طلال مرتضى
حين تضيعك الجهات, يمم وجهك نحو بوابة الله, أبحث عن مسرى الأمين, عن مكان نزول ابن السلام, عبئ صدرك هواء افتخار, غني للريح ملء شدقيك لحناً عصيا: (جنوبي الهوى قلبي, وما أحلاه أن يغدو هوى قلبي جنوبيا/ أننا نمشي على أرض مقدسة/ فلو أستطيع أعبرها على رمشي).
الحكاية ليست كمين مفتعل كتبه عصام العبدالله الشاعر, ذات كأس مترعة بالحواري الحسان: (كان في برد/ والليل عم يعطي/ وكانوا بـــ المغارة/ عم ينطروا/ من ليلتين بينطروا/ كان في برد/ ممنوع إنو يشعلوا نارن/ بيشوفون/ ممنوع إنو بيدخنوا/ بيشمون/ ممنوع إنن يسمعوا بعضن/ حكين قليل كثير/ وبيتوشوشوا توشوش/ عباس يا عباس شو بردان/ بيروح صوب الحاج/ ــ قرآن./ قرالنا يا حاج بالقرآن/ والحاج قلوا كيف؟./ ـــ أقرا بقلبك جاوبو عباس/ ونحن معك من كل بد منسمعك).
والفكرة ليست وليدة ساعتها, لكنه الشعر النقي يعيد بناء ما هدمته السياسة.
في إصدارها الثالث منشورات «حواس» وتوزيع دار المؤلف بيروت/2015/ يقدمان «إلياذة تمّوز».
مرة أخرى هو الشعر النبي ورسله, لا تمنعهم الحدود الزائفة, يعبرون دون جوازات سفر ممهورة بأختام بائسة لا حبر ينشي هوسها, هو الشعر يسمو فوق كل معتقد لا ينحاز للإنسانية, في نص (مفتوح) نثير مترامي الضفاف, ملحمي الصوت, ثيماته, مفاتيحه/ تأويلاته/ تشي بأن الدم لا يصير ماء, والتراب أغلى من الروح, أقام قيامته «29» شاعر وشاعرة عرب تقاسموا زاد القصيدة وهم: ناريمان الجبوري الجزائر, منى عبد الكريم سورية, محمود حسن مصر, سجى محمد فلسطين, سمر خلف, سوزان عون, تغريد فياض, نجلاء ابو جهجه, إلهام غرابي, محمد الموسوي, رنا حيدر, غادة محي الدين, حسن ديب, عبير حمدان, أحمد منصور, علا فحص, زينب فياض, إقبال قدوح, جيهان جزيني, إيمان زين الدين, رولا الصعبي, أمل عيسى, دارين حوماني, عبير ابو جهجه, محمد غرابي, فايزة زين الدين, آلاء دندش, حسين درويش لبنان, وقدمه الشاعر الأعلامي عبد الحليم حمود: كان العرس مجدولاً بضفائر القندول/ مغمّساً بشقائق النعمان/ موشّى بالسفرجل/ مولوداً من خوابي المستحيل/ فالجنوب في تمّوز/ قام/ حقاً قام.
لتتولى الأصوات هادرة: لأجلك أنت نتلو تميمة الشريان/ وفي غيابك نعيد ترتيب الأسماء/ فمرة أنت ياسمين السماء/ ومرة أنت حبق الوالدات/ نعيد تسمية الأشياء حيناً أنت الكتف المقدس/ أحياناً بخور الدمعات في الحقول.
على الرغم من اختلاف مشارب الشعراء, جاء النص متكاملاً كأن صوته واحد, حيث لم يحمل اسم أي شاعر, بل كان جمعي التواتر, همه تجسيد معجرة تموز, حين لبى فتية أشداء نداء التراب, الذي لم يكونوا ألا جزء منه, زيتونة عتيقة, أصلها ثابت في الأرض وفرعها يمتشق السماء, وروح الله فيها, صخرة صماء تنفجر عين ماء زلال حين عطش, ريح صرصر قادرة على ليّ عنق (ميركافة) متجبرة: هنا دبابة لوينا عنقها/ وهنالك مدفع يبتسم فخوراً/ تموّز لست شهراً عابراً.
ويستذكر شاعر هول ما أقترفه تتر الحقد: في تمّوز/ بكاء طفل في بيت لحم/ يسوع!/ وانسكاب لدموع/ وبخور وشموع/ ولكن النصر قادم/ قالت مريم: كنّا في سكون والوقت فجراً/ أعانق طفلي خوفاً/ وعلا صوت انفجار/ بل حقد مميت ودمار/ صوت رهيب/ وصرخات، أماه عودي /ثم بكاء ونحيب/ وانهمر غضب الآلات أصوات لا ترحم/ لا يثنيها ورع/ زرعتْ دخاناً في كلّ الجهات.
كان النص النثيري خطابياً مباشراً, جاء فطرياً مما زاد في ترابطه, وهو الأقرب إلى التقريري خفتت شعريته حيناً وسمت في حين آخر دون تصنع, حمل الكثير من الإسقاطات الجميلة :ذات تموز حملت زادها ليلى نحو غابات التين والزيتون/ الذئب يتقفى سلتها/ يريد قتل جدتها/ ارتعبت ليلى/ ركضت بين الحقول تصرخ النجدة/ والجمع في سبات/ والذئب يلعب لعبته.