بقلم مرفت بدر الترزي
وجع القلب على من تركناهم خلفنا Heartache for those left behind
ورد أعلاه في جريدة الديلي تلغراف DAILY TELEGRAPH يوم الخميس في 17 سبتمبر 2015 وقد تصدر صفحة رقم ( 2) تحت عنوان City?s little Damascus
Western Sydney may take 7000 Syrians from Middle East war zone
هذا الخبر وتلك الصورة المرفقة لعائلة سورية لم يمضي على وصولها لأستراليا أقل من سنة، والتي يتوجع قلبهم على اهلهم الذين تركوهم خلفهم، أثار في داخلي قصة أخرى وقصصاً متوالية ممن هم في استراليا من موجوعي القلوب.
(نجود) شابة سورية الأصل واسترالية الجنسية منذ عشرين سنة وزوجها استرالي منذ اربعين سنة، تتميز نجود بجمالها الهادئ وابتسامتها المشرقة وعواطفها الرقيقة وانسانيتها الللامتناهية.
تعرّفت( نجود) على تلك المرأة الفلسطينية والتي وصلت منهكة إلى استراليا ووجع القلب لا يفارقها بمن تركتهم خلفها من أبنائها فلذات كبدها، وكلما قابلت نجود صديقتها الفلسطينية تشعر بوجع القلب معها لانها تحمل هماً أكبر من أن يتحمله قلبها الصغير.
(نجود) تركت أسرتها واخوتها واخواتها لتنضم إلى زوجها قبل اكثر من عشرين عاما، ولكنها كلما سمعت أخبار العراق وفلسطين حتى يرتجف قلبها رعبا وخوفا، رافعة الصلوات بكل خشوع لله العلي القدير بالدعاء له أن يحمي سوريا وأهل سوريا من كل شر، وقد دنت من صديقتها والتي يملأ قلبها ألم الفراق والقلق لتقول لها: إن منزلي سأمنحه لاولادك دون اي مقابل بمجرد وصولهم إلى استراليا حتى يتمكنوا من الاستقرار، وأنها لن تدخر جهدا لمساعدة أبناء صديقتها لتخفف وجع صديقتها على ابنائها، ولكن للأسف وجع قلب الأم لم ولن يكففه إلا رؤية ابنائها يصلون الى حضنها إلى بر الأمان والسلام .
وهاهي الأيام انقلبت وأصبحت أشد سواداً وحلكةً، وانتقلت العدوى، وتمدد السرطان، وإن كان له أشكالا مختلفة من السينارو ، والآن سوريا من هرب منها فهو آمن ومن بقي فيها فهو بين القصف والذبح والتكفير والتهجير والدمار.
(نجود) وأهلها من الأقلية المسيحية والتي كانت تنعم بالحياة الكريمة في ظل وطن يسوده النظام والقانون، والآن كيف يتسنى لهم الاستمرار في ظل قانون الغاب والعنصرية والاضطهاد الديني والقتل فقط على خلفيتك ومعتقداتك، الذبح وسفك الدماء ، غابت الابتسامة الجميلة عن وجه (نجود) وحل محلها الحزن والأسى والقلق وأصبحت مثل صديقتها، وجع القلب لا يفارقها تركت عملها ومصالحها لتجري هنا وهناك تسأل عن قوانين الهجرة حتى تُحضر اهلها واسرتها إلى بر الأمان، لم لا وهي تلك المرأة الاسترالية منذ عشرين عاما وزوجها منذ أربعين عاما ولهم تاريخٌ مشرف من الكفاح والعمل والاخلاص المتفاني لأستراليا، إضافة ً انهم من دافعي الضرائب، لتُصدم أمام قوانين الهجرة، وما صرحته الحكومة من أنها ستستقبل المهاجرين السوريين او المهاجرين من الشرق الأوسط والذين هم خارج أوطانهم.
إن القوانين جامدة لا تحمل في جسدها قلوبا بشرية ولكن واضعي القوانين والمسئولين هم الذين يحملون مثل هذه القلوب.
إن وجع القلب يرافق نجود ولا يفارقها ، إن وجع القلب يرافق صديقتها ولا يفارقها، وهناك قصص كثيرة لمقيمين في استراليا وجذورهم من الشرق الأوسط سواء كانوا (مقيمين بتأشيرة إقامة دائمة، أو يحملون الجنسية الأسترالية ) يعانون من وجع القلب.
لقد حرصت استراليا على مواطنيها فتزودهم بأعلى مستويات الرعاية الصحية والنفسية، فلذلك من باب أولى جمع موجوعي القلوب مع اهلهم وذويهم حتى ينعموا بما وهب الله استراليا من جمال الطبيعة والأمن والأمان والسلام والاستقرار ليعيش فيها المخلصين لها والمثمنين لجهودها والمقدسين ترابها والعاملين على استمرار ازدهارها، ولنحمي مواطنينا ولنوفر أموالا طائلة تخصص للصحة النفسية (mental health) بل وبعد أن عرفنا الداء وهو القلق المستمر ليل نهار على الأهل، فإن الدواء والعلاج ليس برنامج الصحة النفسية (Mental Health Program) بل العلاج الشافي هو جمع شمل نجود وصديقتها وأمثالهم مع أهلهم الذين يرزحون تحت خطر حقيقي .
أرجو من المسؤولين ابتداء برئيس الوزراء ووزير الهجرة ومتخذي القرار أن يقرأوا مقالي هذا ويهتموا بموجوعي القلوب وأتمنى من كل قلبي أن يكون مقالي القادم فرح القلوب.