وديع  شامخ
 رئيس تحرير مجلة «النجوم»

ليست الحرية تلك المرأة اللعوب، والكلمة الحلوة البلهاء، الناطقة بفوضى وجودها، والجاذبة  لجمهورها. الحرية  وعي  حين  تكون  الفوضى  ظاهرة، الحرية شرط  إنساني  يتحقق حين يكون الكائن البشري  في أعلى مراحل نموه  العقلي والوجداني، وموقفه ازاء الحياة  بكل حقولها. الحرية  بحسب  الفكر  الماركسي  هي  «وعي الضرورة». …………………………………………….  وهنا لابد من وقفة  جادة  لقراءة الحرية في عالمنا  الشرق الأوسطي.. الإسلامي – العربي، لندرك حجم  المأساة التي تقودنا الى  نتائج مخيبة  للحلم البشري منذ  وجوده على كوكبنا الأرضي .. المعضلة الرئيسة  أمام  فهمنا للحرية بوصفا شرطا وجوديا  هو  التناول الأخرق لها كشعار  ولافتة صائتة ، تكتب  على الجدران ، وتكون أحد المباديء الببغاوية لاحزاب اليسار واليمين معا.  فتجد الحرية  كلمة  بلهاء  يلوكها الساسة  ورجال الدين معا.. ويا لها  من مفارقة حين يجتمع رجل الدين والسياسي  في خانة واحدة لانتاج قاموس  مشترك يُسوق للعامة بوصفه خطاباً  مقدساً ، وما عداه هو محض  سلسلة من التابوهات والأصفاد. …………………………………….  الحرية جهد بشري حثيث ونضال متواصل للوصول بالحياة الى أعلى قممها، للوصول بالكلمة الى شرفها، للوصول  بالمباديء الى ذراها  السامقة. لذا فإن الحرية  ليست ترويجا  لفوضى، ولا تحطيما لاغلال  فقط ، قد يبدو ظاهر الحرية وفقا  لمستخدميها النفعيين  هو الاجدى حين تكون الحرية أملا براقا  وهدفا لا يمكن الوصول  اليه عمليا، وسيبقى نظريا  ما دام الدعاة اليه  كذبة ومظللين للعامة  والاغلبية من شعوبهم المعصوبة القلوب والاعين. ……………………………………  الحرية نزوع  بشري فطري للتحرر من  القيود والوصايا يمارسها الكائن البشري منذ صرخته الاولى  وهو يسقط من رحم  الام مستقبلا  الحياة بإحتجاج فطري  تام. ولكن الفطرة لم تدم طويلا حتى يأنس  الكائن عالمه  ويطمئن الى حلمة ثدي أمه  وصدرها  الحنون،  بهذا  يتحقق الشرط الاول للحرية بوصفها كشفا  غريزياً  للوصول الى نتائج عملية،  فالممارسة تحوّل النزوع الفطري الى حاجة دائمة، فالحرية ليست ترفا ولا شعارا وانما هي  معادلة  متوازنة  بين الانسان  ووجوده. ……………………………………………….. في شرقنا الغرائبي  حيث تشرق الشمس  الساخنة، يتحول البحث  عن الحرية الى  عبث أمام  حالة الاعتياد العام على العبودية  بشتى أقنعتها، فالقطيع  يصدح بحنجرة واحدة، سواء كانت خطابا  ايديولوجيا ، دينيا أم علمانيا أم ملحدا، لان الجميع  ينتمون الى خانة  الحجر  المقدس لمفهوم الحرية  بوصفها  إنتماءً  فئويا  لفكرة ما، وما عداها هم المساس  بالثوابت  والكفر في القيم الخالدات. ……………………………  الحرية  ليست  مرسوماً جمهوريا أو ارادة ملكية  او قرارا  اداريا ولا هي فتوى تصدر من مراجع دينية  لكي  نضمن مرورها القانوني والشرعي  على الرعية. الحرية تجربة وجودية  وخيارات مرنة للعقل البشري في التعامل  مع اغلاله أولا،  الحرية  خبرة بشرية تتراكم معرفيا لتكون ممارسة  حياتية  يؤطرها  منظور دستوري عام، يساهم في صناعة المجتمع بتوافق حر وواعي. ………………………………….. الحرية  ليس الديمقراطية  تماما، فالحرية حق انساني  مكفول بعهود ومواثيق دولية ومحلية ، الحرية أفق الأنسان وحلمه الكبير في العيش  بوفرة  عقلية ومادية وروحية، والديمقراطية شكل من أشكال النظام السياسي يفترض أن يكون حاميا للحريات وراعيا للدساتير التي  تقرّ حرية الكائن وتصونها. ولكن الحياة تكون أكثر جمالأ  عندما تقترن الحرية بديمقراطية ناضجة، ديمقراطية لا تنتج قوانينها الغوغاء  والرعاع والجهلة فقط لانهم أكثرية ، فالأكثرية  هنا وفي المفهوم الإنساني  هي  أغلبية سياسية  يكون هدفها الحفاظ على الحقوق والحريات  المكفولة دستوريا  لجميع أفراد المجتمع. بهذا نكون قد توافرنا على فهم واضح وعميق وواقعي في آن واحد لفكرة الحرية  بوصفها سؤلاً  وجودياً  أصيلا  في عقل الكائن البشري وروحه التواقه  الى الانطلاق في فضاءات  الإبداع والجمال والحرية والفرح والسلام  والعيش الكريم. ………………………………………………………………………………………………………………