المتروبوليت بولس صليبا

يورد إنجيل اليوم فكرة من أهم تعاليم العهد الجديد. يقال بأن الإمبراطور الروماني رومانوس سافيروس كان جد مُتخذ بهذا التعليم حتى أنه أمر كل موظفي الإمبراطورية أن يكتبوه ويعلقوه على جدران مكاتبهم. « كما تريدون أن يفعل الناس بكم فافعلوه أنتم أيضاً «. ملحدون كثيرون لم يهمهم الإيمان عادوا إليه بمجرد سماعهم لهذا القول. آخرون لم يؤمنوا بأن يسوع إلهاً، لكهنم قدموا له الإحترام لقوله هذا.
وكلما قرأنا أو ردّدنا هذا القول كلما تعمّقنا في معناه وفُتحت أمامنا واحات عن معناه. مليء بالحكمة والوحي الإلهيين. يُشجع على علاقة وتصرف جدّيين بين البشر؛ يُشجع الإنسان ليتمثّل بخالقه وبالذي خلّصه، يسوع المسيح؛ بمعنى آخر أن يُصبح الإنسان كالله لا بالكمية (الحكمة والقوة) لأن هذا خارج نطاق قوى البشر. إذ أنه منذ أن فكر الجدّين الأولين بأنه يمكنهما أن يعرفا كما الله ويصبحا مثله مُستمعين للشيطان، منذ تلك اللحظة ابتعدا عن الله. ماذا قال لهما المجرِّب: « تودان أن تصبحا كالله؟ إنه لسهل وبسيط. لا تسمعوا لصوته. ثوروا عليه وضدّ إرادته». تعرف، أيها القارئ الكريم النتيجة.
نقرأ في العهد القديم كيف جرّب الإنسان أن يستعلي على الله ببناء أبراج عالية. البناء يُعرف «ببرج بابل». بعد البدء في البناء حدث سوء فهم بين المسؤولين. فلم يعودوا يفهمون على بعضهم. فسقط البرج وتشتت البناؤن في أنحاء العالم.(تكوين 11: 4- 9).
الرائد الفضائي الشيوعي الأول قال وهويدور في الفلك: « قالوا لنا بأن الله موجود في الفضاء. ذهبنا إلى هناك، لم نجد الههم. سافرنا إلى النجوم ولم نجده هناك». هذا الكلام في المفهوم اليوناني والروماني القديم يُعتبر إهانة، والإهانة تستوجب القصاص. في لغة اليوم نسميها « تجديف» في أسوأ حالاته. والنتيجة لمعروفة. اختفى خروتشيف الشيوعي القوي. وسقطت تشيكوسلوفاكيا ورومانيا وبولندا. تأثير الشيوعية  زال بسبب الحقيقة المعروفة وهي أن إيمان الشعوب بإلههم لا يمكن القضاء عليه.
علينا أن نعرف بأن الإنسان سوف لن يجد الله إذا كان هدف تفتيشه عنه هو شيطاني، إذا أراد أن يجده ليُجدّف عليه ويُهينه. علينا أن لا نُجرّب أن نجد الله خارج ذواتنا. يتكلم الرسول بولس عن هذا الموضوع بقوة وسلطة… « أفلا تعرفون بأنكم هيكل الروح القدس وإن الروح يسكن فيكم؟ فإذا ما استهان شخص بهيكل الله؛ يستهين الله به «.
كتب الفيلسوف الألماني المعروف «كانت»: «برهنت وجود الله أخلاقياً منطلقاً من القانون الأخلاقي الذي فينا، وأضاف، يوجد ناموس أخلاقي جامع، سابق ومُطلق موجود في كل ناموس بشري يُعبّر عنه بطريقة إيجابية، مشدّداً لا تعمل شراً بل اعمل حسناً. نتيجة لذلك هناك خالق إلهي للناموس، هو نفسه العقل الأوحد، الكلي القوة، والكائن الأزلي. حتى في الحالات غير الطبيعية، يستطيع الإنسان أن يُميّز بين الخير والشر».
قلنا سابقاً بأنه لا نستطيع أن نُحدّد قوة الله بكمية ولا نجد مقطعاً كتابياً واحداً يساعدنا على ذلك. لكننا نجد مقاطع كثيرة تشجعنا على التفتيش عن الله كنوعية لصلاحه. أحد المراجع هو المقطع المذكور أعلاه:
« كونوا رحماء كما أن أباكم السماوي رحوم «. (لوقا 6: 31- 36).
كان الفيلسوف نيشتة سيء الحظ إذ كان يعلم تلاميذه: « تقوّوا، ودوسوا بأرجلكم الضعفاء. فلكي تصلوا إلى العلى المشتهى. عليكم أن تميّزوا الأقوياء من الضعفاء. الحياة للأقوياء فقط «. يقول لنا كتابنا المقدس « أن نحب الآخر كما أحبنا الله. إن من له حب كهذا لأخيه سيتّحد بالله. والله فيه… الله محبة والذين يحيون في المحبة يحيون في الله والله يحيا فيهم «.
فلنحب أيها الأخوة بعضنا بعضاً لأن المحبة هي من الله، والمُحب مولود من الله ويعرفه. والذي لا يُحب لا يعرف الله. وأظهر الله محبته لنا بإرساله ابنه الوحيد إلى العالم ليعيش معنا ويخلصنا.
وصفت الميثودولوجيا الرومانية واليونانية آلهتها بأنها كلية القوة والغضب والقصاص. أحد تلك الآلهة كان مسؤولاً عن الرعد والبرق، الآخر عن الرياح، الخ… كانوا على أهبة الإستعداد للتجاوب ضد البشر. لكن إلهنا هو إله الحُسنى والمحبة. يغفر، سبعين مرة سبع مرات، وقد أرسل ابنه لخلاص البشرية. عالمنا اليوم بحاجة ماسة إلى مثل الكتاب المقدس وحياة الكنيسة. حضارة العالم تشدّد على الأنا وإهمال لا بل الدوس على الآخر. بينما إلهنا يعلمنا أن نحب وأن لاخلاص بدون محبة. هكذا نصبح شبيهين به وبأبينا السماوي. «… كونوا رحماء كما هو رحيم».
آميـــــــــــــــن