بقلم مارسيل منصور
قلت لنفسي، «أرجوأن يغفر لي الله كره هذا الرجل. فإذا كنت قد كرهت، فلا بد وأن أكره الحرب.» تلك هي كلمات السيدة كوكو كوندو، أحد الناجين من القنبلة الذرية التي حطمت هيروشيما، والتي وقعت قبل 70 عاما من اليوم، وهي تصف اللحظة التي شهدت فيها مساعد الطيار الانتحاري إينولا جاي، الذي ضرب هيروشيما، والذي كان يذرف الدموع من شدة تأنيب ضميره لشعوره بالذنب المدقع نتيجة أفعاله.
عندما انفجرت قنبلة هيروشيما، كانت السيدة كوندو تبلغ ثمانية أشهر فقط من العمر. ومنذ ذلك الحين كرست حياتها لتحكي قصة الهيباكوشا – الشعب المتضرر من الانفجار – ففي هذا العام، كما في كل عام، قالت كوكو كوندو انها سوف تجوب شوارع بلدتها لإجراء محادثات مع الطلاب حول ماأصابها من أهوال طمس المنزل والطفولة. وسوف تشارك معهم الذل التي شعرت به عندما كانت مراهقه، وبالذات عندما وقفت عارية على خشبة المسرح في حين كان الرجال ذووالمعاطف البيضاء – الأطباء والعلماء ? يفحصون جسدها من أثر علامات التسمم الإشعاعي. وقالت كوكو كوندو أنها ما زالت تتذكر الحادث المؤلم، عندما تخلى عنها خطيبها الأميركي أياما قبل زفافهما، خوفا من أن التعرض للإشعاع قد يكون قد سبب لها عدم القدرة على الإنجاب.
تعتبرالسيدة كوندو من دعاة السلام التي تأمل أن تساعد قصتها الشباب والشابات لفهم الدمار المروع الذي يشعر به ضحايا الحرب النووية. فمن خلال جولاتها ورواية قصصها، نراها تعمل جاهدة على أن تكشف الطريق للعالم في تجنب حرب رهيبة وغير مسبوقة. ويجدرالذكر أن قصة السيدة كوندوهذه قد ملأت طبعة كاملة من مجلة نيويوركر في أغسطس 1946 حين نشرتها لمدة سنة كاملة منذ حدوث كارثة القصف على هيروشيما، وذلك من أجل أن توضح للجميع مدى فداحة القوة التدميرية التي لا تصدق من هذا السلاح ، وأنه لا بد للأمم والشعوب أن تمعن النظر جيدا في مدى الآثار الرهيبة على استخدامه.
في اليوم السادس من أغسطس 1945 أي قبل 70 عاما، هكذا تعرضت السيدة كوندو وآلاف مثلها من النساء والأطفال والشيوخ لأسوأ أنواع الحروب العشوائية، التي لا ترضي الضميرالعام والتي لا ينبغي حدوثها في الأصل أبدا.
لقد مضى على إلقاء القنبلة الذرية في هيروشيما وناغازاكي سبعين عاما، ثلاثة أيام فقط استخدمت فيها الأسلحة النووية للحرب، لا تزال تعيش في مخيلتنا كبشر، وكأنها لم تنته، وذلك لأن الحروب نفسها لم تتوقف بعد، خصوصا إذا عرفنا أنه في هذا العصر، واحد من كل 122 شخص يعيشون في المنفى، قد أجبروا على ترك ديارهم بسبب النزاعات الماضية، وأنه قد ارتفع عدد الاشخاص الذين قتلوا في الصراعات من 49،000 في عام 2010 إلى 180،000 في عام 2014. وتشير التقديرات إلى أن تكاليف العنف قد ارتفعت على مدى السنوات الأربع إلى 13.4في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العالم.
لكن صراعات اليوم تختلف عن الحرب العالمية الثانية، فمنها إن لم يكن معظمها يجري في الداخل – أي ليس بين الدول ? مثل الحروب الأهلية وحركات التمرد وصراعات العصابات والتعصب والعنف والإرهاب، والتي تجري في كثير من الأحيان على المستوى الشعبي في المجتمعات المدنية، ومنها ما يجري في الخارج على المستوى العالمي من أجل الإحتلال والاستعمار والهيمنة.
كل هذه الأسباب وغيرها تجعلنا كبشر وأمم وشعوب، نعتقد بشدة ونؤمن إيمانا راسخا بأنه لا بد من تعبئة الإجراءات ودعم القدرات المحلية من أجل السلام العالمي. وأن نتذكر الشعوب المغلوبة على أمرها والتي تعاني تحت نيرالاحتلال والاستيطان والإبادة الجماعية مثل شعب فلسطين السليب، والعراق وسورية والقائمة طويلة، ولا بد إذن من أن نعمل جاهدين على منع الحروب على المدى الطويل، واستبدالها بوضع الحلول اللائقة والمفاوضات المباشرة من أجل التغيير الجذري في الرأي العام وفي الأساليب الواهنة التي يسنعملها بعض القواد وساسة العالم، ساعين إلى تحقيق السلام العادل في ظل الإنسانية الحقة. هذا ما يمكن أن نهدف للقيام به.
وفي الوقت نفسه يجدر بنا جميعا كبشر أن نتذكر فظاعة حرب هيروشيما النووية، وأن نذكر شهداءها و نحيي ذكريات الناجين منها والذين يعيشون على تجديد قصصهم وأن نقف احتراما لهم، عسانا نتذكر ماذا تعني لنا مفاهيم الإنسانية الجريحة التي مازالت تعاني في سكينة وتنزف في صمت.