عبد الوهاب طالباني

هناك حقيقة يجب الاقرار بها تماما وهي أننا لسنا الوحيدين الذين نعيش  على أرض كوردستان ، بل أن  كوردستان هي بلاد الشعب الكوردي إضافة الى قوميات وطوائف اخرى عاشت معنا منذ فترات تاريخية مختلفة، ولسنا هنا في مقام البحث التاريخي عن أصول تلك المكونات «قوميات واديانا ومذاهب»، لكن في موضوع له صلة و يتعلق بالاوضاع الراهنة في كوردستان والموقف من المكونات غير الكوردية، خصوصا وان حكومة كوردستان باتت الحاكمة في جزء كبير من اراضي جنوب كوردستان، والبحث في كيفية تجاوز الفترات من الحكم العنصري الذي حاولت الانظمة الفاشية السابفة تعميمه في العراق، حيث همّشت الكورد وحاولت تعريبهم وترحيلهم بهدف ابادتهم ومسحهم من الوجود، واعتبرت معظم الطوائف والقوميات الاخرى عربا، هذه السياسات التي تتناقض تماما مع منهج ومفاهيم الحركة التحررية الكوردية وخصوصا مع دستور الحزب الديمقراطي الكوردستاني ومباديء ثورة أيلول 1961 بقيادة الزعيم الخالد مصطفى بارزاني.
طبعا ليست الحكومات العراقية هي الوحيدة التي عملت على هذا النهج الفاشي بل أن الانظمة التي تتقاسم كوردستان كلها عملت على النهج نفسه وما تزال، وابتدعت أساليب وطرقا غارقة في العنصرية للتعامل مع أحد أعرق شعوب المنطقة وهو الشعب الكوردي والشعوب الاخرى، وقد مارست تلك السياسات  لأسباب عديدة منها إصرارتلك الانظمة للسيطرة الكاملة على ارض كوردستان لأنها منطقة غنية بالمصادر المعدنية ومصادر الماء العذب والثروات النفطية والغازية، وكذلك لممارسة الانظمة نفسها سياسات التعصب القومي العنصري، وإعتمادها مبدأ التفوق الفارغ، وادعائها تمثيلها لشعوب من أعراق أكثر تفوقا مرة، ومرة إدّعاءاتها المضحكة في كون الكورد ينتمون الى تلك القوميات، وانهم نسوا لغاتهم التركية والفارسية والعربية.
ويعتبر الكورد عموما القوميات العائشة على أرض كوردستان مشاركون  للشعب الكوردي في الحكم والادارة وحسب حجومهم، وهذا يعني تماما احتراما كاملا لحقوقهم القومية، وأنهم يؤمنون بتوفيرالفرص الكاملة لتنمية مناطقهم التي يعتبرون الاغلبية فيها، وتنمية ثقافاتهم وممارسة طقوسهم وخصوصياتهم، والاحتفال بمناسباتهم وتخليد رموزهم، بما يخدم مباديء الانسجام والحياة المشتركة والتعددية الثقافية بكل حرية وإطمئنان.
وتنتشر الان المدارس التي يدرس فيها التلاميذ بلغاتهم القومية، وهناك ممثلين للقوميات في البرلمان الكوردستاني وفي المؤسسات الحكومية، وأن اهمّ الكنائس المسيحية ومؤسساتها نقلت مراكزها الدينية الى كوردستان..
وطبعا أن هذا الفهم لحقوق القوميات لا يمكن اعتباره نوعا من العطاء لهم، او أنه ثمن لمشاركة الكثيرين من ابناء القوميات والاديان وخصوصا المسحيين في الثورة الكوردية، بل لأن هذا الفهم هو وعي معمق وثابت لدى الشعب الكوردي وحركته التحررية بالحقوق الطبيعية لتلك القوميات والتي يجب ان نبني بيت التعايش السلمي والاخوي على ضوئها، وعلى اساس الاحترام التام من الكل للتاريخ والحدود الطبيعية لبلاد كوردستان  والتضحيات الغالية التي قدمها الشعب الكوردي في سبيل حرية شعبنا بكل قومياته واديانه وطوائفه.
كوردستان ستصبح النموذج المختلف تماما عن الانظمة في المنطقة التي ما زالت تتنكر لوجود الكثير من تلك القوميات، وتحاول القضاء على ثقافاتها، بل وتفرض الحدّ على ممارسة الطقوس الخاصة بعقائدها.
كوردستان ستصبح بؤرة الضوء المتفتحة على الحياة والسلام والتعايش والمفاهيم الديمقراطية لبناء مجتمع متطورمبني على المعايير الانسانية التي ترفل بالحرية والتقدم.