المتروبوليت
بولس صليبا

عمل الداعي للعشاء كل جهد للتأكد من حضور المدعوين. أرسل دعوتان: الأولى، يُذكر بها المدعوين بالدعوة. والثانية، صباح يوم الوليمة، أرسل عبيده ليُعلمهم بأن كل شيء مهيء  تعالوا كل شيء قد اُعدّ».
« تعالوا !» الإنجيل هو دعوة أكثر من كونه أمراً. إنه هدية أكثر من كونه طلباً. دعوة للإشتراك بفرح الملكوت.
« تعالوا !» ينتظرك الله. ينتظر الفقير، الأعمى، المشلول و… مهيء لأستقبال الذين قضوا قسماً من حياتهم على طرقات ومفارق الحياة. يدعونا كلنا « تعالوا كل شيء قد اُعدّ «.
كما يفتش الراعي عن خروف ضال، وكامرأة تسقط على الأرض مفتشة عن قرش ضائع، كأب ينتظرعودة ابنه الشاطر، كذلك الله، ينتظر، يطلب، يفتش ويدعو.
تعالوا يا من تبحثون عن معنى للحياة. تعالوا يا من أنتم جياع وعطاش للصلاح. تعالوا يا من تثقل عواتقكم خطايا الحياة. تعالوا أيها الخائفون والمتآمرون. تعالوا يا أيها الباكين. تعالوا يا من تفتشون عن السلام والإمتلاء. تعالوا المائدة مليئة ومهيأة. على كل منكم أن لا يذهب جائعاً… افرحوا لأن المآكل غينة وكثيرة. على كل منكم أن لا ينوح كونه يعمل ويسقط. المغفرة أنهضت المائت من الموت. فلم يخاف أحدكم الموت؛ لأن موت مخلصنا منحنا الحرية.
أحد الفلاسفة كتب كثيراً عن عبودية « يجب». يجب أن أفعل كذا وكذا… إذا ما وضعنا الكثير من « ال يجب « على كتفي أي شخص سيسقط تحت الثقل عاطفياً. البعض يعتبر المسيحية واحدة من الديانات التي تُشدّد على «اليجب». بالنسبة لهم، هي مجرد سلسلة أوامر. يجب أن تفعل كذا. يجب أن لا تفعل كذا… لكن المسيحية ليست في جوهرها « ديانة يجب». إنها بالدرجة الأولى ديانة « تعال «. قوة المسيحية الجاذبة، ليست في «يجب أن لا». لكن في «تعالوا إليّ». تعالوا وامتلأوا من الروح القدس. تعالوا وامتلأوا من حضور نعمة قوة الآب. «إذا أتينا إليه فسنمتنع عن فعل ما يجب أن لا نفعله». ولكن لأن القيام بهم سيعطينا سروراً وسلاماً وتعبيراً عن محبتنا للسيّد.
معلقاً على قول المسيح « تعالوا إليّ يا جميع المتعبين…» كتب الذهبي الفم ما يلي: دعوته فريدة؛ حسنه ومحبته لا يمكن تحديدهما. « تعالوا إليّ جميعكم». لا القادة فحسب، ولكن شعوبهم؛ لا الأغنياء فقط، ولكن الفقراء أيضاً؛ لا الأحرار فقط، ولكن العبيد أيضاً؛ لا الرجال فحسب، بل النساء أيضاً… يدعو الجميع ليأتوا إليه. إنها هدية السيّد. لا يميّز بين العبد والسيّد. انظروا إلى الذين يدعوهم. إنهم أولئك الذين صرفوا حياتهم بعيداً عنه وعن تعليمه، المثقلون بالخطايا، أولئك الذين لم يعودوا يتحملون ثقل خطاياهم. لماذا يدعوهم؟ لا ليحاسبهم ولا لمحاكمتهم. لكن ليخلصهم من آلآمهم، وليأخذ عنهم أثقالهم. عندما يدعونا السيّد قائلآ : « تعالوا « لا يقف على رأس سلم كبير في السماء ويدعونا للصعود إليه. نفسه قد نزل درجات السلم ليقف بجانبنا. آتياً إلينا.
« من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء… وأصبح إنساناً ( دستور الإيمان) «. حملت ابنها ولفته بسبان وأضجعته في مذود. وُلد في مذود. أتى وعاش بيننا ومات على الصليب. أتى يهيء العشاء والخلاص لنا. وأرسل اليوم عبيده يدعوننا « تعالوا كل شيء قد اُعدّ « رُفضت دعوته «: اشتريت حقلا…، اشتريت خمسة أزواج بقر…، تزوجت امرأة… لا يمكنني أن آتي، اعذرني. هذه كانت الأعذار. أفلا نسمعها نفسها اليوم؟ المشكلة الكبيرة هي في سماعنا وقبولنا لدعوات خاطئة في الحياة. نخسر الوليمة، الحياة الحقيقية بالمسيح ونرضى بالأقل والزائل. ويستمر يسوع منادياً « اورشليم، أورشليم… كم جرّبت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها… ورفضت « (متى 23: 37).
أرفض الدعوة مدعياً بأني لست مستحقاً للحضور؛ ثيابي غير لائقة؛ لا أعرف كيف أتصرف في قصر السيّد. لا معنى لكل هذه الأعذار. الدعوة وُجهت للجميع دون استثناء. غير مطلوب أن نكون كاملين لنأتي إليه. تقدم منه كما أنت، بخطاياك، أحزانك وضعافاتك… تقدم من الذي يمكنه أن يشفيك ويسامحك ويقبلك.
أتى إليه البرص العشرة وشفوا… الأعمى وحصل على نظر… الخطأة أتوا وغُفرت خطاياهم. الأموات، اُعيدوا للحياة. « من يأتي إليّ لا أرميه خارجاً «.
سوف لن يعرف واحدنا جمال ولمعان صالة العشاء التي يُهيؤها السيّد للذين يأتون إليه. سوف لن يعرفوا طعم المأكولات والفرح الذي ينتج عن تناولهم من طعامه إلا عندما يضعوا جانباً كل الأعذار والخطايا ويقبلوا الدعوة.
تقدّم منه الآن وستسمع لصوت أب مُحب قوله: « تعالوا إليّ يا مباركي» أي إلى الملكوت المُهيء لكم منذ تأسيس العالم.
آميــــــــــن