المدينة البهية التي تنهض على سواعد المدافعين عنها
من البيشمه ركة الابطال بكل قوة وثبات
بقلم: عبدالوهاب طالباني
«هه ولير» او اربيل، عاصمة اقليم كوردستان، كانت قبل حوالي 15 عاما مدينة شبه ريفية قديمة، لكن صورتها الان تغيرت تماما، فاصبحت مدينة العمارات الشامخة، والفنادق الجميلة، ومراكز التسوق الحديثة، والطرقات العصرية، والمطاعم الفاخرة، والمراكز الطبية التي تقدم ارقى الخدمات للمرضى،ومحلات تبيع العطور والورود، ومطار دولي حديث يوصلها بالعالم الخارجي.
وانا اهبط من الطائرة كنت اقول لنفسي الصدق دائما في الذي تراه بعينك وتلمسه باحساسك مباشرة، وكنت قد سمعت الكثير عن كوردستان واحوال اهلها قبل سفرتي الاخيرة، فتبين لي بأن معظم ما سمعته كان نفخا في الهواء ومبنيا على قناعات غير صحيحة، او قناعات مسبقة لا ظل لها اساسا في واقع الحال.
قبل كلّ شيء رأيت بأن اربيل قوية، صامدة وبهية، انها تنهض على سواعد المدافعين عنها من البيشمه ركة الابطال بكل قوة وثبات، على الرغم من ان قذارات داعش ليست بعيدة عنها كثيرا، وعلى الرغم من وجود اعداد هائلة من النازحين من غير الكورد من انحاء العراق الذين توجهوا الى كوردستان نتيجة للاوضاع الماساوية في باقي انحاء العراق، والئين يشكلون في واقع الحال مشكلة حقيقية للتكوين الديمغرافي للمنطقة اذا لم يتم التعامل مع قضيتهم بنوع من الحرص القومي على التركيبة القومية الاصلية لكوردستان، مع كل الاحترام لكل انسان نازح ولحقه في الحياة في اماكن امنة، لكن مسألة تغيير الواقع القومي في كوردستان غير قابلة للمساومة او التساهل فيها مطلقا حسبما سمعت من كل من التقيت به من اهالي المنطقة ومسؤوليها، علما ان لوجود هؤلاء النازحين وجه ايجابي ايضا في الوقت الحاضر، وهو انهم يساهمون في تحريك السوق الاقتصادية في كوردستان خصوصا في الاوضاع الراهنة،فقد قال لي سائق تاكسي: لولا وجود هؤلاء النازحين لقل عملنا كثيرا.
وان وجود بعض هؤلاء النازحين بات ضروريا اساسا مثل الاطباء والمهندسين واهل الكفاءات وبعض رجال الاعمال منهم ، وعلى الرغم ايضا من الازمة السياسية المصطنعة التي يحاول البعض استعمالها نتيجة لضغائن سياسية قديمة وسيلة لتدمير سقف البيت على روؤس اهل كوردستان.
اذن حسب ما رأيت وسمعت هناك، فأن اربيل بخير بصورة عامة، انها بخير لاني رأيت بام عيني أن العمل في بعض المشاريع التنموية وفي القطاع الخاص والعام ما زال مستمرا ليل نهار، كمد الطرقات وبعض المشاريع السكنية، ولكن هذا لا ينفي توقف تنفيذ اكثرية المشاريع نتيجة للازمة المالية وقطع حكومة العراق ميزانية المنطقة بالتزامن مع هجوم داعش على كوردستان.
نعم هناك معاناة واضحة وكبيرة عند الاكثرية المعتمدة على المعاشات من الموظفين ومتلقيها الاخرين من الشرائح الاجتماعية المحتاجة المختلفة،ويمكن ان تسمع الشكاوى بصورة علنية من الناس الذين يعانون من هذه المشكلة، ولكن المنصفين يعرفون سبب تاخر الرواتب، والحرب الاقتصادية التي اعلنتها حكومة بغداد ضد كوردستان بالتزامن مع حرب داعش.
ولكني رأيت اقبالا واسعا على الاسواق الشعبية، على الرغم من تاخر دفع المعاشات في القطاع الحكومي، ولكن يبدو ان الشركات الخاصة لا تتأخر في دفع رواتب موظفيها، وان هناك اعدادا من اهالي اربيل والمدن الاخرى لهم مصالح تجارية او خدمية اخرى تساعدهم في ترتيب اوضاعهم المالية .
الامر الذي يؤسف له في اربيل هو نظام المرور، فهو سيء، والدليل هو الارقام الفلكية في وقوع ضحايا الطرقات، نعم هناك مصابيح الإشارات الضوئية الذي ينظم السير، وقد رأيت احتراما كبيرا له، كما شاهدت دوريات للمرور تسجل بالكاميرات سرعة السيارات، ولكن كيف تسير كل تلك السيارات في الشوارع دون خطوط ودون نظام فعلمه عند الله وحده.
ولا بد لي ان امرّ على موضوعة الكهرباء التي يكثر الحديث حولها، فمصادر الطاقة الكهربائية في كوردستان هي من الكهرباء الوطنية ومن المحولات الاهلية، فعندما تنقطع الكهرباء الوطنية تباشر المحولات الاهلية بالعمل ولكن ليست بالطاقة التي تمنحها الكهرباء الوطنية فمثلا، لا يمكن تشغيل مثلا المكيّفات بطاقة المحولات الاهلية، فقط يمكنك تشغيل الاضاءات و المبردات المائية.
ومع الاسف انه على الرغم من أن الكهرباء الوطنية في كوردستان هي احسن بكثير مما هي عليها في انحاء العراق الاخرى، وأن ساعات تشغيلها هي اكثر بكثير، ولكنها ما زالت تعاني من بعض العثرات، ربما بعض اسباب تلك العثرات ترجع الى المستهلكين انفسهم، فقد لمست بعيني أن ثمة محلات تشعل عشرات المصابيح الكهربائية في محيطها وهي مغلقة في الليل، كما أن العادة في التعامل مع الكهرباء ما زالت بعيدة عن الوعي في كيفية الاستفادة منها.
ويجب ان يقال ان المستشفيات ومراكز التسوق والفنادق والعمارات السكنية الحديثة وبعض الادارات لها نظامها الخاص في التعامل مع الكهرباء ولا تنقطع عنها الطاقة.
لا يمكن ان ازعم بان الكهراء بخير هنا، ولكن ليس بالسوء الذي كنت اسمع عنها، وهي بحاجة الى الاهتمام أكثر، ومعالجة نواقصها تماما.
ومن المظاهر الحضارية التي فرحت لها هي وجود المراة الحيوي في كل مفاصل ادارات كوردستان، ففي احدى ادارات البيشمه ركة لم ار عدد جدا قليل من الرجال والعاملين الاخرين كلهم كانوا من النساء اللواتي يعملن في العمل الورقي والارشيفي والكومبيوتر..
كنت قد ذهبت الى مصيف صلاح الدين لانجاز عمل خاص لي، وكنت قلقا من السفر مع سائق يفرض ذوقه الخاص علي طول الطريق، ركبت مع سائق شاب قلت له : عزيزي هل يمكن ان تحترم ذوقي فانا احب هدوءا تاما في سيارتك، ولا احبّ التدخين ولا ……
فضحك وقال تفضل والله لن ازعجك، وعندما صعدنا اخرج سيديا للمطرب «حسن زيره ك» ليصدح باجمل الاغاني الفولكلورية الكوردية وبموسيقاها الاصيلة..
ونظر لي وهو يبتسم وقال ما رأيك الان؟ قلت شكرا عزيزي اعتقد انك فهمتني جيدا…!
وعلى قمة جبل «كوره ك» الذي صعدنا اليها عبر الوديان بواسطة التلفريك، واستغرقت المسافة الى الاعلى حوالي الربع ساعة كان لنا موعد مع ريح باردة منعشة وسلام لبوابة «هندرين « و»زوزك» وجبل «هه لكورد « البعيد فيما اصبحت شلالات «بيخال» تحتنا.