بدأت كرة الثلج تكبر، وتشي بمزيد من التدهور الذي يدخل لبنان في نفق المواجهة السعودية – الايرانية المظلم، مهددة الاستقرار فيه ومصير حكومته المتضامنة شكلا لا فعلا بعدما فشلت كل الاتصالات والمساعي للتهدئة الفعلية تجاه الدول العربية واعادة ترميم العلاقات معها، مما جمد طلب رئيس الوزراء تمّام سلام مواعيد رسمية للقيام بجولة خليجية.
وتجاوزت أزمة لبنان في علاقته بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الحدود الاقليمية فبلغت أروقة الامم المتحدة وعواصم القرار، بسبب تأثيراتها المباشرة على الاستقرار في البلد الذي يستوعب، الى مواطنيه، نحو مليوني لاجئ سوري وفلسطيني هاربين من بلادهم واماكن اقامتهم الاصلية.
وعلم ان دوائر الامم المتحدة العاملة في لبنان وجهت أمس الى الامين العام للمنظمة الدولية بان كي – مون كتابا تعبر فيه عن قلقها من تداعيات اجراءات اضافية تتخذها دول الخليج تجاه الرعايا اللبنانيين الذين يقيمون ويعملون على اراضيها، مما يساهم في التأثير سلباً على الوضع الاقتصادي المتدهور أصلاً، ويدفع الى احتمال قيام فوضى تنعكس على الوضعين الامني والاجتماعي بما يعوق العمل الاغاثي للمنظمة الدولية، وكذلك الامني في الجنوب اذ قد يدخل «طابور خامس» على الخط يفيد من الفوضى للقيام باعمال ارهابية أو امنية.
هذا الموضوع كان محور لقاءين في السرايا ، الاول مع المنسقة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة سيغريد كاغ التي كانت زارت الرياض وطهران في وقت سابق ودعتهما الى تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، والثاني مع سفير فرنسا ايمانويل بون الذي أعلن ان بلاده تتابع «الحوار مع السلطات السعودية من جهة ومع السلطات اللبنانية من جهة أخرى، للوصول الى الهدف الذي نعمل عليه والذي يهم الجميع، ألا وهو حماية لبنان وتنفيذ برنامج تجهيز الجيش اللبناني». واكد «وقوف فرنسا المستمر الى جانب لبنان لحمايته من نتائج الصراعات في المنطقة، وجميعنا لدينا فائدة استراتيجية من الاستقرار في لبنان».
وأوضحت مصادر وزارية أن الديبلوماسية الاميركية تحركت أيضاً امس لتحييد لبنان عن المواجهة الايرانية – السعودية.
وكانت السعودية صعدت موقفها أمس بالطلب من رعاياها مغادرة لبنان وعدم زيارته، بعد ايام من وقف المساعدات العسكرية المخصصة له بسبب مواقفه «المناهضة» للمملكة والتي عزتها الى «مصادرة حزب الله» إرادة الدولة، وكرت السبحة فتبعتها دولة الامارات العربية المتحدة بقرار «منع» رعاياها من السفر الى لبنان وخفض بعثتها الديبلوماسية في بيروت الى «الحد الادنى». وليلاً اصدرت مملكة البحرين قرارا مماثلا فناشدت مواطنيها عدم السفر نهائياً الى لبنان.
وتأتي الاجراءات الجديدة على رغم تأكيد الحكومة اللبنانية اثر جلسة استثنائية عقدتها الاثنين التمسك «بالاجماع العربي في القضايا المشتركة»، ونيتها التواصل مع الدول الخليجية لازالة «أي شوائب» في العلاقة معها خلال الفترة السابقة.
وفيما كان رئيس الوزراء يعدّ الخطوات العملية لزيارة السعودية وعدد من دول الخليج، رشحت معلومات عن سفارة المملكة في بيروت لم تكن مشجعة وأوحت بأنّ البيان الحكومي لم يكن على قدر توقعاتها. وأبلغت مصادر وزارية «النهار» ان الرئيس سلام سيتريّث في طلب موعد لزيارة الرياض كي تنجلي التطورات التي جنحت أمس الى التعقيد في ضوء الموقف الذي أعلنه وزير الخارجية جبران باسيل بعد جلسة مجلس الوزراء ورفضه التراجع عنه ليل أول من أمس على رغم الاتصالات التي جرت معه، وكذلك عدم حصول رئيس مجلس النواب نبيه بري على ضمانات من «حزب الله» لوقف الحملة على الرياض مما إنعكس صدور بيانات حظر السفر من السعودية والامارات والبحرين معا. وتنشط الاتصالات اليوم لتحضير الاجواء لجلسة مجلس الوزراء غدا كي لا تكون عاصفة كما هو متوقع حتى الان. واعتبرت مصادر وزارية ان الحل في كمن بالاسراع في انتخاب رئيس للبلاد يعيد تنظيم العلاقات ويضبط الايقاع لان مجلس الوزراء مقبل حتما على مواجهة ستدفع وزراء الى الانسحاب وربما الاستقالة.
وعلم ان مشاورات جرت بين أركان 14 آذار في شأن مستجدات العلاقات اللبنانية-السعودية وما صدر من بيانات بحظر السفر الى لبنان. وأعتبرت مصادر مواكبة أن الازمة لم تنته بقرار مجلس الوزراء الاخير بل بدأت وتعقّدت أكثر بالمؤتمر الصحافي للوزير باسيل بعد جلسة مجلس الوزراء. وقالت إن هناك عملية مراجعة للتطورات جارية الان لإتخاذ الموقف المناسب.
من جهة ثانية، أكد سفير المملكة علي عواض عسيري بعد استقباله وفوداً أمت السفارة متضامنة، أن «التحرك العفوي خير تعبير عن محبة الاشقاء اللبنانيين لقيادة المملكة العربية السعودية وحرصهم على صون العلاقات الأخوية التاريخية، ويؤكد ان بعض الاصوات والجهات التي تسعى الى النيل من هذه العلاقة لا تعبر عن لبنان الذي نعرفه، لبنان الهوية العربية، لبنان الوفاء للأشقاء ولبنان المنسجم مع محيطه وثقافته وتاريخه».
في المقابل، شنت كتلة «المستقبل» أعنف هجوم على «حزب الله» مترافقاً مع مقدمة اخبارية شديدة اللهجة لتلفزيون «المستقبل». ورأت الكتلة «إن الدور المتمادي لحزب الله في استتباع ادارات ومؤسسات الدولة والسيطرة على قرارها وتخريب علاقات لبنان الخارجية عموماً وعلاقاته العربية خصوصاً، أصبح يشكل خطراً حقيقياً على حرية لبنان وسيادته، وعلى مصالح اللبنانيين في الداخل والخارج.
إن هذا التخريب الذي يستمر حزب الله بارتكابه قد أخذ أبعاداً سياسية واقتصادية واجتماعية، وزاد عليها بعداً خطيراً يتمثل بضرب علاقات لبنان بأشقائه العرب نتيجة سياسات الحزب وحلفائه.
إن منطق الدويلة الذي ينمو ويتوسع على حساب الدولة وسيادتها، يعتدي بسلاحه غير الشرعي على مصالح كل اللبنانيين خدمة للمصالح الايرانية ومشروعها مما أدى إلى ضرب الاستحقاقات الدستورية وضرب مرافق الدولة وصولاً الى ضرب مصالح كل اللبنانيين».