بقلم بيار سمعان
فاجأ رئيس الوزراء الاسترالي مالكولم تيرنبل بعض الزملاء في البرلمان والعديد من المواطنين بعد ان اطلق امس رؤيته حول الامن القومي وقضايا الارهاب وتنظيم «داعش» . وحاول تيرنبل ابعاد سياسته عن طروحات رئيس الوزراء السابق طوني آبوت الذي انقلب عليه، ليجد نفسه اقرب الى سياسة الرئيس الاميركي اوباما ولطروحاته ومواقفه من تنظيم «داعش».
وفيما يتحدى اوباما يومياً الدعوات الموجهة اليه لاتخاذ مواقف اكثر عدائية وفعالية عسكرياً ولاستخدام القوة ضد تنظيم دولة الاسلام في سوريا والعراق، خاصة بعد الهجمات الارهابية التي وقعت في باريس والتي اودت بحياة 130 شخصاً وبضعة مئات من الجرحى، يسعى رئيس الوزراء تيرنبل الى التخفيف من اهمية هذا التنظيم واصفاً «داعش» بالضعف، وان لدولة الاسلام هواتف جوالة اكثر مما لديهم اسلحة وانهم يمتلكون صفحات تويتر اكثر من عدد المقاتلين الذي يأتمرون بأوامر قيادة هذا التنظيم.
وفيما يستعد الرئيس اوباما لعقد اجتماع مع الرئيس الفرنسي هولاند الذي اعلن ان فرنسا هي في حالة حرب مع تنظيم «داعش» وقامت الطائرات الفرنسية بتنفيذ غارات ووجهت ضربات مباشرة لقواعد عسكرية داخل سوريا.. عاد رئيس الوزراء الاسترالي من جولة في الخارج التقى خلالها اوباما في اكثر من اجتماع ثنائي. وبدا خلال الاجتماعات ان اجواء الانشراح والتقارب بينهما هي في احسن حالاتها على عكس العلاقة بين اوباما وآبوت التي لم تتصف بالانسجام والتفاهم حول نقاط عديدة، ومنها الى جانب الخلاف حول القضايا المناخية عدم الايحاء ان استراليا تلتزم بتوصيات وتوجيهات الولايات المتحدة، وتفضل الالتزام بقرارات الأمم المتحدة وتمنيات الحكومة العراقية خاصة عندما طلب اوباما ان ترفع استراليا من نسبة وعدد وجودها العسكري في العراق. فجاء رد آبوت اننا في العراق بطلب من الحكومة العراقية وزيادة عدد الجنود يتوقف على طلب هذه الحكومة.
اوباما الذي يزور فرنسا يواجه رئيساً مصمماً على مواجهة «داعش» حتى لو قضى الامر التنسيق مع روسيا وبوتين. وهذا ما يقلق اوباما ويرفع من حدة الضغوطات عليه، وهذا ما دفع تيرنبل الى ادانة الهجمات على باريس داعياً الى عدم تأثير مثل هذه الاحداث على رؤيتنا للامور وعلى قراراتنا السياسية والعسكرية.
وباعتقادي ان الرئيس الفرنسي هولاند سيسمع كلاماً مماثلاً من الرئيس اوباما . وقد تكون حادثة اسقاط الطائرة الروسية فوق الاجواء التركية ، كما تدعي تركيا وترفض روسيا هذا الادعاء، مؤشراً وتحذيراً لفرنسا وغيرها بضرورة عدم الانجرار نحو الموقف الروسي والالتزام بخَطِه وخُطَطِه العسكرية في الداخل السوري. وهذه الفرضية تؤكد ان المنطقة هي مقبلة حتماً نحو المزيد من التصعيد، وربما الى مواجهات مباشرة بين اللاعبين الكبار ومن ضمنهم روسيا والولايات المتحدة.
وتدافع الادارة الاميركية عن سياستها في الشرق الاوسط، ومواقفها حيال «داعش» عن طريق دعم اخصامها في المنطقة وخلق مجموعات مسلحة تقوم بدور المقاوم لقوات «داعش» لذا صرح وزير الخارجية الاميركي جون كيري خلال اجتماع عقد في ابو ظبي مع الحلفاء في المنطقة ومن ضمنهم السعودية اننا نعمل على خلق جبهة موحدة وان الحاضرين مقتنعون ان داعش ستهزم، وان الاطراف المعنية سيتخذون تدابير عملية لتحقيق ذلك.
اما رئيس الوزراء تيرنبل قد روّج في كلمته ان «داعش» هي ضعيفة ومحاصرة وان طروحات دولة الاسلام هي قديمة وبائية رغم استخدام الانترنيت للترويج لها وبت روح الرعب.
هذا التوصيف المتفائل والمبسط والذي يعيد الطمأنينة لنفوس المواطنين، يمكن استخدامه ضد حكومة تيرنبل والقرارات العسكرية والتدابير الميدانية التي تتخذها استراليا الى جانب الولايات المتحدة وعشرة دول اوروبية اخرى..!!
فان كان تنظيم «داعش» من الضعف الذي تكلم عنه تيرنبل، فلماذا اتحدت 12 دولة من اقوى دول العالم وارسلت طائراتها لمحاربة هذا التنظيم الضعيف ونفذت مئات الغارات الجوية؟؟ ولماذا ترغم هذه الدول على تنفيذ ضربات جوية لا يعلم احد اين وكيف تقع وضد من توجه، وهي تكلف يومياً ملايين الدولارات من اموال دافعي الضرائب؟؟ فان كان تيرنبل مقتنع ان «داعش»هم مجرد تنظيم كالبالون الفارغ فنحن نطالبه باعادة القوات الاسترالية الى بلدهم وبوقف تبذير الاموال على اعمال عسكرية غير ضرورية، طالما ان لقوات «داعش» هواتف جوالة اكثر من الاسلحة ويمضون اوقاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي. وهذا دليل آخر ان مجهود 12 دولة في سوريا والعراق يتبخر كالمياه التي تلقى على رمال الصحراء.
غير ان اوباما صرح مؤخراً وتحت الضغوطات ان قوات «داعش» هم مجموعة من «القتلة» يتمتعون بمعرفة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لكنه اكد من ماليزيا، نهار الاحد الماضي ان هذا المجموعة هم قتلة ولقد تسببوا بالكثير من الآلام والمعاناة والاحزان للعديد من الناس في المنطقة وحول العالم، لكنه على ثقة ان الولايات المتحدة وحلفاءها سينتصرون في آخر المطاف.
وهكذا استبعد اوباما مرة اخرى قيام الولايات المحدة بحملة عسكرية تقضي على هذه المجموعة من القتلة كما وصفها اوباما نفسه.
وباعتقادي ان الملايين حول العالم يتساءلون اليوم: من اوجد هذا التنظيم، ومَن يحركه، وما هي الغايات لوجوده وتوسعه؟
ولماذا يمانع اوباما كما يمانع اليوم تيرنبل القضاء على هذه «العصابة» ذات «العقيدة القديمة» والتي يتلهى مقاتلوها بالتسلية الالكترونية…؟؟
وما هي الاسباب البعيدة لوجود هذه الظاهرة «القديمة» والمتطرفة التي ترعب العالم اليوم، حتى ان مالكولم تيرنبل ناقض نفسه عندما قال ان هجمات ارهابية قد تحدث في استراليا، وهذا غير مستبعد..؟؟
يفهم من كل ذلك ان القرارات المخفية لا تريد انهاء هذه الظاهرة التي بدأت تهدد اوروبا وتقرع ابوابها، كما تهدد بذبح البابا والكرادلة على مدرج كنيسة القديس بطرس في الفاتيكان…
ويفهم ايضاً ان الانقلاب على آبوت ربما جاء بقرار خارجي من ارجاء البيت الابيض، وربما يذهب تيرنبل مع نهاية عهد اوباما، لأن القادم الى رئاسة الولايات المتحدة قد يكون اكثر تشدداً من طوني آبوت واشد ضراوة من مقاتلي «داعش».. والا فمرحبا بـ «داعش» على ابواب وفي داخل اوروبا.. لأن العم سام يريد ذلك..
pierre@eltelegraph.com