كلوديت سركيس
دخل الوزير السابق ميشال سماحة الى مبنى المحكمة العسكرية هذه المرة من باب مدخل المبنى طليقًا آتيًا من منزله في سيارته وعائلته وسط طوق امني كبير ضُرب في محيط المبنى. وخارج هذا الطوق وقف جمع من المتظاهرين من ذوي الموقوفين الاسلاميين.
وولج سماحة باب قاعة محكمة التمييز العسكرية حيث تجري محاكمته، وليس من الباب المؤدي الى قفص الاتهام مكبل اليدين. وجلس على المقعد المخصص للحضور والشهود في انتظار دخول هيئة المحكمة برئاسة القاضي طوني لطوف وحضور ممثل النيابة العامة لدى المحكمة القاضي شربل ابو سمرا وانطلاق جلسة جديدة من المحاكمة.
وللمرة الاولى منذ بدء محاكمة سماحة باشرت المحكمة بالنظر في ثلاثة ملفات قبل البدء بملف الوزير السابق المتهم فيه بنقل متفجرات من سوريا الى لبنان في سيارته، بقصد استهداف سياسيين ورجال دين في تفجيرات. واستمع سماحة الى مجرياتها، وهو رغم تخليته منذ ايام لم يبد مغتبطًا، على العكس كان متعبا وانعكس ذلك على وجهه . وعندما استدعاه رئيس المحكمة أخذ طريقه نحو منصة الشهود، متأبطًا ملفه.
في مستهل الجلسة أبلغ وكيل سماحة المحامي صخر الهاشم المحكمة، ان الدفاع لم يتسلم منها شقًّا من داتا الاتصالات المتعلقة بموكله وكانت طلبتها. وتبيّن انها لم ترِد بعد رغم إرسال كتاب تأكيد الى شركة الخليوي «ام تي سي» من ممثل النيابة العامة لدى المحكمة القاضي شربل ابو سمرا بتاريخ 17 كانون الاول الماضي. وابلغ الهاشم المحكمة انه اطلع على كتاب من وزير العدل يفيد ان المحكمة العسرية الدائمة ومحكمة التمييز العسكرية لم تفصلا في مواد جرمية في قانون العقوبات مُحال سماحة بها، ولا تزال عالقة وستتخذ تدابير فيها بالطلب من النيابات العامة التحرك والادعاء عليه بها مجددا. فأوضح القاضي لطوف ان محكمته لم تتبلغ لتاريخه اي كتاب بخصوص هذا الموضوع او سواه.
ومن جهتها أثارت المحامية رنا عازوري وكيلة سماحة مسألة عرض بعض وسائل الاعلام المرئي اشرطة مسجلة في التحقيق الاولي مع موكلها في فرع المعلومات، وطلبت ايداعها المحكمة لمقارنتها مع مضمون تفريغ الاشرطة التي كانت ضُمت الى الملف. فأوضح رئيس المحكمة ان جميع التسجيلات في التحقيق الاولي مع سماحة موجودة في المحكمة ومحفوظة لديها وتمَ تفريغها منها. وباشر بمتابعة استجواب سماحة الذي افاد انه تأكد من الوزير السابق محمد الصفدي في اتصال معه عن عمل المخبر ميلاد الكفوري لديه . واضاف مشيرا مرة ثانية الى ان الاخير بادر بعرض عمل ما بإزاء الفلتان على معابر الحدود اللبنانية السورية غير الشرعية في الشمال لجهة تهريب اسلحة من مسلحين في الاتجاهين. وقال «تدرج الكفوري في كلامه معي في هذا الموضوع بين شباط وتموز 2012. كان يتابع، بحسبه، تصريحاتي الاعلامية في شأن ما أُدلي به عن الحدود الشمالية من تهريب اسلحة في الاتجاهين عبر تلك الحدود الفلتانة، الى ان بادرني «لازم نعمل شي». وفي كل مرة كنت ألتقيه يفتح معي الموضوع اياه، فيما قبل شباط تردد الي مرة كل شهر كان يناقشني في شؤون عامة، باعتبار تعاطيه تطورات الشأن العام من خلال عمله السابق مسؤولا امنيا، واتصالات سياسية مع الصفدي والنائب روبير فاضل، من دون ان يذكر امامي في تلك الفترة علاقته بأي جهاز امني او سياسي. وكنت اعلم انه سبق ان عمل في مجال الامن في القوات اللبنانية، واخبرني انه يتعاطى مع جهاز المخابرات في الجيش اللبناني.
وسئل سماحة «أفدت ان الكفوري طلب من سكرتيرتك خلال زيارة مكتبك في الاشرفية في غرفة على حدة حتى لا يراه احد. ألم تستغرب هذا الامر؟ اجاب «عقلاتو هيك. هو يتعاطى في امور امنية، وآثر ان اناديه باسم زهير نحاس، لكي لا يتعرف اليه احد. وهو الاسم المستعار الذي كان يطلقه على نفسه خلال عمله في طرابلس»، عازيًا تردد الكفوري اليه «كونه ابن منطقتي».
. الا تستغرب ان يأتي الكفوري اليك متخفيًا وبالسر؟
_ لا نظرا الى عمله في طرابلس.
. ألم تشكّ في ان يكون مبعوثا من احد في عرضه ما عرض بحسب اقوالك؟
_ لا . هو ابن ضيعتي . وكان يقول لي عندي مجموعة، وأريد القيام باعمال امنية. هو عرض نفسه للقيام مع مجموعته بأعمال امنية على الحدود اللبنانية السورية غير الشرعية . ولم اشك في ان يكون مرسلا من جهة ما، لأنني لم اكن اعرف انه في جهاز امني . وهو كان قطع علاقته مع المخابرات اللبنانية بعد تغير مسؤول معين فيها.
. وماذا عن مجموعة الكفوري؟
_ لا اعرف ان لديه مجموعة. ولكن كان يخبرني ان لديه اناسا يزودونه معلومات بحكم علاقته بالصفدي.
. افدت في الجلسة الماضية انك لم تتعاطَ بالامن، وان عملك مقتصر على السياسة . وفجأة قال لك الكفوري ان لديه مجموعة ومستعد للقيام بعمل امني. لماذا تابعت علاقتك به ولم تقطع الطريق عليه؟
_ لان الكفوري اقنعني نوعا ما بفكرة عمل شيء على تلك المعابر غير الشرعية لعرقلة تسلل المسلحين ونقل سلاح في الاتجاهين.
. هل كنت على علاقة مع اجهزة امنية او امنيين؟
_ لا بالمعنى الحقيقي.
. وهل فكرت في ان تتصل بأحد من الاجهزة الامنية وتخبره بما عرضه عليك الكفوري؟
_ لا . لأن الجو الذي كنا فيه وقتذاك كان محكومًا بسياسة النأي بالنفس من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وعدم وجود غطاء سياسي لاقفال تلك الحدود . فلم يخطر ببالي مطلقا ابلاغ الاجهزة الامنية بذلك.
. هل ورد في كلام الكفوري معك عن القيام بأعمال تلغيم على الحدود ذكر تفجيرات تطال سياسيين ورجال دين؟
_ لم يرد في كلامه ولو تلميحا اي عرض لتفجيرات تطال سياسيين او رجال دين.
. وهل فكرت باتخاذ موقف من عرض الكفوري؟
_ لم افكر مطلقا بالموضوع لانني كنت مأخوذا بزيارة اربع دول اوروبية بينها الفاتيكان . ولم يكن لدي مساحة ذهنية كافية للتفكير بهذا الموضوع في تلك المرحلة . واضاف «بعد عودتي من اوروبا اتصل الكفوري بي على الفور، وكنت منهمكا باعمالي واعتذرت عن عدم استقباله ولكنه ألحّ بالحضور الى مكتبي فوافقت على لقاء قصير . وخلاله كرّر الكفوري العرض .فاجبته»يا ميلاد شو بدك مني انا.انا اتعاطى السياسة .فعقب على كلامي» اريد هذا العرض خدمة منك .
. امام هذا الالحاح من كفوري وطلبه منك تأمين مستلزمات العرض من سوريا . ألم تتساءل عن سبب إلحاحه عليه . لنفترض انه مغرم بلبنان ألم يثر طلبه شكوكا في نفسك؟ ألم تتساءل عن دافعه وخصوصا انه لم يطلب في تلك المرحلة المال لقاء عرضه؟
_ لا. هناك ساعات تخل . ولم اعتبر انه موظف لاستدراجي.
. مستلزمات التلغيم التي طلب الكفوري تأمينها من سوريا متوافرة بكثافة في الداخل اللبناني. ألم تستغرب طلب تأمينها من خارج الحدود اللبنانية؟
_ سألت الكفوري عن سبب اصراره على احضار هذه المستلزمات من خارج الحدود، فأجابني انه يرغب بعدم اطلاع احد داخل لبنان في شأن ما يريد القيام به.
. الم يكن في مستطاع مجموعة الكفوري تأمين هذه المستلزمات؟
_ انا لا اعرف شيئا عنها. لم يكن يقبل ان يتكلم معي اي شيء عن المجموعة.
. انت قبلت عرض الكفوري. الم تُقدر المسؤولية المترتبة على موضوع نقل متفجرات عبر الحدود؟
_ فكرت اكثر بوطني . وانطلاقا ممّا كنا نشاهده ونسمعه من وسائل الاعلام . انا فكرت بما هو موضوع اساسي حاليا ولم افكر بنفسي انما في مصلحة بلدي.
. لماذا لم تودع الكفوري شخصا امنيا بالنسبة الى عرضه ما دام عملك الاطار السياسي؟
_ لم ترد هذه الفكرة في ذهني حينذاك. ولم اكن اعرف ان كان السوريون سيقبلون بعرض كفوري ام لا . ولم يكن لدي اي توقع بخصوص موقف السوريين منه. وفي ذهني ان تلغيم المعابر غير الشرعية يمكن ان يكون المتسللين مستهدفين فيها .
. ولكن هذه المعابر موجودة بين قرى وليس في صحراء ؟
_ هي في خراج البلدات . انا لا اعرف طبيعة الجغرافيا في منطقة عكار. الكفوري من يعرف ذلك. وحتى اللحظة لم اكن اعرف انها تقع ضمن قرى لبنانية او على حدودها. الكفورىي سمى البلدات انا لم افعل. وهنا تناول سماحة افادة سلبقة له تاليا ما ورد فيها لهذه الجهة.
. لكنك في استجوابك امام المحكمة تحدثت عن مشروع تلغيم طرقات تؤدي الى المعابر. والحدود معروفة عندنا وهي اكثر عرضة لوجود منازل؟
_ لم يخطر في بالي مطلقا ان هناك اناسا يعبرون من خلال تلك المعابر.
. اتيت ايضا خلال ذلك الاستجواب على ذكر مراكز تجمع مسلحين . الن يؤدي تفجيرها الى قتل ناس؟
_ انا اعتبرهم مسلحين خرقوا السيادة اللبنانية واحتلوا جزءا من اراضيه ويعرضون لبنان لخطر داهم.
. هل تعتبر نفسك مسؤولا عن امن الحدود بخصوص تلغيم مراكز تجمع المسلحين؟
رفض سماحة الاجابة عن هذا السؤال . فسئل كيف فاتح السوريين بعرض الكفوري، فاجاب «تحدثت مع (السوري) العميد عدنان بخصوص الاغراض، بعدما كان الكفوري سلمني لائحة حدد بها الحاجات، اضافة الى طلبه مبلغ 200 الف دولار. وردّ العميد عدنان «نحن عادة نطلب من السلطة اللبنانية ان تتصرف». واشار سماحة الى انه اطلع على تلك اللائحة التي كانت تتضمن تعابير تقنية اجهل معناها».
. وهل فكرت في سبب اندفاعك وقتذاك؟
_ ضليت مكفى
. الم يغير الطلب المادي للكفوري شيئا في تفكيرك؟
_ كنت اشك بموضوع المال.
. بات الهدف ماديا هنا. الم يغير تفكيرك شيئا؟
تدخل المحامي الهاشم معترضا، فطلب منه رئيس المحكمة عدم التدخل لحين ينتهي المتهم من الادلاء بجوابه . وكرر السؤال على سماحة الذي طلب من محاميه عدم الانفعال، فاجابه المحامي الهاشم بالنفي . وبادره رئيس المحكمة من جديد «لا يحق مقاطعة الجواب . فعند انتهائه يحقّ لك الاعتراض وندون اعتراضك في المحضر. واعاد طرح السؤال على المتهم الذي اجاب «شرح الكفوري الحاجة لهؤلاء الناس وعليً ان انقل ما طرحه».
. الفكرة ان الكفوري اعطاك اللائحة فجأة وطلب 200 الف دولار. الم يستوقفك ان ما تعتبره اندفاعا للبنان تحول فجأة الى طلب الكفوري المال؟
_ لا لم اتفاجأ. ولم يدفعني الامر الى اعادة التفكير في الموضوع.
. وعندما اخذ الكفوري يحدثك باهداف اخرى غير المعابر غير الشرعية.
_ سايرته في الموضوع لقناعتي بعدم وجود مقدرة لدى مجموعته للقيام بذلك.
. ومن لديه مقدرة على تلغيم مراكز تجمع مسلحين اليس قادرا ان يضع متفجرة في عشاء او افطار؟
_ انا نقلت تصوره. لا اعرف. اعتقدت ان هذا الامر صعبا لانني ربما لا افهم في مجال التفجير ولاعتقادي ان تفجير افطارات اصعب من تفجير مراكز مسلحين.
. وهل خطر في بالك ان السوريين سيضعون المتفجرات في سيارتك لنقلها الى لبنان؟
_ لا . لم يخطر في بالي.
. الم تتفاجأ؟
_ تفاجأت ولكنني نقلتهم.
. الم يراودك ان ينقلوها في سيارة اخرى؟
_ راودتني ولم تراودني عندما وضعها عدنان في سيارتي . بعدما اخذ المفتاح مني تفاجأت ولكنني لم اعترض وقرّرت المضي في الموضوع.
. رغم كل المخاطر كنت مطمئنا الى ان السيارة لن يتم تفتيشها على الحدود؟
_ نعم.
وهنا اعلن رئيس المحكمة رفع الجلسة لمتابعة الاستجواب في الرابع من شباط المقبل.