كمال براكس – سيدني
كل انسان له اخطاؤه، وصفات نقصٍ او عيوب، لولاها ما وُجدت شخصيته التي يمتاز بها، اذ لولاها مُحيت شخصيته وصار انساناً آخر، والحياة مثل حجرة علقت صور على جدرانها، فاذا أزيلت من مكانها، والانسان الحم اذا تدبّر مآسي الحياة مشاقهاوآلامها تخطّ مرحلة التدهور النفسي. ومن الغريب ان ترى بعض الاحيان شباباً يدفعون بنفسهم الى مجاراة تيار الناس، يجعلهم كالسفينة التي تتقاذفها الامواج، والشباب مندفع بطبعه، وبالرغم من ثقته بنفسه، فانه ينقاد للتيار، ولعدوى خصال الناس واعمالهم، ومن اجل ذلك، ينشأ الصراع المخيف في النفس الذي يضيع الحياة سدى، ويقضي على مسّراتها.
فالانسان السعيد هو الذي يعمل ليخد من همّ الحياة وقلقها، فليست الثروة ان تكون ذا مال كثير، بل الثروة ان تخلو نفسك من توقع الحاجة ومن خشية الفقر، ولكل انسان عمل شبه طبعه وطريقته، فالتجارب والخبرة في الحياة لا حدّ لها، اما النظريات فانها محدودة بحدود العقل، وان اغلاط المرء في الحياة قد تُكلفه عناءً كثيراً، وتوقع به ضرراً بالغاً، وعوابق وخيمة، ومع ذلك فالشبّان خاصة يندفعون الى امثال تلك الاغلاط، ولا يعرفون ما هو مخبأ لهم.
وكذلك الحياة، تزداد المشاق، كلما قارب الانسان مقصد الذي يسعى اليه، والسعادة هي الاستسلام لمشيئة الله، فنستقبل كل ما يصيبنا في هذه الحياة كأنه ناشئ من ارادتنا.
واذا نظرت في الأمم المتخلفة وأمعنتَ النظر فيها، واحصيت اولاً ما بينها من صفاتٍ مشتركة، ترى ان اسباب التخلف هو الفقر والجهل.
والفقر اذا ترجمته الى نتائجه القريبة كان الجوع، والجوع الم والعرى مرض وموت والفقر اجهاض لمعنى الحياة.
ومخلوقات هذه الارض من البعوضة الصغيرة الى الأسد الكبير الخطير وما بينهما، من كل داب على الارض او طائر في السماء.
فالانسان ليس لحماً مركوماً وعظماً موصولاً فحسب، بل ان به ابداع لم يستطع شيء في الدنيا بلوغ مثله، انه نموذج الخلق الأكبر والاوسع وفيه سر الحياة، فلا يزل بالجوع ولا بالعري.
وهذا الجسم الانساني، حمل في طياته نفساً، وللنفس عزة.
ان الفقر ليس من عمل الدنيا، ولكنه من عمل الانسان، الانسان في هذه الدنيا له الارض والماء والشمس، وله قوة الساعد التي تحفر، وتبذر وتجمع من ثمار الزرع ما تجمع.
كل شيء خلق للتيسير في اول امره، ولا شيء في هذه الدنيا يهدف الى خير الانسان جملة، حتى وصلنا الى هذه الحضارة، وتورّطنا فيها اكبر ورطة والانسان وقيمه.
وقد ذهبت الحضارات بكل ما فيها من معنى، والفقر قد شمل ثلاثة اخماس اهل الدنيا، واصبح لا يحسّ آلامه الا من هم فيه من البشر، والعمل طارد الفقر.