وديع شامخ – رئيس تحرير مجلة «النجوم»

عندما أعلمونا  أهل الحل والربط في مجال  الاتصالات  والثورة المعلوماتية بإن العالم صار  قرية صغيرة ، ذعرت تماما  وأصابني دوار القرود ، وجنون  البقر  ، وبلهارزيا الطيور ، وشيزوفرينيا  الأسرار ، وأميبيا العائلة  ، وغيرها من الأمراض ما ظهر منها وما  بطن  .
ولكن العالم  حينها لم يكن غير جهاز لاسلكي  عبر الاثير لمحاولة خجولة لجمع الاصوات في  صندوق الحكايات .
وتوقعت ان هذا الصندوق سيكون أسود دائما وحافظا للسر ، لكن المعرفة فضح ، والعالم   يرقص على أسراره وضحاياه  معا.
……………………………………………
في متوالية الكشف والفضح  والتناغم  والاصغاء للآخر  جاء  في طوفان  الشوق  تقنيات متعددة  تضمن  التواصل مع الآخر  بحرية  لامعة   وبمقابل مادي  لا يتعدى  حدود الأسعار الرمزية   وأحيانا  تصل الى الخدمة المجانية  .
فمن التراسل بالاميل  صار الياهو ماسنجر ،  وبعدها جاء البلوتك   فاضحا سمعيا بقسوته وجبروت طغاتها على قمع  الرأي  ووأد الحوار ، واذا بالعزيز مارك يبتكر لنا فضاءً إرجوانيا للتلاقح واللقاء عبر  الفيسبوك بوك .
……………………………
كنت أحلم أن  الفيسبوك سيحقق لي وفرة معلوماتية  بصرية  معوضا عن البحث في محركات السيد كوكول ، إختصارا للوقت   وطراوة المصدر وحيويتيه .
ولكن الامر  الواقع غير الحلم ، وهذا ديدن   أهل القلق  ودينهم .
فجاء من يبرق لي على الخاص ، أن  هناك  أزمة  إنسانية في الحوار  بينه وبين  زملائه في « الكار»  والكار اصطلاحٌ عراقي   يعني « جماعة المهنة او الحرفة « .. فقلت ما بال الأصدقاء ، فقال :  هم شهود زور على  ماضٍ انقضى  والآن يمارسون دور الجلاد على حاضرنا ومستقبلنا .
الفيسبوك  لا يقلق الحواس ابدا ..
إنهم المستخدمون لهذا الفضاء المعلوماتي الرهيب ليحولوه الى ساحة للثرثرة  وتصيد الأخطاء  والتنابز بالالقاب  على الخاص وارجاء القناع الى العام  بوصفهم ملائكة  وضحايا دائمة البطولة .
……………………..
من  محاسن الفيسبوك  ان تكون لديك القدرة على تشذيب  شجرة علاقاتك بما يتواءم   مع مزاجك  وملامحك العامة  وشرطك الانساني للحوار مع الآخر ،  وبقدر ما يكون فضاء الاتصال رحبا  فأنه يحمل فايروسات  وطفيليات العقل البشري ، القادر على التلصّص  والايقاع والخديعة ،  العقل البشري المحشور في خانق الفردية والغرور والنرجسية المريضة ، والتي سيستخدم العام   لترويج  أمراضها  النفسية واخفاقاتها  العملية وفشلها الحياتي  وعجزها عن مجارات   الجمال الانساني والفرح  والابداع وهو  يملأ الأفق  بروائحة الخلابة .  قوم لا  يريدون تنسم العطر الانساني بقدر ما ينصبون العزاءات الشخصية والجمعية في حفلات تطهير لوأد الجمال والفرح  ، انهم كائنات لا تجيد الإصغاء الى  الحياة بكل مفاتنها بقدر إدمانها على الإصغاء الى صوت ذواتهم العقيمة .. ذوات أحادية  ، مرتبكة في أدوات التواصل مع الآخرين ، لا شأن لهم سوى رفع عصا  الإختلاف نكاية وتشفيا
…………………………..
مزاجي  رائق تماما  للإندماج مع العالم واقعيا أم أفتراضيا ، لانني كائن حلمي  قبل أن  اكون صلدا بقلب من حجر .
العالم نافذة وباب وسلم  وهواء ونار  وتراب ..
للعارف أن يهذب حواسه  ، فلا يبقى أسيرا لاوهامه ، ولا ينخرط كعبد للكشف الفاضح  ،
خصوصية الكائن  عذرية مقدسة ، ودم الرؤيا  عرس جمعي  لذوات ادركت  تناغمها .
…………………
الفيسبوك  حنجرة  قطيع  للصائتين ، ومفكرة  لعزلة الفاعلين ،  حوار  بأقنعة وسواها ، صراع على  الوجود الافتراضي  عند العاطلين .
الفيسبوك  فضاء يشبه مزاجنا ، يشبه دوران الكرة الارضية   حول نفسها ، ودورانها حول الشمس ، يشبه   منظومة الكون في التجاذب والتنافر ، في القرب والنأي  ، في العشق   وفي الوقيعة .
ربما  لم تمنحنا حياتتنا الشخصية من المكوث والتأمل فينا والتحديق بجهاتنا جغرافيا وتاريخيا  ونفسيا..
ولكن الفضاء الافتراضي  صيّر أمزجتنا   وقنّن  جموحنا،  وجعلنا ننظر لوجوهنا بمرايا   الوجود الكلي ، فلا مزاح مع التقعر ولا إنتفاخ  المرايا  مع الغلو ..
نحن جميعا على خط شروع واحد
نزود  بعضنا  بالإشارات والملاحظات ، ونقرأ  بعضنا  بالتلويحات ، ولكن المخبوء منّا ظاهر  في النأي  والجلوس على التل أسلم .
…………………..
في  مزاجي الشخصي
نوافذي  مفتوحة ، أتخليني دودة قز   تتطفل على الكلام لتحيكه  حريرا ، اتخيلني آذانا كبيرة  كصحون عملاقة ، أجمع ماء الحياة  وامطره رذاذا على حمقى  الحوار .
أتخيلني رجل أطفاء نشيطا  يرش  الماء  على  المتظاهرين   ليوحد قلوبهم    المحترقة .
كل هذا يحدث ، وأنا   أحاول الاتصال «  بسيد  الفسيبوك «   لاعادتي الى  الخدمة  لان شكاوى القطيع   كفرتني  وزندقتني  ورمتني بأرذل النعوت ،
مزاجي  اليوم  على  ما تشتهي  عيني وما يفكر  به عقلي وما تتنازع نفسي  من ولادات قيصيرة .
إن تكن حرا  فلا قناع يليق بك
………………………………………………..