نصر المجالي
ظل الأمير بندر تحت الأضواء لأكثر من 30 عاماً منذ اختاره العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز سفيراً له لدى الولايات المتحدة الأميركية (1983 و2005) وحتى خروجه الأخير من مهمة رئيس مجلس الأمن الوطني.
لعب بندر بن سلطان دوره السياسي والدبلوماسي بامتياز، فهو كما ورد في تعليقات على أول كتاب أصدره عنه صديقه وليام سيمبسون بعنوان (الأمير) العام 2005 يشكل طرازاً نادراً في الحياة الدبلوماسية وخاض عدة معارك نجح في أغلبها سواء مع الولايات المتحدة أو مع غيرها.
كون الأمير صداقات عدة مع شخصيات نافذة ورؤساء عظام مثل نيلسون مانديلا وعائلة بوش ورئيسة وزراء بريطانيا مارغريث ثاتشر وغيرهم وقد أخلص لهم وأخلصوا له، واستفاد من هذه الصداقات سواء في مجال عمله كسفير أو على المجال الشخصي. لكن أصابته خيبات أمل كبيرة من بعض الشخصيات العربية وكان أعظمها خيبة أمله في صدام حسين عندما دخل الكويت وخيبة أمله في ياسر عرفات عندما رفض مبادرة سلام كادت أن توقف الاحتلال الاسرائيلي.
كتاب تشارلز مور
ويلمع اسم بندر بن سلطان من جديد، لتأكد دوره الحي في العلاقات الدولية وعلاقاته الشخصية مع القيادات، في كتاب جديد بدأ تشارلز مور رئيس التحرير السابق لصحيفة (ديلي تلغراف) والمقرب من حزب المحافظين بنشره في سلسلة حلقات في التلغراف يرسم فيه سيرة متكاملة لمارغريت ثاتشر الحديدية، راسمًا صورة وافية للسيدة التي احتلت الفترة الأطول في حكم بريطانيا كزعيمة لحزب المحافظين ورئيسة للحكومة (1997 ـ 1990).
وفي الحلقة السادسة من كتاب السيرة الذاتية للسيدة الحديدية يأتي الكاتب تشارلز مور على علاقتها بالأمير بندر، التي كانت كتبت مع الزعيم الجنوب أفريقي نلسون مانديلا مقدمة كتاب (الأمير) السالف الذكر لويليام سيمبسون.
ويقول تشارلز مور في عرضه لصداقات السيدة ثاتشر عبر العالم من زعماء ورؤساء، إن أحد هؤلاء المقربين من الأصدقاء الأمير الطيار السابق بندر بن سلطان بن عبدالعزيز الذي ساعد في توقيع صفقة اليمامة التسليحية الضخمة بين بريطانيا والمملكة العربية السعودية.
اللقاء الأول
ويروي الكاتب ان أول لقاء بين ثاتشر وبندر كان في كانون الأول (ديسمبر) العام 1984، ويقول إن رئيسة الحكومة أعربت عن إعجابها بـ»حيوية الأمير الوسيم» حيث سحره واندفاعه خطفا سيدة الدولة الشقراء ذات الشخصية القوية التي تفوقت على شخصيات الرجال.
ويقول تشارلز مور إن الأمير قدم لثاتشر في ذلك اللقاء هدية، وكانت عبارة عن مجسم من الكريستال لكلب حراسة قوي (Bulldog) بعيون من حجر الياقوت، حيث قال لها: «هذا نموذج للروح القتالية البريطانية».
وينقل المؤلف عن جيمس بليث مدير مبيعات وزارة الدفاع آنذاك قوله إن ثاتشر سألته: أليست هدية جميلة من الأمير؟»، فقال لها بليث: نعم سيدتي، لكن كلب الحراسة من طراز فرنسي».
فردت عليه ثاتشر: مادام يشتري الطائرات المقاتلة منّا، فلا يهمني من أين اشترى كلب الحراسة (Bulldog).
بندر ولعبة التقاعد
وإلى ذلك، فإنه لا أحد يمكنه الاعتقاد بأن الأمير بندر صاحب التأثير المدهش في العقود الثلاثة الماضية والشخصية الأكثر إثارة للجدل عربياً وعالمياً كان الجسر الأساس وحجر الزاوية بين الشرق الأوسط وواشنطن في عهد خمسة رؤساء، وكان مرجعاً أساسياً مهماً للإدارات الأميركية وصانعي القرار في واشنطن المتعاقبة في الأمور المتعلقة بالمملكة العربية السعودية وإقليم الشرق الأوسط، يمارس الآن «لعبة التقاعد»، كما يظن كثيرون.
فالأمير الموصوف بـ (اللغز) طيار المسافات الطويلة والقصيرة أيضاً ترك بصمات لا تمحى في شبكة العلاقات الدولية والعربية سواء بسواء، فهو بنى علاقات متميزة مع الصين ولندن وموسكو، وهو أيضاً من قاد التفاوض على وقف إطلاق النار في لبنان وإنهاء الحرب الإيرانية العراقية والانسحاب السوفياتي من أفغانستان، ومتابعة إجراءات حرب الخليج وحل مسألة الطائرة الأميركية المتفجرة فوق لوكربي الاسكوتلندية، وكذا الحال في الأزمة السورية التي لا تزال متفجرة.
وفي الأخير، فإن رجلاً بحجم بندر نفذ بامتياز بعض تلك المهمات الصعبة، وبعضها الآخر ارتبط بظروف بغاية الدقة والصعوبة في تشابكات العلاقات الدولية، هل يمكن له أن يتقاعد؟، هكذا تساءل مراقب.