بقلم هاني الترك

By Hani Elturk OAM

صدر كتاب يحمل عنوان «ركائز الحياة» وهو باكورة اعمال الكاتبة الواعدة زكية سكاف النزق.. وركائز الحياة كما تراها في اسلوبها الراقي الحضاري بالتعبير بالقلم.. بالكلمات التي تغوص في لب الاعماق لتسرى في العقول والكلمة امضى من السيف.
والركيزة الهامة في هذا العالم المضطرب هي المحبة.. وهي لب الوجود والتي تصفها المؤلفة بأنها العلاقات الحميمة التي تجمع البشر.. واعظم انواع المحبة هي محبة الله ثم محبة الانسان.
وبلغت زكية الذروة في تعبيرها حينما قالت ان المحبة لؤلؤة في تاج القلوب المتحابة وشمس مشعة تزين الكون بوهجها الوضاء.
تنتقل المؤلفة الى ركيزة اخرى هامة جداً في الحياة هي العائلة وهي نواة المجتمع والوحدة الاجتماعية الاولى فيه التي تربط اعضاءها بالرباط المقدس وهي بمثابة الملاذ الآمن لكل واحد فيها.. وتعبّر زكية عن هذا الرباط وكما يبدو في كتابها الشعور بالامان مع عائلتها وانها مستمدة كتابها من واقعها الذي تعيشه بأسمى معانيه.. فهي ام ومؤسسة مَدْرسية وزوجة صالحة وفؤاد حنون يرتاح عليه القارئ.
تتحدث زكية في الفصل الذي يليه عن الزهو بالتواضع وتقول انه اعظم سمات يجب ان يتحلى بها البشر واحبها الى الله.. فهو افضل الاخلاق وارقاها واكرم الفضائل اذ يدنو الشخص من العظمة بقدر ما يدنو من التواضع .. وكن شامخاً في تواضعك ومتواضعاً في شموخك وتلك هي شيمة العظماء.. والسيد المسيح قال : «تعلموا مني فإنني وديع ومتواضع القلب».. وقيل «اللهم كلما زدتني علماً زدني تواضعاً».
وتتحدث المؤلفة زكية عن ركيزة اخرى في الحياة في مجتمعنا التقليدي وهي احترام الغير وتعتبرها اساسية للعلاقات الانسانية والاجتماعية باحترام الانسان والوطن والقانون وتقول في بيت شعر:
لأنك محترم تتغلغل بالقلب والروح تسكن.
ولا تنسى الكاتبة الموهوبة زكية الغزل في الطبيعة الخلابة من فتنة البحر وسحره الى السماء والنجوم والقمر.. وكأنها سبقت عصرها في العالم العربي في الحفاظ على البيئة.. فهي الكاتبة المرهفة الحس والمشاعر تتأمل وتتغزل في الطبيعة.
وتقول الكاتبة عن ذخر العطاء انه احساس نبيل ودافع شريف .. في الكتاب المقدس «مغبوط هو العطاء وليس بالخبز وحده يحيا الانسان ولكن بكل كلمة تخرج من فم الله».. وقال جبران خليل جبران: «جميل ان تعطي من يسألك ولكن الأجمل منه ان تعطي من لا يسألك».
وتتحدث زكية في الفصل الذي يليه عن الرجل كوالد ومربٍ وبلغت القمة حينما قالت:
ابي هرم من المجد والعلياء
نهر من الحب والعطاء
عملاق بالعزة وبالوفاء.
وتقول عن المرأة انها المخلوق الرقيق التي تجمع بين الجمال والمحبة وهي رمز الجمال والمحبة.. ولا بد ان الكاتبة زكية امرأة ناضجة تتمتع بالحكمة وتتألق بالثقافة الواسعة وهي الملاذ الامن الذي يلوذ اليه جميع افراد عائلتها بطمأنينة لتضمهم بحنان وتغدقهم بالعطف.
وتنتقل الى الفصل التالي الذي يظهر اعظم حب بشري في الحياة وهو حب الأم لأولادها وهي التي تسقي الحب لأولادها وتعتز بإبنها الذي يدرس الطب.. فهو نتاج تربية ناجحة لا بد انها اسهمت فها الكاتبة بدور رائد.
وتقول في فصل آخر عن خلود الصداقة بأنها شريان العلاقات الانسانية وتعتقد بأنها صرح غني للوجود البشري.. وسُئل ذات مرة الشاعر كامل الشناوي: «ايهما تحب اكثر اخاك ام صديقك؟ فقال : انما احب اخي اذا كان صديقي».
تنتقل بعد ذلك المؤلفة زكية الى فصل آخر نبراس العلم.. وقد ابدعت في اظهار اهمية العلم والمعرفة.. وهنا وضعت يدها على الجرح العربي اذ ان اشد ما نحتاجه في العالم العربي العلم والمعرفة لأننا لم ندخل عصر لتنوير بعد.
وتنتهي الكاتبة بفصل عن الحب وتقول هو المؤلف من حرفين: الحاء: الحياة، والباء : البهاء.. وتزينها بقصيدة من بين ابياتها: للصمت كلمات تغزو عالم الحروف.
فالكاتبة بحسها المرهف وفي محطات الدفء الشديد الذي تغدقه على القارئ تبدو وكأنها في حالة انخطاف روحي ينم عن تجربتها الغنية للحب ولزوجها الحبيب.
فالكتاب فلسفة حياتية اختارت فيها الكاتبة الركائز الاساسية للحياة وكأنها مدّرسة ادبية تحمل اشراقات المرأة الناضجةالناجحة وتتوجها في الكتاب بشعورها كشاعرة وكاتبة معاً في توليفه متداخلة بين سحر الكلمات ودفق الشعر.. فقد توغلت زكية في اعماق ذاتها معبرة عن خلجات صادقة تجولت في اللامدى في مجالات الحياة.. والكتاب اطلالة عذبة لكاتبة مثالية تفرض الاحترام.. تنساب فيه افكارها بفكر ثاقب وبرقة وعاطفة جياشة.. يبحر فيها القارى معها.. فهو يبدو نتاج فلسفة حياتية لكاتبة بارعة موهوبة وامرأة مثالية في عصر الانحطاط الحضاري.. انني لا اعرفها شخصياً ولم اتحدث معها.. ولكن كتابها يتكلم عن نفسها.. ونعرفها من الكتاب الذي هو قطوف في صرح ثقافي يعج بالقيم والمثل والمحبة والاخلاق.. جمعت فيه الكاتبة مختارات اساسية من ركائز الحياة.