بقلم بيار سمعان

من الاهداف الاساسية للارهاب هي فرض الرعب النفسي على الاعداء
لذا يمكن القول ان فرنسا لم تسقط في هذا الفخ ولم يقع الفرنسيون رهينة الرعب. بل على العكس ، انتقلت فرنسا كحكومة وكقوات امنية من مرحلة الصدمة الى الهجوم المعارض والى المزيد من اللحمة الداخلية.
ونفذت الطائرات الفرنسية هجوماً على مراكز قوات دولة الاسلام في سوريا من قواعد عسكرية ومواقع لتخزين الاسلحة والمعدات كما نفذت القوات الامنية هجوماً باتجاه من نفذوا عملية الهجمات وارتكبوا مجازر في باريس.
لكن يبدو ان الدول الغربية التي تعرضت لهجمات ارهابية او تخشى ان تتعرض لها قد تلجأ الى استصدار قوانين لمكافحة الارهاب اشد صرامة، على امل توفير الامن وخلق آلية قانونية تسمح بملاحقة الارهابيين.
لكن الاعتقاد انه بالامكان القضاء على دولة الاسلام عن طريق ممارسة ضغوطات قضائية متزايدة وخلق «دولة بوليسية» تحسن المراقب الداخلية للمواطنين والتكتم حول ما يحدث، واقامة مراكز احتجاز  ومناطق لاستجواب المشتبه بهم، وحتى المواطنين الاعتياديين هي تدابير قادرة علىانهاء ظاهرة العنف، هذا امر يشك بصحته، ويخشى ان تتحول هذه الانظمة الى مؤسسات امنية  ودول بوليسية تحد من الحريات وتكتف بتكرار ما تقوم به كالكلب الذي يسعى الى التقاط ذيله فيدور في حركة دائريه لا تمكنه من الخروج من دوامة العنف الارهابي والتضييق على المواطنين.
< الارهاب هو خطة تكتيكية
فالمجموعات الارهابية تسعى ايضاً للتحريض على اسقاط السلطات في البلدان التي تستهدفها، والقضاء على هيبة الحكم  فيها، بالاضافة الى نشر الرعب. وتأمل المجموعات الارهابية من خلال التكتيكات القاتلة الى اشعال فتيل ردود الفعل التي من شأنها ان تصب في مصلحة دعاياتهم وتتسبب بانقسامات داخل المجتمعات الخصم والى استنزاف طاقات هذه الحكومات في معارك داخلية تشل حركتها وتؤثر على ازدهارها الاقتصادي.
فاكتشاف جواز سفر سوري الى جانب احد الضحايا قد يكون هدفه الايحاء ان اللاجئين العرب هم بالقدرة يؤسسون طاقات ارهابية يمكن ان تنقلب على المجتمعات التي تستضيفهم.
وسوف يعمل هؤلاء على تقويض السلم الاهلي في البلدان المضيفة في ساعة الصفر.
غير ان هذه الفرضية لا تلغي احتمال لجوء الارهاب الى تزوير جوازات سفر او استخدام وثائق شخصية مسروقة لتفنيذ هجمات ارهابية.
من ناحية اخرى يجب عدم تعميم ظاهرة الارهاب على جميع الدول الاسلامية. فالاردن اعلنت صراحة انها تقف ضد الارهاب وتحاربه، كذلك هو موقف اندونيسيا ومصر ودول اخرى تعترض على الفكر الوهابي والتطرف المبالغ به لدى دولة الاسلام…
ومهما اختلفت ردود الفعل على الهجمات الارهابية في الدول الغربية فان حكومات هذه البلدان لا تمتلك حلاً عجائبياً لمعالجة هذه الظاهرة ومكافحة المجموعات  التي تنفذها.
وان منح تفويض مطلق للحكومات قد لا يؤدي غايته من ناحية، لكنه دون شك سيزيد من مستويات التضييق على الحريات العامة والفردية ويحول هذه المجتمعات الى دول بوليسية تحت ستار حماية السلم الاهلي ومكافحة الارهاب. وقد سارت بعض الدول، خاصة بعد حوادث 11 ايلول في هذا الاتجاه، ومنحت السلطات الامنية صلاحيات متزايدة الغت العديد من الحقوق والحريات الفردية وحق الدفاع عن النفس.
< وسائل الاعلام
لقد اصبح بديهياً ان وسائل الاعلام تستفيد من الهجمات الارهابية لاثارة مشاعر الناس عن طريق عرض دقيق ومفصل لتفاصيل للاحداث ونقل آراء   ومشاعر المواطنين والقاء الاضواء على تعليقاتهم ونقل محاذيرهم ومشاعرهم دون عرض كامل للحقائق وبموضوعية…
القول ان «ليس كل المسلمين هم ارهابيون، بل كل ارهابي هو مسلم  كما تروج  بولين هانسون، «هو قول مغلوط يثير مشاعر الكراهية لدى عامة الناس دون ان يساعد على معالجة جوهر المشكلة، كما انه يقوّض الاستقرار ويوسع الانشقاق الاجتماعي ضمن المكونات السكانية، ويؤجج مشاعر العداء والتطرّف.
وانه من الأهم من الناحية العملية لمكافحة الارهاب، ان يجري جمع المعلومات ودعم المؤسسات الاستخباراتية الموضوعية دون الانزلاق الى الاثارة الآنية،  فتكتسب الدولة بكامل مؤسساتها ثقة المواطنين ودعمهم، خاصة بعد القيام بمداهمات واعتقالات تتسم بالموضوعية والشفافية وتكون مبنية على معلومات موثقة تسهل عملية الملاحقة القانونية…
< الارهاب هو سلاح الضعيف
هناك اجماع لدى الخبراء في ظاهرة الارهاب ان من يبحث في شؤون الارهاب بصورة شاملة يتوصل الى نتيجة شبه مؤكدة، وهي ان الارهاب هو سلاح الضعفاء. واللجوء  الى العنف الارهابي العشوائي لا يعالج بالواقع اية مشكلة ميدانية، كما انه لا يسمح للمجموعات الارهابية ان تحدث تبدلات ميدانية في الدول التي تعتدي عليها.. وغالباً ما تكون ردود الفعل في نفس المستوى العدائي وتتميّز بالعنف والتخويف.
وما ينظر اليه انه عمل ارهابي في الدول الغربية ينظر اليه ايضاً من قبل «دولة الاسلام»٫ انه اعتداء على المسلمين وعلى خياراتهم لإقامة دولة اسلامية. ويأتي عدم توحيد الرؤية والمواقف بين الدول في المنطقة والعالم ليدعم بطريقة غير مباشرة مسألة الاعتراف بهذه الدولة وتكريسها امراً واقعاً بسبب غياب الحسم العسكري والموقف المشترك.
< «داعش» ومشاعر الكراهية
من السهل وصف قوات «داعش»  على انهم مجموعة من العصابات العدمية التي بنيت سياستهم على عنصر الكراهية والرفض المطلق للآخرين.
ولا يتردد هؤلاء بالاعلان انهم سيقيمون دولة الاسلام وستصل حدودها الى ابواب روما وسيتمكن المسلمون بعدها من حكم العالم بأسره ويبسطون «شرعهم» وقوانينهم كبديل عن الانظمة الديمقراطية الحالية.
ان طموحات «داعش» والسعي الى اقامة دولة الخلافة تكون مصدر حكم العالم، والاعتماد على مسلمي الغرب لاسقاطه وزعزعة الانظمة في البلدان الاوروبية والعالم في وقت لاحق يدخل ضمن هذه الاستراتيجية.
وساهمت هذه الشعارات بتجنيد المقاتلين الاجانب وجمع اموال طائلة لدعم هذه الدولة المبنية على العنف والارهاب…
وحذر مراقبون ان استمرار هذه الازمة سيثير ردود فعل في دول الغرب ويرفع من معدلات مشاعر العداء عن طريق الضرب على وتر الخوف على المصير. فالخوف لا يطال فقط الاحداث الارهابية التي تقع هنا وهناك، بل كل الخوف من الهجمات المستقبلية، خاصة اذا بدأ الارهاب باستخدام السلاح النووي او البيولوجي.
وهذا ما حذر منه رئيس آزيو عندما تحدث عن المخاطر التي تواجه استراليا مستقبلاً.
المؤكد ان من انتج فكرة «داعش» وبناها على العقيدة الاسلامية المتطرفة وساهم بدعمها العسكري والمالي يريد ضرب واصابة اكثر من طائر وهدف. الخطورة القصوى  هو استخدام الارهاب الديني لتهديد ثقافات واثنيات واديان اخرى.
نعيش حالة من اعادة خلط الاوراق وترسيم الحدود.. ويبقى الخراب اسهل من اعادة البناء.. والارهاب هو الهم العالمي الأوحد..
pierre@eltelegraph.com