رنا اسطيح

بعد فكرة وُلدت في رأس المخرج طارِق سكياس قبل 15 عاماً، ومشروع بدأ العمل عليه منذ سنتين، انطلقت منذ شهر عجلة تصوير فيلم لبناني جديد بعنوان «Nuts» بطلته الممثلة المعروفة دارين حمزة صاحبة الأدوار الأولى في عدد من الأفلام اللبنانية والعربية البارزة، ومنتجه شركة «Laser Films» التي تقود مغامرتها الإنتاجية الأولى في مجال الأفلام الروائية الطويلة بعد خبرة 30 عاماً في تنفيذ أنجح الإعلانات.
مرّة جديدة، تقف دارين حمزة أمام دور يتحدّاها. النجمة المعروفة، والتي لطالما جازفت بتبنّي أدوار قد لا يجرؤ سواها على تقديمها، تلبس مرّة جديدة ثوب شخصيّة فريدة من نوعها. وهذه المرّة أيضاً تقف دارين أمام عدسة مخرج أجنبي، ولكنّ الفرنسي Henri Bargès تآلفَ مع البلد بعد 3 سنوات ونصف أمضاها هنا، حتى بات يفهم اللهجة اللبنانية ويعرف معظم مناطق لبنان.
مدير التصوير بدوره فرنسي، هو Pascal Ridao الذي وقّع أهم أفلام صوفي مارسو وتعامل مع نجوم بارزين من أمثال ماريون كوتيار، باتريك برويل، وإيمانويل برويار وسواهم.
طارق سكياس
أمّا فريق العمل من تقنيين ومصوّرين فهو لبناني، على ما يؤكّد المنِتج المعروف وصاحب شركة Laser Films طارِق سكياس في حديث خاص مشدّداً: «الفيلم هو فيلم لبناني مئة في المئة، ممثلوه لبنانيون وإنتاجه كذلك. الاستعانة بالمخرج الفرنسي تعطيه بعداً أوسع.
لقد عملت مع Henri Bargès لأكثر من 15 سنة، وهو شخص عاش فترةً في لبنان وقد ألفَ لغته ومناطقه وأسلوب حياة شعبه. وهو يُضفي على الفيلم نظرةً أوروبية قد تلقي الضوء على أمور لم نعد نراها بعدما ألفَتها عيوننا، فمثلاً يتوقّف طويلاً عند مشهد شارع تجتاحه أسلاك الكهرباء العشوائية أو غيره من المشاهد التي اعتادَتها العين حتى كادت لا تلحظها».
فيلم «جنون»
بطلة العمل دارين حمزة تؤكّد بنفسها، في حديث خاص، أنّ «وجود المخرج الفرنسي سيعطي الفيلم دفعاً تقنياً قوياً، فالعمل يضمّ فريقاً احترافياً مهماً، والتصوير جاء بأفضل التقنيات»، مُعربةً عن ثقتها بمستوى الفيلم وأملها بأن يحقق النجاح الكبير الذي يستحقه.
«Nuts» هو عنوان الفيلم باللغة الإنكليزية، كلمة تحتمل الكثير من المعاني، ويؤكّد المنتج اللبناني أنها «مرتبطة تماماً بسياق الفيلم، فمعنى الجنون مقصود وكذلك «أفضل يد» في لعبة البوكر أو القمار، تماماً كما أنّ مَعنيَيّ «الجوز» و»الجرأة» مقصودَين كذلك، لذلك لم نستقرَّ بعد على عنوان بالعربية للفليم الذي كتبته تانيا سِكياس ويشارك فيه عدد من الوجوه الجديدة والممثلين المحترفين، من أمثال غبريال يمّين وإدمون حداد وطارق تميم وحسّان مراد وألكسندرا قهوجي ورينيه الديك ووليد العلايلي، على أن يبصر النور في صالات العرض العام المقبل»، كاشفاً عن نيّته بعَرضه على مهرجانات عالمية وموزّعين في الخارج.
إدمان على القمار
أمّا القصّة فتتمحور حول أم وزوجة لبنانية تدعى لانا تشبه أيّ ربة منزل عادية، ولكنها تبدأ بلعب القمار لتجد نفسها تنجرّ تدريجاً إلى إدمانه، ما يُدخلها في عوالمه المظلمة ويعود بالخراب عليها وعلى عائلتها.
بالنسبة إلى دارين، «تتقاطع قصّة هذه المرأة مع قصص عدد لا يستهان به من النساء في مجتمعنا». وتضيف: «شخصية لانا بعيدة تماماً عنّي، فأنا لا ألعب القمار ولم أكن حتى على دراية بقواعد اللعبة، وهو ما حَمّسني أكثر للتعرّف إلى هذه الشخصية وهذا العالم غير المعروف بالنسبة لكثيرين.
وقد اكتشفتُ أثناء إجرائي بحوثاً حول الموضوع لبناء الشخصية أنّ نسبة السيّدات اللواتي يُدمِنّ القمار في لبنان ليست ضئيلة. على أيّ حال، القمار موجود في كلّ المجتمعات سواء أكانت فقيرة أو غنية. غالباً ما نعرف شخصاً يقطن معنا في البناية نفسها أو الحي نفسه ويعاني هذه المشكلة.
ولطالما تساءلتُ ما سبب السعادة التي يشعر بها عند المجازفة، وكيف يستمرّ باللعب وبرفع الرهان على رغم تراكم الخسارات؟ الفيلم يضيء على هذه النواحي التي لم تعالَج سابقاً في السينما اللبنانية بطريقة وافية، ويصوّر هذين الجانبين المتعارضين بين السعادة الكبيرة بالمجازفة والخسارات الفادحة التي يترتّب عنها ثروات، بما يوصِل نوعاً من رسالة خاصة إزاء هذا الموضوع، وإن بطريقة غير مباشرة وبعيدة عن الوعظ».
لبنان بلد المجازفات
بالنسبة إلى المنتج «يسير الفيلم في خطّين، الأول هو حبكته المُحكمة من خلال قصّة متشابكة الأحداث، والثاني هو افتراضي مُوازٍ يذكّر بأنّ العيش في لبنان هو فعل مقامرة يَومي في بلد لا يعرف الاستقرار».
طارق سكياس هو مقامر بدوره، ويعترف أنّ «إنتاج فيلم لبناني بحدّ ذاته «ضرب جنون» ومجازفة كبيرة، ولكن لا يمكننا إلّا أن نحاول القيام بما نشعر بالشغف تجاهه وبما نؤمن به. الحياة مملّة إذا كَففنا عن المحاولة».
ويكشف ردّاً على سؤال: «ميزانية الفيلم الصرفة تقارب 1.5 مليون دولار، وقد سَعينا لتوفير أفضل الظروف والتقنيات للتصوير ويعاوننا بعض الرعاة الخاصّين الذين يشاركوننا المغامرة لإيمانهم بالفنّ والسينما بالدرجة الأولى».
لسينما واقعية
بدورها، تدخل دارين حمزة في النواحي الإنتاجية للعمل، لا سيّما من ناحية تنسيق فرَق العمل والاهتمام بجوانب فنيّة عدّة بحكم خبرتها السينمائية الغنية وتعاملها مع مخرجين لبنانيين وعرب وأوروبيين، حيث تقول: «أشعر أنّ هذا الفيلم طفلي الأول، فقد كنتُ معنيةً به مع طارق سكياس منذ بدء المشروع قبل عامين، وهو ما يحمّسني أكثر إزاء نجاحه.
وأنا واثقة أنه يحمل أوراقاً كثيرة رابحة تخوّله التميّز على صعيد السينما اللبنانية، لا سيّما أنّ «الفكرة جنون والموضوع جديد ومطروح بجرأة وواقعية كبيرتين، وقد خرجنا فيه من الكليشيهات المتكرّرة لندخل في صلب المجتمع، كما أنّ فريق العمل محترف للغاية ولدينا أفضل الممثلين. مستوى الفيلم عالمي وليس وطنياً، وقد صُوّر وفقاً لأعلى المعايير».
وتؤكّد: «هناك موضوعات في لبنان لا يتم تسليط الضوء عليها، والسينما معنية بمحاكاة الواقع وبإنارة جوانب قد تكون مظلمة منه. من المهم أن نطرح الواقع كما هو «عَالمَفضوح»، وأن نخرج من الزيف. السينما بنظري لا تحتمل التصنّع».
لا للبوتوكس أو التجميل
وعن سبب اختيارها للبطولات الأولى في السينما لا في الدراما، تقول: «ربما لأنني أعطي أولوية للسينما على أي شيء آخر والجميع يعرف ذلك. أحلّ أحياناً ضيفة شرف على أعمال درامية محدَّدة، وأنتقي أدواراً فيها تكون مختلفة أو تتميّز بشيء. في السينما كلّ شيء مختلف، هنا تكون الخبرة أغنى وتجمعني تعاملات مع مخرجين من مختلف الجنسيات، كما أنّ السينما أصعب من التلفزيون لأنها لا تحتمل أيّ شكل من أشكال الكذب، يجب أن تكوني مُقنعة خلال فترة ساعة ونصف إلى ساعتين، وإلّا فشلتِ تماماً. لا فرصة ثانية ولا عدد حلقات كبيراً. بالطبع لا أمانع المشاركة في الدراما بما يرضيني ودعماً للأعمال المحليّة».
وعمّا إذا كانت خضعت لروتوشات تجميلية أو للحقن بالبوتوكس أسوةً بالموضة الرائجة لدى كثير من الممثلات، تجيب: «لا يمكن أن تكون السينما أولويتي وأن أسمح لنفسي بركوب موضة البوتكس والتجميل. لن أعود أنا ولن أكون مقنعة.
هذه الأمور تظهر بشكل مبالغ فيه على الشاشة الكبيرة، وقد تحرمني من أدوار كثيرة. أنا بحاجة لكلّ تعبير في وجهي لأعبّر بأقصى قدرتي وأتمكّن من جرّ المشاهِد إلى تصديقي بسرعة، ولذلك لم أخضع لأيّ نوع من الروتوشات لأنها ستضرّني بدلاً من أن تفيدني. الطبيعية مطلوبة وحاجة ملحّة في التمثيل، وإلّا ما عاد فِعل إقناع وتقمّص أدوار حقيقية».