Pierre-Semaan كنا في السابق نسمع او نقرأ اخبار المجرمين الذين يقومون بارتكاب جرائمهم في الساحات والاماكن العامة وعلى مرأى من الناس.. اما اليوم، فاصبح القتلة يقومون بتصوير عمليات القتل وبثها على اليوتيوب والشبكات الاجتماعية. واهم مثليين يمكن ذكرهما: الافلام الوثائقية لعمليات القتل التي تنفذها قوات «داعش»، حتى اصبح لديهم استديوهات ومصورين محترفين وتقنيين للإضاءة والموسيقى والاخراج الفني.. ويختارون  متى ينشرون افلام القتل في اليوتيوب، مع رسائل يريدون ايصالها للرأي العام ولرجالات السياسة والانظمة.
اما المثل الثاني، فهو ما نفذه قاتل عندما اطلق رصاصات قاتلة على اثنين من الاعلاميين في ولاية فيرجينيا. وقام بتصوير مشهد القتل مباشرة، ثم أدار المسدس الى رأسه وانتحر..
لذا يتساءل المرء حول الدوافع الحقيقية الخفية وراء الجرائم التي ترتكب في الملء، والاسباب الحقيقية لهذه الظاهرة التي اصبحت مدعاة مفاخرة في بعض الاحيان، لبعض الناس…
جرى عرض القليل من الاسباب التي دفعت  فيستر  لي فلاناغون الذي اطلق الرصاص على صحافيين وقتلهما وهو يسجل هذه  العملية مباشرة على هاتفه الجوال.
قد تتطابق مواصفات هذه الجريمة، حسب بعض الخبراء مع ما يدعونه «بالغضب القاتل». اذ علم ان الجاني كان يعمل في محطة تلفزيون فيرجينا الى جانب الضحيتين. وتشير التقارير انه  كان موظفاً ساخطاً ضد المحطة التي لم تعالج ممارسات الظلم وسوء المعاملة التي لقيها من قبل زملائه السابقين، وفيها الكثير من التمييز العنصري والبلطجة والإساءة والتحرّش الجنسي والمضايقة بسبب هويته الجنسية.
هذه الاسباب ينظر اليها كتفسير مبدئي وكردة فعل متوقعة من قبل شخص عاش سنوات من المضايقة.. مشاعر الاحباط لديه دفعته للاعتقاد ان عليه مهمة شبه عسكرية لاستعادة كرامته عن طريق التصفية الجسدية لأناس عملوا معه في نفس المؤسسة، ويرمزون بشكل غير مباشر الى الجهاز الاداري والمناخ العام السائد في اجوائها. لكن المهمة العسكرية تقضي بتفجير موقع او قتل عناصر عدوة او زرع ألغام، بطريقة سرية  والفرار قبل ساعة الصفر. وهذا لا ينطبق على هذه الحالة. اذ اختار القاتل الضحية والزمان والوسيلة لإيصال رسالة الى العالم.
يوجد بالواقع دوافع عديدة للجرائم العلنية.
غالبا ما يكون المال واحداً منها والنزاعات الشخصية والحب او نقيضه. لكل من يقوم بالثأر والانتقام. وقد تكون هذه الممارسات ضد افراد او مجموعات معينة تختلف معها في العرق او الجنس او العقيدة.. كما قد تكون الاعمال الاجرامية موجهة رمزياً ضد العالم بأسره، ولو رمزياً.
على هذا الأساس ، لن يكون القاتل في هذه الحادثة آخر «برميل بارود متفجّر يتنقل في شوارع المدن بحثاً عن ضحية…»
يميل عامة الناس والمؤسسات والمحاكم الى رد هذه التصرفات العدائية الى الخلل العقلي والامراض النفسية. وغالباً ما يدعي هؤلاء ان الجاني مصاب بانفصام الشخصية Schizophrenia وانه انسان معتوه، رغم صحة هذا التوصيف في بعض الحالات. لكن الثابت ان الامراض العقلية بدأت تتحول الى حجة بسيطة لتبرير التصرفات الاجرامية التي ترتكب علانية.
لكن غالباً ما يتجاهل الرأي العام الدوافع الحقيقية وراء اغتيال زميل في العمل، دون اسباب مبررة وظاهرة.
فالتدقيق بشكل اعمق في شخصية الجاني يظهر ابعاداً اخرى اجتماعية لا تقل اهمية. فهو، اي الجاني، يفتقد في اغلب الاحيان العلاقات العائلية والاجتماعية، ويغيب الدعم المعنوي والعاطفي من حياته ويعيش في عزلة اجتماعية شبه مطلقة، حتى ولو كان على تواصل ظاهري مع الآخرين.
وفي حالات عديدة يتبين ان احداثاً هامة وقعت في حياة الجاني كفقدان وظيفة يعتاش منها وتؤهله لبناء شخصية وصورة اجتماعية له، اوانهيار في علاقة عاطفية او عائلية.. هذه الامور تؤسس لخلفية صالحة نحو التطرف والاجرام، خصوصاً اذا واجه الجاني مجموعة من الاحباطات في حياته، وعانى من سلسلة من الاحداث السلبية.
وفي حالة مقتل الصحفيين، تبين ان القاتل عانى كثيراً من التمييز العنصري والتوتر في العلاقات الاجتماعية. وتبين من رسالة تركها انه كان لحادثة مقتل 7 افارقة اميركيين داخل كنيسة في منطقة شارلستون  اثراً مباشراً توج احباطاته السابقة.
ويبدو ان مشاعر الاحباط والقلق والنقص تدفع الفرد للبحث عن اعمال تعويضية تزيد من شهرته وتحوله بنظره ونظر البعض، الى بطل ومثال يحتذى به.
فقيام الجاني (وهو اميركي افريقي) باغتيال زملائه (البيض) وتصوير الجريمة هو تعبير صارخ للاحباط العرقي الذي  يعاني منه القاتل وانتقام رمزي من السكان البيض في الولايات المتحدة والعالم الذين استعبدوا واساؤوا الى الزنوج الافارقة عبر التاريخ.
فالجريمة وتصويرها تم نقلها في وسائل الاعلام وصفحات التواصل الاجتماعي هي تعبير صارخ عن مدى الحقد لدى القاتل ورغبته في اكتساب الانتباه و طلب الاجلال والاحترام ، ولو بطريقة سلبية.
ولا شك ان ما قام به القاتل قد اقتداه من احداث وامثلة عديدة، جرت ولا تزال تجري على الساحة الدولية. وقد نضع الملامة الى حد ما على وسائل الاعلام المختلفة التي تروج وتدعم وتجل ثقافة العنف بمختلف الاشكال. وتأتي شبكات التواصل الاجتماعي من اسهل الطرق والوسائل لتعميم هذه المشاعر. وتروج لظاهرة العنف.
ولا يمكنن ان ننكر انعكاسات وتأثير وسائل الاعلام ومنها الالكترونية على الترويج لفلسفة العنف. ولا يستبعد ان نرى جيلاً يلتزم كلياً بهذه الفلسفة العدائية لتصبح جزءاً من شخصيته.
وما يقال عن قاتل فيرجينيا كفرد ، يمكن تطبيقه على العديد من المقاتلين في صفوف قوات «دولة الاسلام»، خاصة من يطلق عليهم تسمية «المقاتلين الاجانب» القادمين من الغرب فهم يتشاركون في العديد من تجاربهم مع قاتل فيرجينيا، وعاشوا سلسلة من الاحباطات. مع فارق جوهري، ان هؤلاء  وجدوا مع «داعش» وعقيدة وطروحات دولة الاسلام مبرراً عقائدياً وتشريعا يضعهم في موقع القداسة والبطولة ومغفرة الذنوب، بالاضافة الى وعد هؤلاء بالجنة وما يرافقها من ملذات. واصبحت الشهادة لديهم مطلباً وغاية.
قوات «داعش» تخططت الدوافع الشخصية لدى قاتل فيرجينيا، عندما طرحت برنامجاً يضم رؤيتها لمستقبل الديانات واقامة دولة الخلافة في العالم. اختصر لأقول ان لتنظيم دولة الاسلام الآن العقيدة المثالية والموقع الجغرافي والوسائل الضرورية لتحقيق هذا التصور المستقبلي والوعد الالهي والعهد بالجنة.. فاصبح القتل والابادة وتصفية الخصوم مجرد وسيلة مبررة، لا عيب فيها، طالما تؤدي الى توسيع رقعة دولة الخلافة وتقدم السعادة الابدية والمطلقة في جنة ما…فالغاية تبرر الوسيلة…
من هنا يأخذ الترويج الاعلامي ابعاداً جديدة تطغو عليه نوايا الترهيب والتخويف وتجييش مشاعر بعض المسلمين في العالم.
التحديات المستقبلية للمجتمع الدولي لا بد انها كبيرة وخطيرة. فهل يتعامل العالم مع هؤلاء كمجموعات متطرفة وشاذة تعاني من الامراض العقلية؟ ام ان السياسة والجريمة تتشابكان معاً لتحقيق اهداف مبطنة لا نزال نجهلها او يصعب رؤيتها بوضوح الآن..؟
الثابت ان العنف يولد عنفاً آخر، وان لكل جريمة عقاب، ولو جاء  متأخراً..
فهل تنتظر  الدول الكبرى ان يشمئز العالم من ممارسات «داعش»  قبل ان تعلو الصرخة:
يجب معاقبة القتلة، لأن جميع الاسباب المبررة قد سقطت…!