Pierre-Semaanقد يكون من السهل جداً على اي عضو في حزب ما ان يوجه سلسلة من الانتقادات لعمل حكومة آبوت ولقلة الانجازات لديها. فكل سياسي او متعاطف حزبي ينطلق من مبادئ الحزب والخطوط السياسية العريضة ليوجه النقد لحكومة آبوت… وان استمعت الى رأي حزبي واحد يكفي لتعرف آراء الآخرين في هذا الحزب بالحكومة.
لندع رأي الآخرين جانباً ولنسع الى اجراء جردة تقييم لعمل حكومة آبوت بتجرّد وموضوعية، قدر المستطاع. لكن قبل ان اقوم بذلك علينا ان نتحدث بانجاز عن اجواء البلاد عند استلام آبوت الحكم.
عندما غادر كيفن راد الحكم ترك الشعب الاسترالي يعبأ تحت ديون تزيد على 153 مليار دولار كديون مالية غير ممولة واضاع العمال تسليم 100 مليون دولار على موارد اجتماعية غير مجدية. ونقل الميزانية التي اورثها اياه جون هاورد مع فائض 9 بالمئة، وعندما غادر الحكم كانت ميزانية البلاد تعاني من عجز بقيمة 4 بالمئة.
وعند استلام آبوت الحكم كانت استراليا تعاني ليس فقط من عجز في ميزانيتها العامة، بل بنوع من التخبّط والضياع، ليس فقط بسبب انقسام حزب العمال الحاكم آنذاك، بل نتيجة لغياب السياسة الصريحة والصارمة لدى حكومات العمال التي ارغمت على معالجة امور البلاد وعينها على خلافات الداخل. وهذا ما ساهم في فشل العمال على اكثر من صعيد. اذكر بعضها تدفق قوارب طالبي اللجوء يومياً، ارتفاع معدلات البطالة، الوضع الاقتصادي العام الذي يميل الى السلبية في ادائه.. وربما تزعزع الهوية الاسترالية بسبب استباحة الحدود الاسترالية من قبل مهربي البشر وطالبي اللجوء وغض النظر لدى السلطات الاندونيسية، رغم الموقف الاسترالي الداعم للبلاد والاقتصاد والحكومة الاندونيسية.
ولمعرفة وقياس سياسة حكومة آبوت، يجب ان نأخذ بعين الاعتبار ثلاثة امور وهي:
1 – الوضع العام السائد في استراليا ،
2 – سياسة حزب الاحرار،
3 – شخصية آبوت البراغماتية.
فالوضع العام ايام حكم العمال كان رديئاً على اكثر من صعيد ولا حاجة للتوقف عنده اكثر مما ذكرت.
2 – سياسة حزب الاحرار تقوم بالدرجة الاولى على دعم رأسماليي البلاد وفتح المجال لهم للانطلاق نحو المزيد من الاستثمارات والمشاريع الضخمة التي تخلق فرص عمل وتخفض من معدلات البطالة وتخلق نوعاً من الاستقرار الاجتماعي نتيجة لانخراط السكان في قطاع العمل والانتاج العام، وهذا يزيد من مدخول الدولة بواسطة الضرائب المباشرة وغير المباشرة مما يساعد الحكومة على تحسين ميزانية البلاد والانطلاق في ورشة استثمارات وانفاقات على البنى التحتية.
ويلاحظ انه منذ وصول حكومة آبوت شهدت البلاد حركة متنامية في قطاع الاعمار والبناء حرَّكت الوضع الاقتصادي وساهمت المصارف الكبرى في دعم هذه الظاهرة.
وباعتقادي ان ازدهار قطاع الاعمار والاسكان ساعد حكومات الولايات علىتحسين ميزانياتها وتفعيل ذلك في تطوير البنى التحتية لديها. وولاية نيو ساوث ويلز هي افضل شاهد على ذلك، وهي بالواقع تشهد اليوم نهضة انمائية لا مثيل لها.
3- شخصية آبوت البراغماتية،
ان من يراقب شخصية وسياسية آبوت يدرك بسهولة ان رئيس الوزراء ينطلق من مبادئ وخلفيات ثابتة. وقد انعكس ذلك على عمل وآداء الحكومة.
وان تأييد الناخبين لـ آبوت او معارضتهم له لا تلغي هذه المزايا لديه. وظهرت هذه المبادئ في المواقف الصريحة حيال امور عديدة اذكر بعضها كما يلي:
{ ظاهرة تدفق قوارب اللاجئين
يرى آبوت وحكومته في هذه الظاهرة استباحة مباشرة وصريحة لاستقلال البلاد وحقها في حماية حدودها ومرجعية قرارها حول من يدخل البلاد. لذا اتخذت الحكومة مواقف واضحة وجريئة تقضي بوقف ومنع وصول القوارب الى الداخل الاسترالي، لا بل اعادتها من حيث اتت وارسال اشارة واضحة لكل المعنيين، من مهربي البشر والمتضامنين معهم لسبب من الاسباب انه يمنع الدخول الى استراليا الا بواسطة الطرق المشروعة.
بالطبع هذه السياسة لاقت انتقادات خاصة من حزب الخضر وجماعات مساندي اللاجئين ومن يتغنون بالمبادئ الانسانية والرحمة والمساواة والتعاطف مع المحرومين والمظلومين… وهذه مبادئ جيدة، لكنها تبقى سطحية في معالجة ازمة قد تكون لها انعكاسات خطيرة على مستقبل البلاد. وانه معلوم انه بالامكان  خلق ازمات سياسية ديمغرافية في حال جرى نقل مجموعات ضخمة من الناس دفعة واحدة. وهذا يؤدي الى خلق حالة من الخلل الاجتماعي والأمني ورفع مستوى الاعباء الاقتصادية على البلد المستقبِل لهم دون ان يكون لديه خيارات اخرى.. آبوت اوقف هذه الظاهرة ووضع حداً لانعكاساتها السلبية. وقد اعترف زعيم المعارضة بيل شورتن بصحة وفعالية هذه السياسة. واقر بفشل سياسة حزب العمال السابقة.
{ الارهاب
ربما يكون طوني آبوت الشخص الملائم لهذه الحقبة التاريخية التي يشهد فيها العالم تعميم ظاهرة الارهاب وانتشارها في العالم، بشكل يهدد السلم العالمي.
وحيال هذه الظاهرة الخطيرة عملت حكومة آبوت على عصيدين:
– التنسيق مع الدول الحليفة والمجاورة لمواجهة ومحاربة هذه الظاهرة المتمثلة بـ «داعش» والاعمال الاجرامية التي ترتكبها بحق الابرياء والدعوة لاقامة الخلافة الاسلامية ليس فقط في سوريا والعراق، بل الدعوة الى تغيير الانظمة في الوطن العربي والاسلامي برمته والدعوة الى تحريك الجماعات الاسلامية المنتشرة في العالم. وهذا يتطلب موقفاً دولياً موحداً بين الدول.
اما على الصعيد الداخلي، فقد عملت حكومة آبوت على تطوير الانظمة والقوانين وتفعيل الاجهزة الامنية وتزويدها بالغطاء القانوني والوسائل العملية لمواجهة ومكافحة ارهاب الداخل ومنع وصوله من الخارج والحؤول دون تزويد الدولة الاسلامية بالمزيد من «المقاتلين الاجانب». كما اتخذت الحكومة قراراً وافق عليه حزب العمال، ويقضي بسحب الجنسية الاسترالية من الارهابيين وداعميه في الداخل الاسترالي.
ورغم ادعاء البعض ان حكومة آبوت تعتمد سياسة التخويف والترهيب، غير ان كثراً  يرون في هذه التدابير اجراءات وقائية ضرورية، خاصة ان استراليا قد اختبرت الارهاب في اكثر من مرة واحدة وتقدّر نتائجه السلبية على اكثر من صعيد. في بالي خسرت استراليا 80 مواطناً ثم 20 وفي سدني /المارتن بلايس قتل مواطنان بريئان. وجرت عدة محاولات للقيام باعمال ارهابية اخرى . لكن السلطات الامنية تمكنت من اكتشافها قبل ساعة الصفر.
وانجزت حكومة آبوت مجموعة من اتفاقيات التبادل التجاري الحر مع اليابان والهند وكوريا الجنوبية والصين اليوم. وتعتبر هذه اضخم سوق في العالم للاقتصاد العام قد تحول استراليا الى اهراء بلدان جنوب شرق آسيا وتعيد انعاش الريف الاسترالي.
باعتقادي ان حكومة آبوت اصبحت اليوم في وضعية مستقرة. فبعد عملية شدّ الحزام اقتصادياً في السنة الاولى والغاء الضريبة على الكربون والتعدين وخفض الضريبة على المؤسسات التجارية المنتجة، واليوم يريد هوكي خفض الضرائب على المعاشات.. وبعد تطوير القوانين خاصة الامنية وتفعيل المؤسسات ووضع حدّ لطالبي اللجوء غير الشرعيين، اصبحت حكومة آبوت قادرة علىاعتماد سياسة اكثر ايجابية وبناءة، مبنية على مبادئ ثابتة تدفعه على سبيل المثال  الى عدم تشريع زواج المثليين لأنه يتعارض مع مفهوم العائلة وتعاليم الله وارادة المواطنين ومستقبل البلاد والنمو الديمغرافي فيه.
آبوت يعمل للمستقبل بينما يسعى حزب العمال والخضر لكسب اصوات وشراءها بطرق غير مباشرة.
الانطباع السائد ان الحكومة تقرر وتنفذ وحزب العمال يصحّح ويساند.
الانتخابات المقبلة سوف تطرح تحت شعار الامن اولاً والعائلة وحماية الحدود ومكافحة الارهاب ودعم الاقتصاد وانعاش القطاع الزراعي وتطوير البنى التحتية لوطن ينظر بعين التفاؤل نحو المستقبل.. واعتقد ان حزب الاحرار وضع الأسس للفوز في دورة اخرى.