بقلم بيار سمعان
في هذا الزمن الرديء الذي يمر به لبنان بدأ اللبنانيون يشعرون بدرجة عالية من الاحباط بعد ان اصبح الوطن كله مرهوناً للخارج، وبقرار ورضوخ من الداخل، وتحولت البلاد الى منزل مكشوف وبدون سقف. واصبحت كل الاحتمالات السيئة واردة.
المواطن اللبناني اصبح متيقناً ان قادة البلاد مسيرون ومنقادون، والناجح منهم هو من يطيع ارادة الخارج ويتمكن من توجيه الداخل لخدمة اوامر «الباب العالي» ، ان كان ايرانياً او سعودياً او اميركياً.. الى آخر معزوفة الوصاية..
في هذه الظروف العصيبة ادرك اللبنانيون، او هكذا يخيل، ان قادة البلاد تفتقر للكثير من مواصفات القيادة والوطنية والالتزام لمصالح الناس والاهتمام بمصير الوطن.
اصبحوا يعلمون انه ايام الحكم السوري واحتلال البلاد طوال 30 سنة، احسن قادة البلاد تسليم قراراتهم والخيارات الوطنية والتزموا طاعة عنجر والشام للحفاظ على مواقعهم ومكتسباتهم. وبعد الانسحاب السوري من الاراضي اللبنانية لم تنسحب مشاعر التزلم من نفوس القادة وجيروها لولاءات جديدة.
محزن ان نرى قادة البلاد قد رهنوا انفسهم للقرارات الخارجية بحجة «ارتباط لبنان بما يدور حوله من تبدلات وازمات». في السابق اردنا تحرير الجنوب لتبرير حمل السلاح. وبعد التحرير اصبحت مزارع شبعا والقدس وفلسطين المحتلة التي تخلى عنها العرب، شعاراً للجهاد والمقاومة. وفرض على البلاد اجواء من التقسيم الطائفي والمذهبي منع اعادة بناء الدولة الواحدة والمتكاملة بسبب «السلاح.
اليوم نريد حماية لبنان من التطرف والارهاب والاصولية القادمة الينا من بلاد الشام وما بين دجلة والفرات، فوسعنا مهامنا الى ما وراء الحدود، بأمر من الباب العالي.
طلب الى زعماء ونواب لبنان ان يختلفوا على مفهوم الوطن والدولة، فأجادوا واحسنوا.
وطلب اليهم الاختلاف على قانون الانتخابات، فطرحوا الف صيغة وبرنامجاً انتخابياً ليبرروا التجديد للمجلس النيابي.
أُوحي اليهم ألا ينتخبوا رئيساً للبلد فرشحوا ثلاثة وتمسك كل فريق بمرشحه المرفوض اصلاً من الطرف الآخر ليصلوا الى وضعية عدم التفاهم على رئيس للبلاد. ورفض نواب الأمة القيام بواجباتهم، وفي طليعتها تأمين النصاب لانتخاب رئيساً للبلاد.
لم يفعلوا ذلك، وكل فريق لاسبابه الخاصة.. منهم من طلب اليهم اسقاط البلاد في الفراغ، ففعلوا ذلك شاكرين ومنهم من يريد الفراغ من اجل تعطيل الدولة على امل دعم دويلته.
البعض اعتقد ان الفرصة مؤاتية للتخلص من الرئيس المسيحي الاوحد في الشرق الاوسط، والبعض الآخر لا يرى ضيماً في التخلص من الوجود المسيحي وافراغ آخر معقل لهم في الشرق الاوسط. الغباء الكامل في مواقف القيادات المسيحية التي ترفض رؤية المخاطر وربط الامور فيما بينها، وكأن ما يحدث في العراق ليس له دلالات سياسية او ما يجري في سوريا لن ينعكس على الداخل اللبناني.
المهم ان يجدد المجلس النيابي لذاته ويرفع من اجور النواب ويخلقوا الازمات الواحدة تلو الاخرى، حتى الاختلاف على جمع الزبالة وتقاسم الارباح من عملية جمعها.
نعم اللبنانيون عامة ونواب الامة بنوع خاص اختلفوا على كل شيء، والسبب الجوهري لهذه الخلافات يعود الى امور بسيطة: الانانية وغياب الوعي وفقدان الشعور الوطني لديهم والتسليم المطلق لارادة الخارج.
كم نفتقد الزعماء الكبار اليوم بعد ان تحكم صغائر الناس بمصير الوطن وحجّموا الامبراطورية اللبنانية التي لا تغيب عنها الشمس على قياساتهم الصغيرة.
كم نفتقد كميل شمعون الذي تمسك بالهوية اللبنانية في وجه موجات التعريب. وكم نشتاق الى رياض الصلح الذي اختار لبنان قبل العروبة.. وكم نتذكر الشيخ بيار الجميل الذي وضع لبنان في مرتبة ثانية بعد الله.
وكم نحن نحتاج اليوم الى الرئيس سليمان فرنجية الذي يعتبر ان «الوطن هو دائماً على حق» وان محبة لبنان توجب تقديم التضحيات مهما بلغ حجمها واثمانها..
كم نفتقد سليمان فرنجيه الرئيس الذي طرد ياسر عرفات من القصر الجمهوري لأنه تطاول على كرامة الوطن وطرد عبد الحليم خدام لأنه ظن ان بمقدوره املاء شروطه على رئاسة الجمهورية.
كم نفتقد سليمان الجد الذي رفض ان تدوس قدماه ارض الولايات المتحدة بعد ان اساء الاميركيون استقباله كرئيس للبلاد ومندوب للجامعة العربية.
كم نحن بحاجة لذلك السليمان الذي كان يردد على مسامع الجميع انه تبرأ من الموقف الاميركي والدور الروسي حيال لبنان ورأى ان لا خلاص للبنان الا بالوفاق الوطني.
كم نتذكر مواقفه عندما اتصل بالعماد عون ليقول له: «كفى قتالاً مارورنياً» بعد ان رفض ان تهرق نقطة دم في منطقة الشمال على اثر حادثة اهدن، فقرن القول بالفعل واكد على ما يبشر به.
كم نحن بحاجة الى سليمان جديد كان على علاقة جيدة مع السوريين لكن دون ان يتنازل عن مصالح واستقلالية وكيان الوطن.
مشكلة لبنان اليوم ان الكبار العظام رحلوا وانبت الاحتلال السوري وكلاء واجراء لا يزالون يحكمون باسم الشعب دون حق او جدارة.
لهذا يرفضون الانتخابات، ويلجأون الى تعطيل المؤسسات وضرب الكيان، ويتفاهمون فيما بينهم على الاختلاف. نعم يختلفون لكي يتمسك جماعة كل فريق بقيادته ويضحون من اجلهم بعد ان اختصروا الوطن واستبدلوه بإمارات وولايات واختلفوا على كل شيء، حتى على الزبالة والنفايات.
لقد اعتاد اللبنايون على الفساد فألفوه وتلذذوا بطعم السرقة ونهب خيرات البلاد حتى بلغ الوطن شفير الهاوية.
ربما نبدأ غداً بجولات مكوكية نستعطي لندفع اجور الجيش والقوى الامنية، وهي المؤسسة الوحيدة التي لا تزال منضبطة وفاعلة وتقدم التضحية لحفظ الحد الادنى من الاستقرار.
لسنا ندري.. ربما جاء دور هذه المؤسسة ليبدأ تعطيل دورها لأن دويلات اخرى يجب ان تولد على حساب الوطن؟؟
انهي مع قول شهير للرئيس سليمان فرنجية صرح به سنة 1977:
«بالنسبة لي لم يتبدل شيء في السياسة الاميركية ذهب فورد وجاء كارتر، وذهب كيسنجر وجاء فانس.. السياسة الاميركية لا تزال هي نفسها.. عودتنا الايام ان تحمل في بغداد او القاهرة وتلد في لبنان. المفروض بنا ان نكون يقظين اكثر من اي وقت مضى، حيث اذا حبلت هذه المرة، تلد في مكان آخر…»
للأسف الشديد ، قادة بلادي اليوم يصرون ان تحمل في سوريا والعراق وايران وتركيا وتلد في لبنان.. أليس في ذلك وحدة المسار والمصير؟ والا كيف نثبت وفاءنا ونجني الثروات على حساب الوطن؟
لا زلت اصر مع الرئيس فرنجية واردد معه ان وطني هو دائماً على حق، وخسئ تجار الهيكل.. لا بد انهم سيطردون .
pierre@eltelegraph.com