بقلم هاني الترك
By Hani Elturk OAM
اليوم الاربعاء 11/11/2015 الساعة 22 هو ذكرى مرور 97 عاماً على إنتهاء الحرب العظمى في 11/11/1918.. واجرت الاعلامية القديرة الزميلة في «اس بي اس» هبه قصوعة لقاءً معي تم اذاعته صباح اليوم الاربعاء عن اهمية المناسبة وقلت: تتوقف الحياة لمدة دقيقة حزناً على ارواح الذين قتلوا في الحربين العالميتين الاولى والثانية الذي يُسمى بيوم التذكر Rememberance Day … وتوضع اليوم اكاليل الزهور على اضرحة الجنود في كانبيرا وفي عواصم الولايات الذين دافعوا في الحربين العالميتين الاولى والثانية عن الحرية والبشرية في غاليبولي والجبهة الغربية وفي الشرق الاوسط في بئر السبع في فلسطين وتحرير سوريا ولبنان من الاحتلال التركي ومنحوا حياتهم لكل طفل يولد ومهدوا الحياة ترحيباً بالمهاجرين.
بهذه المناسبة لنا وقفة نتفحص فيها صفحات التاريخ القديم لنتعرف على اهميتها:
ففي سنة 1914 اندلعت الحرب العالمية الاولى بين دول المحور تتقدمها المانيا وتركيا والنمسا وبين دول الحلفاء على رأسها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة.. اما استراليا التابعة للكومنولث فكان ولاؤها جملة وتفصيلاً للامبراطورية البريطانية.. دخلت الحرب ولعبت دوراً اكبر من حجمها حيث لم يكن تعداد سكانها يزيد على اربعة ملايين ونصف مليون نسمة.. وقد اجرت الحكومة الاسترالية في ذلك الزمن استفتاءاً بين صفوف الشعب لجعل الخدمة العسكرية للمشاركة في الحرب الزامية ولكن الاستفتاء فشل.. ورغم ذلك تطوع 400 الف جندي استرالي للدفاع عن الامبراطورية التي لم تكن تغرب عنها الشمس. ومات منهم 61،919 جندياً استرالياً ومن بينهم 45 الفاً ماتوا على الجبهة الغربية في فرنسا وبلجيكا.
كان يطلق على الجنود الاستراليين الذين خدموا في غاليبولي والجبهة الغربية اسم Diggers وهم الذين يقومون بالحفر Dig In وكلما كان عمق الخندق اكبر يبقى الجنود على قيد الحياة مدة اطول.. وكان الجنود الاستراليون يقولون لبعضهم نحن «حفارون» ومن هناك اطلق على الاستراليين اسم الحفارون.
وهناك قصص اليمة عن الحرب العالمية الاولى للاستراليين.
– قصة كاترين هيكتور التي تتذكر الحرب واصيب فيها والدها في غاليبولي وعاد الى استراليا عاجزاً.. ويبلغ عمر كاترين الآن 91 عاماً وهي عمياء البصر وتعيش في دار العجزة.
ترجع افكارها في يوم التذكر الى خمسة اشقاء لها وعمها الذين ذهبوا الى الحرب ولم يعودوا… وتتذكر ايضاً هيكتور جدتها التي شارك تسعة من اولادها في الحرب العالمية الاولى التي كانت من المفروض ان تنتهي تلك الحرب جميع الحروب.
– هناك قصة ايمي تبشر التي رفضت مؤسسات التأمين الصحي التأمين على حياتها بسبب قلبها الضعيف.. وهي عاشت حتى عمر 81 عاماً.. وهي التي فقدت في الحرب العالمية الاولى خمسة اولاد.. وكانوا قد كتبوا رسائل قبل وفاتهم على جبهة القتال يصفون مشقة الحياة وصعوبتها اثناء الحرب في الخنادق.. وبعد انتهاء الحرب وجهت ايمي جهودها للعمل الكنسي وقراءة رسائل اولادها.. ويبلغ عددها بالمئات.. وهي تضعهم مع صورهم في منزلها.. وبعد وفاتها احتفظت ابنتها إيوت بالرسائل.. وقام بقراءتها صحافي انكليزي حيث اخذها معه الى ارض المعارك التي كتبت فيها ومات فيها اولادها.. وألف الصحافي كتاباً يحمل عنوان Brothers in Wars اي اشقاء في الحروب.. وقام الصحافي بإرسال كتاب يتحدث بالصوت الى كاترين هيكتور حتى يشجعها لأنها ضريرة لا ترى.
وتم منذ فترة وجيزة تسجيل قصص الحرب المأساوية بأصوات الجنود القلائل الذين بقوا على قيد الحياة .. وهذا التاريخ الشفوي عن قصصهم بأصواتهم محفوظ للاجيال القادمة واصبح جزءاً هاماً من التراث الاسترالي.
قال هاورد بوب الذي حارب في فرنسا وبلجيكا انه يتذكر في معركة البرت التي بدأ فيها الالمان الهجوم على القوات الاسترالية اذ انهالت عليهم القذائف الالمانية.. ولكن جاء الامر بعد ذلك بانسحاب القوات الالمانية فقاموا بالتراجع السريع.. واخذت القوات الاسترالية تحصدهم من الخلف اثناء انسحابهم بلا رحمة وكانت مجزرة رهيبة.. وقال انه لا يزال يتذكرهم ويراهم حتى هذه اللحظة أمام عينيه وهم يقعون على الارض والدماء تنزف من اجسادهم بغزارة.. وهذا المنظر لا يزال عالقاً في مخيلته ومسيطراً على شعوره.. ويتساءل بوب لماذا لم يستسلموا حتى يقعوا اسرى بدلاً من قتلهم وذبحهم ولكن هذه هي الحرب «اقتل أو تُقتل».
– اما المحارب القديم تيد ماثيو الذي توفي منذ 8 سنوات عن عمر يناهز 102 عامين والذي خدم في غاليبولي وبعد ذلك في الجبهة الغربية.. فقد ذهب منذ سبع سنوات الى فرنسا لتسلم وسام البطولة الفرنسي وزار قبور رفاقه الموتى وارض المعارك هناك.. وقال في التسجيلات عندما عرف انه تم التوصل الى الهدنة بين الدول المتحاربة عام 1918 قد ذهب الى باريس وامضى فيها 10 ايام حيث القى بعدها القبض وارسل مرة ثانية للوحدة العسكرية التي ينتمي اليها.
وقال انه يأسف انه لم يذهب الى باريس ليلة الهدنة.. فقد تجمعت النساء الفرنسيات حول الجنود وعقدت حلقات رقص واخذن يقبلونهم بالقوة.
وكانت الفرحة بانتهاء الحرب حزينة حيث مس جنون الحرب كل بيت.. وها هو قد مضى على تلك الحرب البشعة 97 عاماً.. صحيح ان استراليا دخلت حروباً متعددة وكان معظمها خارج حدودها.. ولكن لم تكن فداحة خسارتها كبيرة مثل كارثة الحرب العالمية الاولى التي اودرت بحياة الكثير من الاستراليين وقصمت ظهر البلاد.
لذلك يقف الاستراليون اليوم دقيقة صمت الساعة 11 في اليوم 11 والشهر 11 من كل عام يتذكرون شهداءهم بألم وحسرة.. وفي ذات اللحظة يحتفلون بانتهاء تلك الحروب المدمرة والطاحنة.