستياءه من البطء الذي يتعلق بملف النفايات و»هو في صدد قلب الطاولة إذا لم يحرز تقدم قبل موعد الجلس».
وفي معطيات اوساط متابعة، كما قالت ان الرئيس سلام سيلجأ في حال عدم حصول تطور إيجابي في ملف النفايات الى تعليق أعمال مجلس الوزراء.
فرنسا… وواشنطن
الى ذلك، أبلغت مصادر ديبلوماسية غربية ان ولي العهد السعودي الامير محمد بن نايف سيقوم بزيارة رسمية لباريس في 3 آذار الجاري وان زيارته ستشكل مناسبة لتداول الملف اللبناني مع المسؤولين الفرنسيين الذين يخشون ان تطول الازمة الناشئة بين لبنان والسعودية ويسعون الى مخارج لمصلحة البلدين.
وفي المقابل، برزت مواقف أميركية اكتسبت دلالات مهمة مع انتهاء زيارة الوفد النيابي اللبناني لواشنطن الاسبوع الماضي من حيث تحييد الاقتصاد والقطاع المصرفي في لبنان عن العقوبات الاميركية ضد «حزب الله». وأوضح نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى جيرالد فيرنستاين ان الوفد اللبناني «سمع رسالة قوية من الادارة والكونغرس عن دعم كبير للبنان وتفهم التحديات التي يواجهها الشعب اللبناني». ولكن لفت في المقابل الى ان الوفد «سمع بوضوح ان هناك التزاما للولايات المتحدة لتحجيم حزب الله وقدراته التدميرية». وكشف ان الاميركيين سيتحدثون مع المسؤولين السعوديين من اجل اعادة النظر في قرار وقف الهبة للجيش.