محمد نمر
يبدو أن اغتيال «شيخ الكرامة» في السويداء لن يمر مرور الكرام. فأنظار الدروز مشدودة نحو هذه المحافظة التي شهدت اغتيال الشيخ وحيد البلعوس. دروز سوريا، لبنان، فلسطين والعالم في حال من القلق والترقب والانقسام حول هوية القاتل. من القاتل؟ ملامح الجريمة ليست جديدة، والنظام السوري المتهم الأول فيما يتّجه أنصار الأخير إلى اتهام التكفيريين وأتت مسرحية «أبو عدس» الدرزي لتدعم موقفهم، إلا أن المقرّبين من البلعوس ورجاله على يقين أن الفاعل أسدي الانتماء.
البلعوس يتّهم النظام
يخطىء من يعتبر البلعوس معارضاً للنظام أو موالياً له، إنه رجل وطني من الطراز الأول، شعاره: «الأرض والعرض والدين». ومتابعة خطبه توضح موقف هذا الرجل إزاء ما يجري في سوريا. لم ينتظر «رجال الكرامة» التحقيق ليوجّهوا اصابع الاتهام، فالشيخ البلعوس نفسه كشف في فيديو قبل اغتياله بأيام أنه مهدّد من النظام السوري وقال: «بالنسبة للتهديدات يا خيي بدهم يقتلونا أو ما بدهم يقتلونا وهالحكي ?وقلنا بالبيان: قد علمنا قراركم بتصفيتنا. عبيتمرجل علي مملوك وأمثاله، نحنا مش ضد الدولة بس ضد الفاسد فيها، تعدت علينا داعش وصارت عدوتنا وإذا تعدت علينا الدولة صارت عدوتنا، علمنا بقراركم بتصفيتنا وقلنا لكم ارواحنا وارواحكم بيد عزيز مقتدر فافعلوا ما شئتم ونحن نقتدي بسلفنا الصالح ومشايخنا الاجلاء. واعلى ما بخيلهن يركبو والروح مش بأيدهم والشغلي الي ما بيقدرو عليها بقدرة الله… وهذا دليل على ضعفهم».?
الجيش الحرّ: لن ندخل إلا…
مصير السويداء بيد أهلها، وكثيرون حاولوا الترويج بأن «الجيش السوري الحر» أو ما يعرف بـ»الجبهة الجنوبية» قد يستغلون الوضع والدخول إلى السويداء، إلا أن الناطق باسم الجبهة الرائد عصام الريس يؤكد أن «الجيش الحر لن يتدخّل حتى يتمّ الطلب من أهالي السويداء بالتدخّل»، ويقول: «بني معروف كانوا يظنون ان النظام سيتركهم بأمان بوقوفهم على الحياد، ولكن اغتيال الشيخ ابو فهد كان رسالة واضحة بأن النظام لن يحيدهم، وانه أنكر سوريتهم كما انكر جنسية السوريين وشرّعها للميليشيات والمحتلّين الايرانيين وحزب الله»، ويضيف: «نظام بشار الأسد لن يسمح بشعار الكرامة، ولا كرامة لسوري بوجود الاسد، وسيكتم كل صوت يدعو الى الكرامة، اهلي بني معروف لديهم المقدرة على اسقاط النظام في السويداء ورفع الاحتلال الايراني، والجبهة الجنوبية لطالما وقفت مع اهالي السويداء في كل الملفات وستبقى تقف معهم وتدعم ثورتهم للحرية والكرامة».
لا للتقسيم
«إما نبقى فوق الأرض بكرامة أو تحت الارض بكرامة» هي سياسة «شيخ الكرامة» الذي يدعو إلى الاقتداء بقائد الثورة السورية الكبرى الأمير سلطان باشا الأطرش وبشعاره «الدين لـ الله والوطن للجميع»، ويقول البلعوس في إحدى جلساته: «من شعاراتنا أيضاً: نحرّم التعدّي منّا والتعدي علينا، لسنا مؤيدين أو معارضين».
البلعوس من المعارضين لفكرة تقسيم سوريا أو انشاء دويلة درزية، «لا نريد وطناً بديلاً، وسوريا هي أمنا»، ينادي «اخوانه» بـ «السباع»، ويكرّر لهم في كل جلساته أهمية الكرامة، قائلاً: «نبقى فوق الارض بكرامة أو تحت الأرض بكرامة».
خنقتونا قبل الاغتيال
التواصل مع أهالي السويداء ليس سهلاً. الانترنت هناك مقطوع منذ أربعة أيام رداً على التظاهرات المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، ونقل أحد ناشطي المكتب أسامة زيدان لنا حال السويداء قبل الاغتيال وبعده، موضحاً أن «انقطاع الانترنت جاء رداً على تظاهرة حملة خنقتونا التي حشدت آلاف الشبان أمام مبنى المحافظة، مطالبين بتحسين الأوضاع المعيشية واقالة القيادات الامنية والمحافظ، لأن اهالي السويداء يعتبرونهم المسؤولين عن تردي الاوضاع في المحافظة وانتشار السلاح والمازوت الداعشي، فضلا عن الانقطاع شبه الكامل للكهرباء وتهريب محاصيل المحافظة من القمح وبيع خبز النخالة للمواطنين.
الخميس الماضي أمهل المتظاهرون السلطة 48 ساعة لتحقيق مطالبهم وأعلن منظمو الحملة أنهم سيتوقفون عن التظاهر يومي الجمعة والسبت، على أن يعودوا يوم الأحد ليتمكن الموظفون من المشاركة في التظاهر. وما هي إلا 24 ساعة حتى وقع تفجيران متلاحقان في المحافظة استهدفا موكبًا للشيخ البلعوس ومجموعة من رفاقه، والانفجار الثاني استهدف المشفى الوطني، ما أدى إلى مقتل نحو 30 شخصاً وإصابة أخرين».
لا بديل عن البلعوس
أمس الاول الاثنين شهدت المحافظة تشييع البلعوس في الملعب البلدي، وانطلقت من بعده تظاهرة في اتجاه المحافظة تطالب بـ»اسقاط النظام الذي تحمّله مسؤولية ما حدث ويحدث من اغتيالات»، ونفى زيدان حصول أيّ «اشتباكات عسكرية»، لافتاً إلى أن «السويداء خالية من التواجد الواضح لعناصر الأمن، لكنها تحتوي على الكثير من الخلايا النائمة والتي قد تتحرّك في أيّ وقت».
رحل البلعوس تاركًا وطنية مزروعة في نفوس رفاقه. عنفوانه حاضر فمن استلم المهمة؟ يجيب زيدان: «ليس هناك شخص محدد تسلم مكان البلعوس في قيادة «رجال الكرامة»، إنما هناك مجموعة تدير العمليات»، ويضيف: «ينقسم الشبان الى مجموعات بحسب مناطق سكنهم، ولديهم مهمة دائمة بتنظيم الحركة وحفظ الامن، ويتجمعون عندما تستدعي الحاجة بعد ان يتنادوا لاجتماع ما، وهم يعرفون ويثقون ببعضهم جيدًا ومتّفقون على آلية الحركة وفق مبادئ متفق عليها سابقاً، وهي حفظ الامن وعدم الاقتتال الداخلي وحماية اي مطلوب للخدمة من الاعتقال».
أهداف «رجال الكرامة»
مجموعة البلعوس «رجال الكرامة» لا يبحثون عن مكاسب سياسية، ولديهم أهداف واضحة: «حماية مناطق السويداء وحدودها من اعتداءات ما يسمى بداعش. واستشهدت مجموعة منهم في اكثر من مكان، منهم احد اخوان الشيخ الشهيد البلعوس، وقد اعلن الأخير مرات عدة بأنهم ليسوا حركة سياسية ولا تتبع لأي جهة، كما أنهم لا يؤيدون النظام ولا يتبعون المعارضة وغايتهم المحافظة على ممتلكات الشعب ومحاربة الفساد ومنع الاعتداءات وحماية الوافدين الى المحافظة من ابناء المحافظات الاخرى. واعلن الشيخ وحيد مرات عدة أنه يطالب بإقالة وفيق ناصر رئيس فرع الامن العسكري في السويداء، الذي يعتبره اهالي السويداء المسؤول عن الاختراقات الامنية في المحافظة وعمليات الخطف وإثارة الفتنة بين اهالي السويداء وجارتها درعا».
أبو ترابي… أبو عدس
«رجال الكرامة» يدركون تماماً أم اطلالة وافد أبو ترابي مفبركة، وتشبه اطلالة «أبو عدس» بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ومن المعروف أن ترابي رجل درزي معارض للنظام، وهناك من يتهمه بأنه من أنصار «جبهة النصرة»، وأخرون يزعمون أنه يتبع إلى غرفة «الموك» في الاردن. رواية ابو ترابي لم تمرّ ويؤكد زيدان أن «الاتهامات التي وجّهها النظام لوافد ابو ترابي مفبركة وغير صحيحة، والكل يعلم كيف يقوم النظام بإجبار المعتقلين على الاعتراف، والقصة التي رواها الأخير على التلفزيون لا يمكن تصديقها، كما ان التلفزيون الذي بثّ المقابلة حاول ان يشقّ صف رجال الكرامة بالترويج بأن الشيخ وحيد كان على علاقة بجهات خارجية، والهدف معروف ان يُنهي الشيخ ويُنهي اي تعاطف معه، لكن ذلك بعيد عن الواقع فأنصار الشيخ الذي يعرفونه عن قرب لا تنطلي عليهم هذه الاكاذيب». ويذكّر بما كشف عن البلعوس قبل أيام بأنه «مستهدف وسمّى الجهات التي تستهدفه بالاسم وقد تعرض سابقا لمحاولات اغتيال عدة باءت بالفشل»، مشيراً إلى أن «البلعوس سمى اللواء علي المملوك بالاسم ردا على التهديدات».
مشايخ العقل والنظام
شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في السويداء يوسف جربوع لا يوجه الاتهام إلى النظام مقتنعًا برواية أبو ترابي، ما دفع المعارضين إلى توجيه الانتقادات له، ويقول زيدان: «شيوخ عقل الطائفة الدرزية تمّ تعيينهم بقرارات أمنية، وهم تابعون للنظام ويتلقون الاوامر من رئيس فرع الامن العسكري وفيق ناصر، ويذكر أنه بعد حادثة انشقاق الشهيد خلدون زين الدين، طلب الامن من الشيخ المرحوم احمد الهجري أن يعلن تبرؤ الطائفة دينيا من خلدون ورفاقه، لكنه رفض ذلك وقد تمّت تصفيته بعد ذلك بحادث سير مفتعل، وتم تعيين شقيقه حكمت الهجري ونشرت الصفحات الاعلامية حينها ان التعيين كان في حضور امين فرع الحزب والمحافظ وقيادة الشرطة والامن العسكري، وهذا يدل في شكل قاطع لمن لا يعلم أن مشايخ الطائفة هم تابعون للأمن وتصريحاتهم لا تعبّر عن نبض الشارع. كما أنهم اعلنو مقاطعة الشيخ البلعوس في وقت سابق واعتبروه خارجا عن الملة في موقف أعاد إلى الذاكرة البيان الذي اصدره مشايخ العقل في ظل الاحتلال الفرنسي عندما تبرأوا من سلطان باشا الاطرش، معتبرينه خارجا عن القانون. الشيخ البلعوس قابل هذا القرار بحكمة وتعقّل ولم يردّ بهدف عدم إثارة الفتنة، حفاظًا على المكانة الدينية لمشايخ العقل الذين أعلنوا عن تراجعهم عن قرار الإبعاد في وقت لاحق».
مخاوف من دخول «النصرة»
ويعتبر زيدان أن «الثورة في سوريا خرجت عن مسارها عند تغيير شعاراتها المدنية وسيطرة الجماعات المسلحة المتطرفة»، مشيراً إلى أن «اهالي السويداء ينظرون لما حصل في ادلب للدروز على يد جبهة النصرة بخوف وتردّد، واعلن الثوار في المنطقة الجنوبية مساندتهم لحراك السويداء في بيانات عدة، الا أن المخاوف من تدخل «النصرة» لا زال يسيطر على اغلبية الناس. واعلن رجال الكرامة في وقت سابق على لسان الشيخ البلعوس رحمه الله، اننا ضد القتل وضد التدمير. وقد صرح الشيخ امام مجموعة من الاهالي بتسجيل موثق بأن النظام والمعارضة قد خربوا البلد، وان اولادنا لن يكونوا وقودا لهذه المعركة ونحن سنحمي شباب السويداء من الالتحاق بالخدمة الالزامية الا من يريد ذلك طوعا»، لافتاً إلى أن «أكثر من 27 الف شاب مطلوب للخدمة في السويداء وهارب من الجيش كانوا جميعا بحماية مشايخ الكرامة والشيخ البلعوس».
الانقسام الدرزي حاضر
اغتيال البلعوس لن يقسّم الدروز فهم أساساً منقسمون حيال مقاربة الأزمة السورية، ويؤكد ذلك زيدان قائلاً: «الانقسام موجود سلفاً كما ذكرنا، النظام له موالون ويدعمهم بالسلاح ويسهل لهم عمليات التهريب والخطف، لكن الشيخ البلعوس كان يتحاشى دائما اي صدام مع اللجان الشعبية او الجهات الاخرى المدعومة من النظام، هذا الانقسام موجود ولكن ثقافة ابعاد الفتنة وعدم الصدام بين الاخوة حاضرة وتعيها الجماعات المسلحة»، مذكراً بأن «السويداء مقسمة إلى قطاعات عدة في شكل غير رسمي، يسيطر على كل قطاع ويحميه فريق مختلف»، ويتابع: «أمن النظام حاول ولا يزال رزع الفتنة بين الدروز والبدو، وقد افتعل حوادث عدة بهدف الاقتتال الأهلي وتمكن الأهالي بتدخل من المشايخ من حل الأمور والتصالح، وتهدئة الأوضاع».