المتروبوليت بولس صليبا
« أعرفكم أيها الأخوة بالإنجيل الذس بشّرت به أنه ليس بحسب إنسان. لأني لم أقبله من عند إنسان ولا عُلمتُه بل بإعلان يسوع المسيح «. (غلاطية 1: 11- 19). اتُّخذت هذه القراءة من رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية. يكتب الرسول فيها إلى الكنيسة التي أسسها حديثاّ في غلاطية عن أهمية الإنجيل الذي بشّرهم به. ما هو الإنجيل؟ ما هي أهميته في حياة كل مسيحي؟ هل هو ضروري أم لا؟ لكي نفهم تتطور الأمور التي يتكلم عنها، يجب أولاً أن نفهم الأسباب التي دفعت ببولس إلى أن يكتب هذه الرسالة.
بشّر الرسول بولس غلاطية ومحيطها، خلال رحلته التبشيرية الثانية سنة 52 م. كما يتّضح من الرسالة نفسها. بقي فيها مدة طويلة. ونفهم من الرسالة أيضاً أنه خلال وجوده في غلاطية مرض مرضاً عضالاً. خاف الغلاطيون عليه لدرجة أنه لو سألهم أن يقلعوا أعينهم ويقدموها لهم، لما تأخروا…» تعرفون كيف بضعف جسدي بشّرتكم بالإنجيل أولاً… وكنتم على أهبة الإستعداد لتقديم خدمة أعينكم لي».
وحال ترك الرسول مدينة غلاطية، ابتدأ المعلمون الكذبة ينشرون تعاليم مُتهودة متهيمنة بأنه ليس رسولاً للمسيح، ليس رسولاً حقيقياً، وإنه يُبشّر بإنجيل كاذب وتلافيق أخرى. كل هذه الأمور لم تحدث خلال إقامته بينهم. لماذا؟ لأن الظلمة لا تستطيع أن تغلب النور. الكذَبة وفاعلوا الشر، يقول السيّد، لا يرغبون بالنورلأنه يفضحهم بما هم فيه أشرار لأن من يفعل الشر يكره النور، ولا يأتي إلى النور لأن كل من يفعل السيئات يبغض النور ولا يأتي إلى النور لئلا توبخ أعماله: (يوحنا 3: 20).
لسوء الحظ نجد كُثُر من هؤلاء الأشخاص في أيامنا، في محيطنا. أتكلم عن أولئك المعلمين الذين يلبسون ثياب المحافظين، مدّعين بأنهم هم وحدهم المعلمون الحقيقيون، يكتبون، يتهمون، ويزرعون بزار الكراهية بين المؤمنين، ويُقسّمون جسد الكنيسة، يُحاربون في كتاباتهم وأقوالهم مسؤولي الكنيسة الذين جاهدوا خلال حياتهم كلها للحفاظ عليها ونشر تعاليمها.
ما هي التعاليم الكاذبة التي وجهوها ضدّ الرسول بولس؟ كانت أكاذيبهم كثيرة ومسلطة. قالوا بأنه ليس رسولاً، لا تسمعوا له: نحن نحافظ على الختان، نحن تحت نظام العهد القديم، وناموس موسى، نحن تباع الرسول بطرس وليس من تباع بولس، لا تسمعوا له إنه رئيس أساقفة فقط. سيخوننا، سيبيع الكنيسة وإيمانها، وكأن الأورثوذوكسية هي مزرعة أشخاص وحدهم يحق لهم فعل ما يشاؤون بها. لكن الكنيسة ليست كذلك. الأورثوذوكسية هي جسد المسيح، وجسد المسيح يُحفظ من الكنيسة باحترام كلي وخوف ربّاني.
قرأت موخراً مقالة في إحدى الجرائد يقول فيها الكاتب « سوف لن أتوقف عن محاربة الكنيسة «. بكل وقاحة يُعلن الكاتب هدفه وهدف صحيفته.
بينما كان بولس في أفسس، أخبروه عن أعمال المعلمين الكذَبة. تأثر الرسول في العمق من تصرفات هؤلاء الأخوة الكذبة. وكان عليه أن يضحض تعاليمهم. كتب لهم ما يلي: « بولس رسول لا من الناس ولا بإنسان بل بيسوع المسيح والله الآب…» هل هناك من برهان أهم من هذا على رسوليته؟ أيها الغلاطيون! إن الإنجيل الذي أبشّركم به ليس اختراعاً بشرياً. لم أتسلمه من بشر. لم أتعلمه من إنسان. لكني تسلمته من يسوع المسيح. أعلن المسيح إنجيله لي بينما كنت متوجهاً إلى دمشق لأضطهد أتباعه وكنيسته. أوقفني الرب، وببرهة دعاني لأكون رسولاً له، إناء مصطفى، علماً للشعوب وموتاً للمسيح.
من فم الرسول، حصلنا على شهادة للإنجيل، تحقيقاً للمبادئ، قال الرسول بطرس في الرسالة الثانية (1:21) « لأنه لم تأت نبؤة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس». ويعيد الرسول بولس نفس تعليمه في الرسالة إلى تسالونيكي، « إذ أن الأنبياء، عندما كانوا يُعلنون تعاليمهم كانوا متأكدين بأنهم وسائل في يديّ الله وبواسطتهم تكلم مع شعبه. لذلك يبدأ النبي كل نبؤة
«…. هذا ما يقوله الله، من فم الله نتكلم بهذه التعاليم». عندما تكلم السيّد مع تلاميذه قال لهم: « أنتم لا تتكلمون بما تعرفون أو تريدون، لكنه الروح القدس الذي يتكلم بواسطتكم».
ترجّى الرسول الغلاطيين ليواظبوا على الإنجيل لأنه من الله. مُشدّداً على أنه « ولو أتى ملاك ما حاملاً إنجيلاً آخر، فليُرمى به خارجاً».
هذا الإنجيل تُعلمه الكنيسة الأورثوذكسية وتُحافظ عليه ككنز لا يُثمّن منذ ألفي سنة. تدعونا الكنيسة كما بولس لنحافظ على هذا الإنجيل وأن لا نعطي أي اهتمام للتعاليم الكاذبة و»الحركات الجديدة»ال Modern
ولنحافظ على إنجيل المسيح تاركين مجالاً للإيمان والفرح ليسيّرا حياتنا.