أيوب سعيد
في اجتماع لقيادة القوات البحرية التابعة للحرس الثوري في مدينة بندر عباس في يوم 16 من الشهر الجاري، ترأسه مستشار قائد القوة البحرية للشؤون التقنية والعلمية نقي بور رضائي، جرى خلاله تشكيل «جبهة مقاومة الجنوب» تطبيقا لأوامر المرشد، لمواجهة التحديات الأمنية الناجمة عن تحركات «الجبهة الشعبية العربية» في اقليم الاحواز، التي «تستغل تدني المستوى الثقافي والاقتصادي لمجتمع الجنوب» لتنفيذ اجندتها السياسية.
حيث أكد هذا الاجتماع على ضرورة رفع منسوب التنسيق والتعاون بين مختلف اجهزة الدولة(بين الحرس الثوري وباقي مؤسسات الدولة) التي تنطوي على الحرس الثوري والجيش والشرطة وأئمة المساجد ونواب المجالس المحلية والبرلمان، في إطار برنامج عمل يتوخى مكافحة الأسباب التي قد تفضي لعدم استقرار سياسي وأمني، في تقاطع مع نفوذ «الجماعات الإقليمية والعابرة للحدود».
تأتي هذه الخطوة كاستشعار استباقي إيراني بالخطر، يقطع الطريق امام الدول العربية وتحديدا الخليجية للمس بالأوضاع الداخلية الإيرانية. فاقتراب الأزمة السورية من حدود الحل السياسي جراء الجهود الدولية التي تتوجت بقرار مجلس الأمن الدولي 2254، دفع الأطراف السورية المتحاربة ومن وراءها طبعا القوى الإقليمية الداعمة لهذه الأطراف- مع انطباق هذا الوصف تقريباً على الحالة اليمينية مع اختلاف درجات التعقيد-، إلى تحسين موقعه التفاوضي من خلال زيادة مجهودها العسكري في الميدان من جهة، وعبر مضاعفة هذه القوى نفوذها السياسي في بؤر رخوة مرشحة للانفجار.
لا يمكن فهم هذه المبادرة الإيرانية، الا بوضعها في سياق التطورات الإقليمية وسياسات حافة الهاوية التي امتهنتها الدول الشرق اوسطية في علاقاتها البينية جراء هشاشة بل عدم مشروعية القواعد السياسية والاقتصادية والثقافية التي قام عليها هيكل النظام الإقليمي، مما يضع الشرق الأوسط على آفاق التشظي الجيوسياسي، يعيد معه اعادة رسم الحدود القومية للدول مع الأخذ بالنظر خطوط الفصل الثقافي-العرقي في هذه البلدان. إذ فيما اصبح التدخل الايراني في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربية خلال نصف العقد الأخير أمرا اعتادته حتى الدول الخليجية بتهافت وسائل اعلامها لنقل تصريحات او افتعال أزمات مصدرها المخابرات الإيرانية، نتيجة جرأة المسؤولين الإيرانيين بالتحدث وبشكل علني عن انتهاكات حقوق الأقلية الشيعية في هذه الدول وتحديدا في البحرين والمنطقة الشرقية السعودية؛ ترددت في المقابل دول مجلس التعاون عن تناول القضايا الداخلية الإيرانية المتعلقة بالقوميات غير الفارسية وفي مقدمتها القومية العربية الاحوازية ما تمثله من امتداد ثقافي وجغرافي للمحيط العربي المجاور.
هذا الجمود اتصف به التعاطي الخليجي مع القضية الاحوازية حتى قبل ايام، حيث بادر خمسة برلمانيون بتقديم مذكرة للبرمان البحريني نالت موافقة أربعين نائب، لصياغة قانون يفترض الاعتراف بدولة الاحواز، في خطوة استثنائية خليجياً أفصحت عن نزوع سعودي- على الرغم من عدم صدور هذا الموقف من السعودية، إلا أن البحرين تعبر أحياناً عن المواقف التي لا تستطيع الاخيرة اتخاذها بهدف تجنب المنطق الصفري في علاقاتها الخارجية- لتحريك الملف الاحوازي عربياً ودولياً، في إطار مشروع خليجي-تركي تجلى بتشكيل مجلس التعاون الاستراتيجي بين السعودية وتركيا، يضع في اولوياته التصدي للهيمنة الإيرانية.
وعلى خلفية إعدام المملكة العربية السعودية الشيخ نمر النمر وماتبعه من تفاقم الأزمة الدبلوماسية الإيرانية السعودية جراء الاعتداء على سفارة الاخيرة في طهران، بادرت عدد من الدول العربية في اتساق مع الموقف السعودي بقطع العلاقات الدبلوماسية او خفض مستواها مع ايران، ذلك ما يضيّق أفق خروج ايران من عزلتها الدولية نتيجة تأرجحها التاريخي بين أن تكون «دولة أو قضية» حسب تعبير هنري كيسينجر.
فيبدو ان صراع التيارات السياسية المتفاقم في اصطفاف المتضادين اليمن والمعتدل المدعوم من قبل الاصلاحيين، قد شمل الأزمة الخارجية التي تعصف بمكانة ايران الدولية؛ اذ بينما يسعى اليمين المتطرف عبر قيادات الحرس الثوري ورجالات الدين المهيمنين على مجلسي الخبراء وصيانة الدستور، بمضاعفة حدة التداعيات السياسية من خلال التهديد بمعاقبة النظام السعودي، يبادر التيار المعتدل على لسان الدبلوماسية الإيرانية بالاعتذار لمجلس الأمن الدولي على حادثة الاعتداء على البعثات الدبلوماسية السعودية، وذلك في إطار استثمار سياسي داخلي على حساب الاصوليين ولصالح الإصلاحيين الذين تزيد فرص نجاهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة.