مثلما شكّلت أزمة النفايات المفترق التفجيري للتحرّك الاحتجاجي العارم الذي توّجته تظاهرة 29 آب في ساحة الشهداء، عادت هذه الأزمة الى واجهة الاختبارات الصدامية بين الحكومة والهيئات المدنية في مسار يغلب عليه الغموض والارباك لجهة أفق المعالجات الرسمية مما يخشى معه ان تترتب على هذا الارباك موجات تصعيدية اضافية. ولم يختلف المشهد السياسي في إرباكه عن المشهد الاجتماعي، إذ أحاطت بالاطاحة المفاجئة للقمة الروحية المسيحية – الاسلامية في بكركي علامات مريبة من حيث عدم توافر عوامل التوافق المسبق على «خريطة الطريق» التي كان يجري العمل على التوافق عليها، بدءاً بموقف حازم من أزمة الفراغ الرئاسي، فيما برز التداخل بين هذه القمة ومبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري الحوارية كعامل أساسي أدى الى «بتر» قمة بكركي وتحويلها الى قمة مسيحية صرفة.
وفي أزمة النفايات، علم  من أوساط وزارية التقت رئيس الوزراء تمام سلام، أنه في ضوء تكليفه وزير الزراعة أكرم شهيّب ملف النفايات، من المنتظر أن يرفع الأخير تقريراً في غضون أيام قليلة الى الرئيس سلام عن آلية تنفيذ رفع النفايات وفي ضوئها يجري البحث في ما إذا كانت ثمة حاجة الى انعقاد مجلس الوزراء استثنائياً للمصادقة على هذه الآلية، وإلا تمضي الامور الى التنفيذ بحماية أمنية. وستسبق التقرير اتصالات سريعة يجريها الوزير شهيّب بحكم تجربته السابقة كوزير للبيئة وانتمائه السياسي الى الحزب التقدمي الاشتراكي وعلاقاته مع قوى 8 و14 آذار لإنتزاع موقف سياسي من الجميع بتسهيل رفع النفايات الى مطمرين أو ثلاثة. ولفتت الاوساط الى أن وزير البيئة محمد المشنوق بدا في «فمه ماء» ففضل التنحي على تحمل مسؤولية لا يريد أحد أن يساعده فيها، خصوصاً أن هناك عقبة وحيدة هي إيجاد مطامر، وتلك مسألة ليست تقنية بل سياسية إذ أن موضوع المطامر من الجنوب الى الشمال مرتبط بقوى سياسية. وأضافت ان الحكومة في ضوء هذه التغييرات تتصرف بوحي من مسؤولياتها ولن تخضع للشارع.
وقد فاجأ الوزير المشنوق الاوساط السياسية باعلانه انسحابه من اللجنة الوزارية المكلفة ملف النفايات، داعياً الرئيس سلام الى تكليف وزير آخر هذا الملف. وقرر سلام على الاثر تكليف وزير الزراعة ترؤس لجنة من الخبراء وأصحاب الاختصاص تكون مهمتها النظر في الملف واقتراح مخارج وحلول فورية للازمة على ان تبدأ اجتماعات مفتوحة. وشكل هذا التطور عملياً الغاء لمهمة اللجنة الوزارية ونقلا لادارة الملف الى الجانب الجنبلاطي. لكن الوزير شهيب اعتذر عن الاجابة عن أي استفسار وقال: «بعدما كلفني الرئيس سلام تشكيل اللجنة اتفقنا على ان يكون العمل خارج اطار الاعلام والضجيج كي نتمكن من تحقيق النجاح المرجو أقله لبضعة ايام». وأفاد انه سيبدأ العمل من اليوم « تاركين لاهل العلم والخبراء ترجمة الافكار والحلول العملية المتوافرة للنفايات للخروج بحل بعيدا من المماطلة والطائفية والمحاصصة».
في غضون ذلك اعتبرت حملة «طلعت ريحتكم» ان موقف وزير البيئة بالانسحاب من اللجنة الوزارية هو «تمييع للمطالب» التي طرحتها الحملة واولها استقالة الوزير المشنوق، مشددة على ان الوزير «لا يستطيع ان يتنصل من مهماته». ومن المقرر ان تحدد الحملة بعد ظهر اليوم ومع نهاية مهلة الـ 72 ساعة التي حددتها خلال تظاهرة السبت الماضي خطواتها التصعيدية اللاحقة.
واسترعى الانتباه في هذا السياق ما اعلنه وزير الداخلية نهاد المشنوق ليلا في حديث الى محطة «العربية» من ان هناك «جهات خارجية تساعد وتمول وتحرض» على التخريب «وهناك دولة عربية تثبت التحقيقات انها تقوم بدور فعال وسلبي في تحريض المشاغبين والتحريض على النظام». وميز بين نوعين من المتظاهرين اذ ان هناك الذين نزلوا ليعبروا عن حاجات الناس الى الخدمات الطبيعية وهناك فئة الذين نزلوا للتخريب والشغب وهؤلاء لا يتجاوزون العشرات.
الحوار
وفي الشأن السياسي، علم  أن الاتصالات أظهرت أن رئيس مجلس النواب يتجه الى دعوة المشاركين في طاولة الحوار الجديدة في 10 أيلول الجاري، علماً أن ثمة رغبة لدى الرئيس بري في تقديم الموعد وهو أمر مرهون بالتحضيرات الجارية وما إذا كانت ستنتهي في وقت قريب. وعليه فإن الرئيس سلام الذي يشارك في أعمال الحوار لن يدعو الى جلسة عادية لمجلس الوزراء هذا الاسبوع أو الاسبوع المقبل في إنتظار ظهور معطيات الحوار لينطلق العمل الحكومي على أرضية جديدة. وتوقعت أوساط مواكبة أن يبادر العماد ميشال عون الى تأجيل تحركه في الشارع الجمعة المقبل بإعتبار أنه ليست هناك حكومة ملتئمة ليطالبها بشيء في وقت سيكون هو أحد الاطراف الى طاولة الحوار. اما بالنسبة الى حزب «القوات اللبنانية» فعلم انه لا يزال يدرس الموقف الذي سيتخذه من مبادرة بري قياسا بأولوية انتخاب رئيس الجمهورية.
وصرّح وزير العمل سجعان قزي: «ما يهمنا أن تخلق مبادرة الرئيس بري أجواء نيابية تؤدي الى إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وأن تكون للحوار روزنامة زمنية فلا ننتقل من أسبوع الى أسبوع على غرار طاولة الحوار الوطني السابقة بل المطلوب حوار طوارئ ينتهي بسرعة».
قمة بكركي
في غضون ذلك لم تصدر تبريرات علنية واضحة لعدم انعقاد القمة الروحية في بكركي التي تحولت الى قمة مسيحية. ولكن علم ان نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان اعتذر عن المشاركة في القمة «لأسباب صحية»، كما تبلغت بكركي منذ ليل الاحد تعذر مشاركة القادة الروحيين المسلمين. وعزي الامر الى سببين: الاول يتعلق بعدم استكمال التنسيق والتشاور في شأن نتائج القمة، والثاني يتعلق بمبادرة بري والافساح لفرصة الحوار التي تقترحها. وانتهت القمة المسيحية الى رفع الصوت في شأن الازمة الرئاسية مطالبة باعتماد «خريطة طريق تبدأ بانتخاب فوري لرئيس الجمهورية»، مطالبة جميع اعضاء مجلس النواب بالحضور لانتخابه وشددت على وجوب استمرار الحكومة الحالية «فلا تسقط ولا تستقيل طالما هناك فراغ في سدة الرئاسة الاولى». واذ شددت على حرية التعبير الشعبي نبهت الى «خطورة اللجوء الى الشارع بخاصة عندما تكون النفوس مشحونة والنيران تحيط بلبنان»، مؤيدة في الوقت نفسه المطالب المحقة للشعب.