وديع شامخ – رئيس تحرير مجلة «النجوم»

ثمة قصيدة لجاك برفيرا يقول فيها .. الملك سعيد لانه ملك ، والحمار سعيد لانه حمار.. و من  هذه  البديهية  الوراثية  جسدا وروحا  تخرج النتائح ، ويعرف الإنسان والكائن عموما  قيمتة وقدره  في الحياة ،وهذه المعرفة الجوانية التي تبعث السعادة  وتصل بالكائن  للوقوف على أسراره بنفسه ويفك شفراتها ويستمتع بها دون إشارة  من أحد، هي معرفة عميقة تحتاج الى راءٍ يتلمس  حرارة التجربة  بمجسات خفية .
لحظة فرح الإنسان  الحقيقية لاتأتي  بفعل عوامل خارجية ، رغم أهميتها ، بل  تكون كبذرة في أرض  تحتاج الى رعاية وعناية  وتوفير أقصى درجات الصفاء الداخلي لكي تموت البذرة لكي  تحيا وتؤشر الى سر نوعها  وحياتها ونضجها.
الشعور بالآدمية  للإنسان  والحيوانية للحيوان والجمالية للنبات هي عناصر  حافظة للمجتمع والكون برمته من الذهاب الى الإنهيار  نتيجة لوقوع الإحلال والإبدال ، حدوث فوضى الحواس ، إشتباك قيمي ونزاع مفهومي حول تعريف وتوصيف  الكائنات والأشياء والصفات .
تعريف الذات لا يحتاج الى إجماع  أو أغلبية  شعبية أو برلمانية ، أو مجموعة من المريدين المُلس،  بقدر حاجته الى صفاء روحي  وخبرة ذاتية .
عندما يضع الإنسان  كينونته في محل الفحص  والمعاينة  الدائمة سوف يخرج دائما بنتائج مذهلة  عن سر وجوده  ومعنى علاقته  بالآخر وضرورة حياته بوصفها عمراً  يحتاج ان يعاش بجدارة  وجدية وفرح معا، وهنا يمكننا الختام بتجربتين  مهمتين في هذا الاشتغال  وهما : تجربة سقراط في مقولته الشهيرة إعرف نفسك ، وتجربة المسيح بوصيته الذهبية « ماذا  ينتفع الانسان لو ربح العالم  كلّه وخسر نفسه .
………………………..

في تجربة أخرى  حول إنهيار الكائن  من تجربته الذاتية  ومن  لقى وكنوز حياته والإستسلام الى لحظة راهنة مهما بلغت قسوتها ،  يقول – أندريه فرينيو – في كتابه عن الشاعر الفرنسي – جان كوكتو – .. إنه عندما زاره في بيته في أواخر أيامه .. أنهى الزيارة بسؤال تقليدي وجهه إلى – كوكتو :
– لو شبت النار في منزلك هذا .. أيّ الأشياء تحملها معك …. ؟
وكان جواب كوكتو السريع :
!- أحمل النار .
هذا الرد من الشاعر كوكتو  ربما يعني إخلاصه  للنهايات  مهما كانت قاسية ،
فهو الذي  يقول «اللباقة تكمن في معرفتنا إلى أيّ حدّ نذهب في تخطّينا الحدود»
ويكرر  القول في حقيقة وجوده  ككذبة « أنا كذبة دائما ما تقول الحق»
معرفة النفس هنا والسعادة بها تختلف تماماً عن حكاية الملك والحمار ، هنا معرفة  لا تريد  حملها  كرداء او معطف .. السعادة هنا في المشاكسة والمناكفة والاختلاف ،  سعادات  لا تحتفي بالحياة  بوصفها صفة  فاعلة وعمرا وسعادات بل  بوصفها  موتاً  على طريقة كوكتو « يوم ولدت بدأ موتي مسيرته، وهو يسير نحوي متمهلا»
….
ومهما بلغت سوادوية كوكتو  للحياة بوصفها موتاً  يترصده ، ومهما فاقت  سعادة الملك والحمار  كل مباهج الدنيا ، فستظل  الحقيقة  التي نتلمسها بجوهر الكائن والاشياء هي المعيار الأنسب والبوصلة  الأكثر أمانا ،  الحب والإيمان  ونبذ الكراهية ..
إن نار كوكتو  هي النار التي يروم منها تنقية الروح من شوائبها .  أو « الحياة تقودني في طرقات خاطئة أكثر من الموت»…
ومن العجيب ان نجد  جان كوكتو وهو يصرح بهما «  لا تكره إلا الكراهية» و» الحب والإيمان فقط يسمحان لنا بالخروج من أنفسنا»
وأيضاً «أرغب في ان أطفئ شعلتي وأدخل الأبدية…»
فهو وإن كان  سريع العطب في حمله « نار بروميثيوس « ولكنه يتراجع عن  هذا المزاج  ليقول أخيراً « «اجعلوا اسماءكم تندمج بالأشجار/ اجعلوا اسماءكم تندمج بالجدران/ اجعلوا اسماءكم تندمج بالرمال كي تصمد أمام الأمحاء/ ليس سوى الأسماء التي تبقى/ .وتقوى على سواد الدخان وطبشور الكتابة/ أيها العشاق البديعون/ اقطعوا اسماءكم في هذه الدقيقة (التي تحاول الإيحاء بأنها كانت) ليبدأ موتكم بصياغة دانتيل الأبدية».
سعادات  الملك والحمار  لا يمكن أن نضعها في تابوت  شاعر  يواصل مسيرته للأبدية  .
………………………………………………………….