بقلم هاني الترك
By Hani Elturk OAM
بعدما وقّع رؤساء حكومات الولايات والمقاطعات على وثيقة تحول استراليا إلى النظام الجمهوري تعالت الأصوات مطالبة بمباشرة هذه المبادرة حتى عام 2020 بإجراء استفتاء شعبي وتعديل الدستور بشأن القضية الهامة.
غير أن رئيس الوزراء مالكولم تيرنبل الذي ترأس في الماضي حركة جمهورية استراليا والذي يعتبر أكثر القادة الاستراليين تحمسا للجمهورية خذل المطالبين بالتحول وأعلن أن الوقت ليس مناسبا لذلك ويجب الانتظار إلى ما بعد عهد الملكة اليزابيث وإجراء التحول إلي النظام الجمهوري.
إن فصل استراليا عن التاج البريطاني هو ضروري إذ لم يعد لبريطانيا أهمية تُذكر لاستراليا سواء من النواحي الاقتصادية أو العسكرية أو حتى الثقافية. فبعد الحرب العالمية الثانية حلّتْ الولايات المتحدة مكان بريطانيا كحليفة لاستراليا.. مع أن استراليا انبثقت من بريطانيا وورثت عنها الميراث القانوني والنظام السياسي الديموقراطي واللغة الإنكليزية وبقي ارتباطها بالبلاط الملكي فقط.. صحيح أنه لا يمكن للبرلمان البريطاني أن يسنّ قانونا يُفرض على استراليا ولكن الملكة اليزابيث هي رأس الدولة الاسترالية ويمثلها في استراليا الحاكم العام.
ان القومية الوطنية الاسترالية هي اساسية في ان يكون رأس الدولة الاسترالية استراليا وليس ملكة بريطانيا.. وحتى يكتمل استقلالها الوطني عن بريطانيا يجب قطع ارتباطها بالنظام الملكي البريطاني.. ولكن هناك بعض القادة الاستراليين الذين يرفضون ذلك مثل رئيس الوزراء الاسبق جون هاورد وطوني آبوت.. ولكن فك الارتباط بالنظام الملكي البريطاني هو حتمي مهما طال الزمن.. ويرى البعض ان استراليا سوف تتحول الى النظام الجمهوري حينما ينتهي عهد الملكة اليزابيت اذ انها تتمتع بالتقدير والاحترام من معظم افراد الشعب الاسترالي.
ويعود فشل الاستفتاء العام الذي جرى عام 1999 بتحويل استراليا الى جمهورية الى التعصب الاعمى لرئيس الوزراء جون هاورد الى الملكة البريطانية. فهو محافظ جداً في سياسته الى اقصى اليمين مع انه يسلّم في نفس الوقت ان التحوّل الى النظام الجمهوري في المستقبل هو حتمي.. انه لا يريد اجراء الاصلاح السياسي بفصل استراليا عن بريطانيا.. واهدر بذلك هاورد فرصة ذهبية ان تتحول استراليا الى جمهورية مع بداية الألفية الثالثة.. فليس هناك زعيم دولة في العالم حتى ضمن الدول المتخلفة لا يحب تحقيق الاستقلال الكامل لبلده سوى هاورد وأبوت.. فهما حالة شاذة بين زعماء المجتمع الدولي.. والقاعدة الذهبية في الانظمة السياسية اننا يجب الا ننظر كيف كانت الدولة في الماضي.. ولكن كيف يحقق النظام طموحات الشعب في المستقبل.. فإن هاورد وأبوت لا يزالا يعيشان في اوهام الماضي حينما كانت استراليا جزءاً من بريطانيا.. ولا يودان قيادة استراليا نحو الاستقلال والحرية الكاملة عن التاج البريطاني.
فإن الملكة هي شخصية محترمة في استراليا وبريطانيا.. وقد بلغت الثمانين من عمرها.. وهي لا تعبأ باستراليا.. وفي حال وفاتها قد يصبح الامير تشارلز ملكاً.. وهو ليس محترماً في الاوساط الدولية ولا سيما البريطانية والاسترالية بعد الفضيحة الملكية التي تورط فيها مع الاميرة الراحلة ديانا.. والأدهى من ذلك فإن الجدل حالياً قائم حول اهمية العائلة الملكية البريطانية لبريطانيا ذاتها.. ومع ذلك يصر المؤيدون الملكيون الاستراليون على الابقاء على الروابط الدستورية مع بريطانيا.. والحق ان بريطانيا كانت تتوقع استقلال استراليا عنها منذ عدة سنوات.. والبريطانيون انفسهم مندهشون لتمسك بعض الاستراليين بالبلاط الملكي البريطاني.
ولا زالت قضية فصل الحاكم العام ممثل الملكة في استراليا لرئيس الوزراء المنتخب غوف ويتلم في ذلك الزمن تلح على الذاكرة وتفرض نفسها على الثغرات في الدستور الذي صدر عام 1901 وينص على ان الحاكم العام وهو الممثل للملكة هو الرأس الحاكم لاستراليا.. ناهيك على ان ذلك الدستور ينص ايضاً ان الحاكم العام هو القائد العام للقوات الاسترالية.
فما بالك لو اصبحت بريطانيا في المستقبل جمهورية وتخلت عن النظام الملكي.. فهنا يصبح رئيس جمهورية بريطانيا هو رأس الدولة الاسترالية.. والتناقض الحالي بين السلطات البريطانية والسلطات الاسترالية هو كبير مثل السلطة القضائية.. فإن الانظمة البريطانية تعبر عن القيم المبادئ والمثل والحياة البريطانية.. ولا تعبر عن القيم والمبادئ والمثل والحياة الاسترالية.. ومن الناحية النظرية الدستورية فإن استراليا خاضعة لبريطانيا . والنقطة الهامة الاخرى ان الدستور البريطاني ينص على ان رأس الدولة البريطانية يجب ان يكون تابعاً للديانة الانكليكانية والملكة هي رأس الكنيسة ايضاً الى جانب كونها رأس الدولة البريطانية.. في حين ان الدستور الاسترالي ينص على ان الديانة ليست لها علاقة في تقلد اي منصب رسمي.. اي ان الدين ليس عاملاً في اختيار رأس الدولة اي الحاكم العام.
وتحول استراليا الى النظام الجمهوري يتطلب تعديل الدستور… بموافقة الاغلبية من الشعب اضافة الى موافقة اربع ولايات على الأقل من الولايات الست ومقاطعة العاصمة كانبيرا والمقاطعة الشمالية.
من هنا تبدو الحاجة الى تثقيف الشعب بأهمية وكيفية التحول للنظام الجمهوري.. بالقيام بحملة توعية بين صفوف الشعب.. لأن الذي سيحسم القضية اولاً وآخراً هو الشعب.
فقد تغيرت استراليا وتبدلت خلال 228 عاماً فرغم انها ولدت من احشاء بريطانيا الا انها تطورت واصبحت لها ملامح قومية خاصة ومركزاً عالمياً مميزاً.. وخصوصاً انها اصبحت دولة متعددة الحضارات والثقافات تضم اجناساً من اصول غير انكلوساكسونية.
ولكن يتطلب التحوّل الى النظام الجمهوري الاتفاق على ماهية وسلطات رأس الدولة الاسترالية على ان يطرح بعد ذلك النموذج الى الاستفتاء الشعبي واذا وافقت عليه الاكثرية من الشعب والاغلبية من الولايات الاسترالية سوف يعدل الدستور وتصبح استراليا جمهورية.
وحتي يتحقق الحلم القومي وتصبح استراليا جمهورية يجب توعية الشعب بأهمية التحوّل والشعور بالاعتزاز القومي وضرورة احداث التغيير لأن تصبح استراليا دولة حرة مستقلة تماماً امام المجتمع الدولي لأن جزءاً كبيراً من ابناء الشعب الاسترالي غير ملّم بأهمية التحول وضروريته وحتميته
فيجب ان يكون رأس الدولة استراليا يعيش في استراليا وينتخب او يعين بناء عن جدارة وليس بموجب الميلاد.. ان الملكة تروج في المجتمع الدولي لبريطانيا وتمثل بريطانيا ولا تمثل استراليا ولم تروج لاستراليا ابداً.
مفهوم الاستفتاء إلى جمهورية
بمناسبة الحديث عن تحول استراليا من النطام الملكي إلى النظام الجمهوري الذي يتطلب الاستفتاء والتصويت على القضية لتعديل الدستور يُقال أحياناً أن الاستفتاء هو Plebiscite وأحيانا Referendum .. فما الفرق؟
يقول القاموس القانوني من الإنكليزية إلى العربية أن اللفظ Plebiscite هو استفتاء شعبي من خلال التصويت لجميع أفراد الشعب.
ولكن في الموسوعة بريتانيكا أنه الاستفتاء ليس على أساس اختيار الفرق بين قضية وبديلة لها ولكن على أساس الموافقة أو رفض الشعب مباشرة للقضية مثل التحول إلى جمهورية وبصرف النظر عن الأحزاب السياسية أي «نعم» أو «لا».
في حين أن تعريف اللفظ Referendum في القاموس القانوني من الإنكليزية إلى العربية هو استفتاء عام مباشرة عن طريق
التصويت في شأن إجراء تشريعي مهم.
وبناء على الموسوعة بريتانيكا أن مفهوم Referendum هو تعبير رأي الشعب من خلال التصويت وقد تكون نتائجه إلزامية أو اختيارية.. وفي استراليا نتائج الاستفتاء في تغيير الدستور هي إلزامية.