بقلم بيار سمعان
اجمع العالم على ادانة التفجيرات الارهابية واطلاق الرصاص العشوائي على المدنيين في كل من برج البراجنة في بيروت وعدة اماكن من مدينة باريس، مدينة الحب التي صبغت شوارعها بدم الابرياء كما حدث في بيروت وتسبب الارهاب بمقتل المئات وجرح عدد اكبر من المواطنين الابرياء الذين لا رأي او قرار سياسي لهم.
في لبنان اجمع كل اللبنانيين من احزاب وشخصيات ومراجع دينية على ادانة هذا العمل. ربما ادرك اللبنانيون ان داعش اصبح يهدد الجميع وان الاوضاع الداخلية لا تتحمل المغامرة بالسلم الاهلي، رغم الانقسام الداخلي السياسي والمذهبي، والانقسام على توزيع الحصص والحقائب.. عملية باريس نقلت الصراع مع داعش الى اماكن ومستويات جديدة. وفيما اعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن المجزرة في باريس، اتهم الرئيس الفرنسي هولاند «دولة الاسلام» بالوقوف خلف سلسلة الهجمات التي ضربت العاصمة الفرنسية واوقعت ما لا يقل عن 132 قتيلاً و264 جريحاً، ويقدر البعض ان العدد قد يتجاوز هذه الارقام.
وهدّد هولاند ان فرنسا سترد بشدة ولن ترحم البرابرة والمتوحشين في داعش. وكان اول رد فرنسي الاغارة على الرقة عاصمة دولة الاسلام. لكن تنظيم داعش رد ان داعش ارادت معاقبة فرنسا على مواقفها ودورها في الحرب على الارهاب وذهب التنظيم ابعد من ذلك اذ نشر على المجلة الالكترونية !! بعد باريس حان دور روما ولندن وواشنطن…»
وفيما تماسك لبنان وتوحد البنانيون على رفض العنف والتمسك بصيغة التعايش التي للاسف الشديد لم تتمكن من تخطي الحواجز المذهبية لتغلب الانتماء الوطني على الاعتبارات الاخرى، دعا الرئيس هولاند الفرنسيين الى التماسك والوقوف معاً ضد الارهاب.
وبينما انكبت الاجهزة الامنية والتحريات لتحديد هوية منفذي هذه التفجيرات، تابع اللنبانيون حياتهم كالمعتاد بعد توجيه العزاء للضحايا وذرف دمعة على من قتلوا في التفجيرات. فاللبنانيون اعتادوا على كل انواع المفاجآت ولم يعد يفاجئهم اي عمل، مهما عظم.
وللمرة الثالثة منذ الحرب العالمية الثانية فرضت الحكومة الفرنسية حالة الطوارئ في البلاد، فطلب من الشعب خاصة في باريس، البقاء داخل منازلهم، وتسلمت القوات المسلحة امن البلاد، واغلقت كل الحدود، ومنع الدخول او الخروج من فرنسا.
فالحكومة الفرنسية تتخوّف لأنها لم تكوّن بعد صورة واضحة عن هوية الارهابيين وهل هم انتاج محلي داخلي، ام انهم دخلوا البلاد للقيام بهذه المهمة، ومن هم العناصر المحلية الذين سهّلوا مهمتهم؟
مئات الاسئلة تطرح في مثل هذه الظروف. وقد تشهد فرنسا داخلياً اعمال مداهمات واقتحامات في الداخل، وقد تعيد حساباتها وهندسة الطلعات الجوية لطيرانها فوق الاراضي السورية.
ولا يستبعد ان نرى فرنسا تنتهج الموقف العسكري المتشدّد كما تفعل روسيا من خلال توجيه ضربات مباشرة، لن تكون وقائية او تكتيكية هذه المرة.
كما لا يستبعد ان تلجأ داعش الى ايقاظ الخلايا النائمة في اوروبا والعناصر المؤيدة لها والتي تؤمن بضرورة فرض الخلافة الاسلامي واستعاد امجاد الماضي الغابر ان تتحرك داخل اوروبا، لتنفيذ المزيد من الاعمال الارهابية، قد تكون نتائجها وخيمة على المسلمين في اوروبا وتزيد التباعد بين «اوروبا الصليبية» كما يحلو للداعشيين ان يلقبونها به لتحريك مشاعر العداء نحو الغرب..
العالم، كله استنكر حادثتي برج البراجنة واعمال القتل العشوائي في باريس لدرجة انه اصبح يخيل لنا ان كل الدول تريد السلام وترفض التطرف وتحارب الارهاب وتسعى للقضاء عليه.. لكن النظر عن قرب في خلفيات المواقف يرى ان كل بلد او فريق يفهم الارهاب حسب ميوله ومصالحه. فإيران ترى في هذه الظاهرة تطرّف العرب حيال الغرب والشيعة يعتقدون ان السنّة وراءه والسعودية تدعي ان بشار الاسد وايران سبّبا بوجوده وهما رأس الارهاب. وبشار الاسد يلوم الغرب الذي طالب برحيله ولم ينظر الى التطرّف الاصولي المتنامي في المنطقة. البعض يلومون اسرائيل انها تغذي التطرّف لتبرر تطرفها وتدعم الارهاب الذي نقل الصراع وحوله عربياً عربياً او اسلامياً اسلامياً.. وقد لا يبتعد الموقف الاميركي عن هذه الرؤية بعد ان قررت ادارة اوباما عدم الانخراط في اعمال عسكرية واقحام القوات الاميركية في صراعات المنطقة. فأوكلت هذه المهام الى مجموعات ودول اخرى لتقوم بدور الداعم والمساند والمغذي لها لأن ما يجري هو عملية استنزاف طويلة الأمد قد لا نرى انعكاساتها في القريب المنظور.
الصفة الوحيدة المشتركة بين مختلف الاطراف هو توحيد المواقف في ادانة ومحاربة الارهاب والتطرف لكن الخلاف الذي يدعم وجوده هو ناتج عن تحديد الارهاب ومسببيه واهدافه.. ربما تكون الرؤية المشتركة للجميع: «حايد عن ضهري بسيطة»..» لكن الارهاب بدأ الآن يدق ابواب العالم اخطر ما فيه انه يتخذ يوماً بعد يوم ابعاداً «الهية» تختلط فيه العقيدة بالسياسية والماورائيات.
فهل خطا العالم خطوة اخرى نحو صراع الثقافات؟
لعل الدماء التي اهرقت في برج بيروت واحياء باريس تعيد توحيد الشرق والغرب على مواجهة التطرف وتحول دون الفصل والتناحر والحروب بينهما؟
ارتفعت بعد احداث باريس، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، دعوة الناس للصلاة عن روح الضحايا الابرياء. بالطبع انهم ابرياء كمن سقطوا في برج البراجنة في بيروت وفي شوارع المدن العربية، خاصة كالابرياء الذين ينحرون يومياً في سوريا والعراق على يد قوات داعش…
ربما يتوجب علينا ان نذرف دمعة حزن ونرفع المزيد من الصلوات من اجل العالم بأسره ، لأن شكلاً من اشكال الارهاب يمارس بحق ملايين الناس.. ولا احد يدري او يتحدث عنهم..
من بيروت الى باريس مروراً ببغداد وبلاد الشام نذرف دمعة من اجل السلام الذي نفتقده اليوم.