لقد مرّت الإحتفالات بالميلاد والفرح والتعب والتمجيد. اجتمعنا كعائلة، عيّدنا بعضنا بعضاً، أكلنا وشربنا  تبادلنا الهدايا.
رأينا الملائكة وسمعنا « … جمهور من الجند السماوي مسبِّحين المولود الجديد وقائلين: المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسَّرة « (لوقا 2: 13- 14).
انتعشت قلوبنا بسماع موسيقى الملائكة ، ولكن الملائكة و الموسيقى بعد أن مكثوا معنا على الأرض مدّة من الزمن عادوا فارتفعوا عنا. « ولما مضت عنهم الملائكة إلى السماء…» (لوقا 2: 15).
رجع المعيّدون إلى أرضهم وواقع الحياة اليومية عاد ليضعط مجدداً على أعصابهم. لقد اشتروا وصرفوا بدون حساب ولا تفكير. والشعور بالإحباط الذي يأتي عادةً بعد الأعياد، يُضعف إرادتهم. بنوا قصور تصوراتهم قبل العيد التي لا تلبث أن تسقط كلها بعد ساعة أوساعتين من التعييد. انتظروا وتأملوا بالكثير. كل ذلك كان حسناً، لكنه لمدة قصيرة من حياتهم. لقد مرّ الوقت كالبرق ليعودوا إلى واقعهم ويواجهوا نفس المصاعب والأمراض، الفقر والقساوة والإبتزاز والحروب….
فإذا كان هذا كل ما يقدمه الميلاد، عندها يكون حدثاً عابراً. وإذا رفع روحنا ولبرهة فحسب لتعود وتهبط في اليأس، فالميلاد ليس فرحاً ولا سلاماً ولامسرّة. في الواقع الميلاد ليس كذلك، وقصد الله لم يكن كذلك أيضاً.
سأتكلم باختصار عن الرعاة، مريم، والمجوس، ونرى كيف غيَّر الميلاد حياتهم.
الرعاة:
يقول لنا الإنجيلي لوقا في (2: 20) « ثم رجع الرعاة وهم يمجّدون الله ويسبّحونه على كل ما سمعوه ورأوه كما قيل لهم» . توجه الرعاة إلى بيت لحم وكان صوت الملائكة يرّن في آذانهم. رأوا الطفل الإلهي في المذود وتعجّبوا من المشهد. ثم كان من الضروري في اليوم « الذي بعد «  أن يرجعوا إلى قراهم، إلى الحقول والمواشي والإهتمام بها. إلى نفس الحقول، نفس القطيع، ولكن بمفهوم جديد. يقول الإنجيلي لوقا: «كانوا يُرنمّون وهم راجعون، وكأن مجد تلك الليلة يسير معهم لبقية أيام حياتهم»، للتخفيف من تعب «اليوم الذي بعد « وللتخلص من الإحباط.
لقد حصلت أمور عجيبة ليلة العيد. رأوا الله متجسّداً، التقطوا نظرة من النعيم. تغيّر كل شيء. كانت السماء تلمع بنور جديد. أصبح العتيق جديداً. دخلت إلى حياتهم خيوط  نور براقة وجديدة. نعم لقد عادوا إلى نفس الحقول والهضاب، لكنها وبنفس الوقت كانت جديدة، حياة جديدة مليئة تمجيداً لله ومليئة بالفرح، بالخبر السار بابن الله. إن الشخص الذي جعل التجديد ممكناً هو» عمانوئيل ? الله معنا.
قال أحد الشبيبة: «تهب الرياح، تتساقط الثلوج، لكن محبة الله الصادرة من مذوده تـُدفئ العالم».
أم الله:
دعونا ننظر إلى كيفية تأثير الميلاد على أم الله. يُعطينا كتاب العهد الجديد تعبيراً هومن أجمل ما قيل عنه، « وكل الذين سمعوا تعجّبوا من قول الرعاة لهم».  لكن مريم حفِظت كل شيء في صدرها «. حفِظت الميلاد في قلبها ولم تسمح بإخراجه منه. تساءلت في قلبها عن كل ما نظرته وسمعته. أبقت الرؤية حيّة  بالصلاة والتأمل. أما بالنسبة لهذه الأم العذراء، فسوف لن يكون هناك من إحباط « في اليوم الذي يتبع».
المجوس:
أخيراً سألقي نظرة على المجوس. عندما عرفوا بمؤامرة هيرودس لقتل الصبي، بطلبه منهم أن يعودوا إليه ليعلموه أين هو، ليأتي ويسجد له، لم يرجعوا إلى أورشليم، لكنهم « ذهبوا بطريق آخر «، كما كتب الإنجيلي متى. ماذا عنى الإنجيلي بقوله هذا؟ لا شك بأنه عنى أنهم أخذوا طريقاً آخر غير الطريق التي اتبعوها حتى يُبعدوا قتلة هيرودس عن الصبي. لكن ألا يمكن أن تعني هذه العبارة أكثر من ذلك؟ أفلا يمكن أن تعني بأنهم رجعوا إلى بيوتهم عن طريق آخر بالمعنى الروحي؟ ما رأوه في المذود غيّر حياتهم. لا يمكن لمن يجتمع بالمسيح بإيمان، ولو لمرة واحدة، أن يعود ويبقى كما كان: مبادؤه، أهدافه، تصرفاته لم تبق نفسها. لم تعد طريقة الحياة السابقة مقبولة ومُرضية. عليه أن يجد طريقة حياة أخرى في أورشليم الروحية.
بعد بضعة أيام من الميلاد، يَصل رأس السنة. وكمثل المجوس، رأينا النجم، مثلهم تبعناه إلى بيت لحم، مثلهم سجدنا للطفل، قدّمنا له هدايانا، وقبلناه في مذود روحنا- بالمناولة. والآن، دعونا نسير بطريق أخرى، طريق الله، تاركين وراءنا الخوف، المماحكات الماضية، الخطايا القديمة، الأحزان القديمة. دعونا نسير نحوالمستقبل مع المسيح، بتواضع، بلطف، بمحبة، بشعور أعمق للآخر، لمساعدته، لتحقيق وطأة حاجاته، وبنفس الوقت بشعور أعمق لحضور المسيح مخلصنا، معنا المولود عمانوئيل ?» الله معنا «.
وإذ نُنزِل زينة الميلاد لنحفظها في العليّة، علينا أن لا نُنزِل معها المسيح. مكان سكن المسيح ليس العليّة، انه غرفة الجلوس، غرفة النوم، قلوبنا ولكل أيام السنة. حضوره معنا هوجوهر وهدف الميلاد.
كتب أحدهم:
لماذا نعيِّد ليوم الميلاد؟
لولادة طفل في أرضٍ بعيدة؟
للمعان نجم في غياهب الصحراء؟
نعم هذه الأمور هي قسم من الميلاد،
الملائكة والمجوس والنجم اللامع،
لكن جوهر وقلب الميلاد هو
حضور المسيح ليسكن في حياتك وحياتي
إذا سكن المسيح في قلبك وقلبي، سوف لن يكون هناك من « إحباط في اليوم التالي للميلاد.
حضوره سيجعل من اليوم الذي يليه « حاراً بمحبته، بغفرانه، وبنعمته» .
لقد وصلت زيارتنا لبيت لحم لخاتمتها: و كالرعاة سنعود إلى روتينية حياتنا و واجباتنا مرنّمين بإيمان متجدّد بالله. وكالمجوس سنرجع بطريق أخرى، طريق المسيح، طريق السلام، المحبة والفرح. وكأم الله، سنُحافظ في قلوبنا على معنى ولادة المسيح لتعطيها أهدافاً جديدة، فرحاً جديداً للسنة المقبلة ولكل حياتنا.
أرسل أحدهم يوماً بطاقة معايدة بمناسبة الميلاد لصديق جاء فيها:
عندما توقفت ترنيمة الملائكة
عندما اختفى النجم في السماء
عندما وصل الملوك و الأمراء إلى منازلهم
عندما عاد الرعاة إلى قطعانهم
آنذاك يبدأ عمل المسيح فينا
لنجد الضائع
لنشفي مكسور القلب
لنزور المسجون
لنبني الوطن
لنحل السلام بين الأخوة
لنخلق موسيقى للقلوب
هللويا ! للطفل مولود.

آميـــــن
المتروبوليت بولس صليبا