بقلم بيار سمعان

يتشارك معظم المغتربين الاسباب التي تدفعهم لحمل حقيبتهم والسفر الى الخارج. واحياناً يغادرون اوطانهم دون حقيبة او تصميم على السفر، اذ يدفعون الى النزوح والهجرة..

فالاضطهاد والاضطرابات والثورات والحروب والشعور بالقلق حول المصير، والحاجة والبحث عن فرص عمل خارج الحدود على امل تحسين الوضع المعيشي وضمان مستقبل العائلة في اجواء مستقرة ومناخ اجتماعي ضامن يوفر حداً ادنى من العدالة الاجتماعية.

كل هذه الامور مجتمعة او منفردة، اختصرها  بكلمة الحاجة هي وراء هجرة الناس.

– الحاجة الى مستقبل افضل

– الحاجة الى الامن والاستقرار

– الحاجة الى آفاق ايجابية تضمن مستقبل العائلة

– الحاجة الى الشعور انك مواطن محترم في بيئتك ومقبول منها،  والحاجة الى ان تحقق آمالك وطموحاتك وذاتيك كانسان حر ومتطورفي مناخ اجتماعي ديمقراطي.

احدى المشاكل التي يحملها المهاجرون معهم هي الانتماء الطبقي والسعي الى الترقي الاجتماعي وتحسين المكانة الاجتماعية.

معظم المهاجرين هم من الطبقة الوسطى او الدنيا في الوطن الأم الذي رحلوا منه.

ونادراً ما نرى اناس من الطبقات الاجتماعية العليا يهاجرون بشكل نهائي، وقليلون هم الناس الذين حققوا نجاحات علمية واختصاصات عالية يغادرون الا بسبب الاضطهاد او للحصول على فرص عمل افضل مما يوفره النظام في بلادهم.

مشاعر العوز والحاجة والرغبة في الترقي الاجتماعي تدفع المهاجرين الى العمل المضني وتحقيق الثروات، تعويضا عن الحرمان: الحرمان من الاهل والوطن الأم، والحرمان من مميزات اجتماعية لم يتمكنوا من الحصول عليها في البلاد، والشعور بالقلق في المجتمع الجديد والغربة في بيئة مختلفة باللغة والعادات والتاريخ والثقافة والبيئة الاجتماعية.

لكن تبقى الرغبة بتحسين الوضع الاجتماعي هو الدافع المحرك لكل انهماكات ونشاطات ومغامرات المغتربين الاقتصادية. فالترقي الاجتماعي يحدث بعدة طرق واهمها:

1 – الاثراء

ب – التحصيل العلمي

ج – الانخراط في مجموعات وتنظيمات توفر ضمانات نفسية واجتماعية.

أ – الاثراء:

في حين يفقد المهاجر موقعه الاجتماعي بعد انتقاله الى المجتمع الجديد، يعتبر البعض هذا الواقع عاملاً ايجابياً لهم للانطلاق في رسم موقع اجتماعي جديد في البيئة الجديدة.. فالمفهوم والموقع الاجتماعي القديم هو صالح فقط ضمن البيئة  والجماعة التي تنتمي الى وطن واحد. وهذه المواصفات لا تزال قائمة لدى الجالية اللبنانية والسورية وغيرها من الجاليات الشرق اوسطية.

غير ان المهاجر يستفيد من المحيط الاجتماعي الجديد ليعمل على اكتساب مركز ارفع مما كان عليه ويسعى الى الترقي الاجتماعي وتحسين وضعه الطبقي عن طريق الثروة في ظل بيئة تنظر الى ما ينتجه ويحققه الانسان دون الاخذ بعين الاعتبار الموقع العائلي – الاجتماعي السابق.

لذا يُقبل المهاجرون الى الانكباب على العمل، وغالباً ما يقومون بذلك كعائلة متكاثفة واول ما يسعون الى تحقيقه هو شراء المنزل العائلي، ثم الانطلاق في استثمارات اخرى ترفع من معدلات ثروتهم. وكثيراً ما يغامر البعض في استثماراتهم ومشاريعهم الاقتصادية بغية جني الاموال وضمان موقع متقدم بين المجموعات الاثنية التي ينتمون اليها، والحصول على المكانة والاحترام والتقدير واعجاب الآخرين بالقدرات الشخصية.

لكن الطموح الشخصي والسعي الى احداث ترقي اجتماعي عن طريق الاثراء قد يهمل احياناً الطرق المشروعة والاساليب القانونية. ويتساءل كثر حول مصادر الاثراء الفاحش لدى البعض وتطرح تساؤلات حول مصادرها وكيفية تحقيقها.

لكن هذه الطبقة من الاثرياء الجدد يتميزون بسلوكيات طريفة في اغلى الاحيان  فمنهم من يلجأ الى التكتم والسرية والابتعاد عن اوساط الجالية عملاً بمقولة «الخطية المستورة ثلثينا مغفورة» بينما  ينطلق آخرون في سلسلة من اعمال الخير وتقديم المساعدات ودعم المؤسسات الدينية والخيرية،  تكفيراً عن ماضٍ ، او تعويضا عن خطأ ما ارتبكوه سابقاً. ويقوم البعض بالانتماء الى جمعيات خيرية ضمن الجالية، خاصة الدينية منها،بغية «تبييض الصفحة» والظهور بمظهر «القداسة وعمل الخير وحب المساعدة»..

ويذهب آخرون الى اتخاذ خطوات فيها الكثير من الغباء والتحدي. فيستفيدون من مناسبات واحداث ليعلنوا للجالية عن ثرائهم، طلباً للموقع الاجتماعي الجديد، وربما هذا ما حدث خلال عرس  سليم مهاجر الذي اراد خلال حفلة زفافه ان يعلن للجميع عن ثرائه، ويطالب بطريقة رمزية ان يحصل على موقع اجتماعي متقدم  اذ هو ينتمي الآن، حسب مفهومه،  الى طبقة عالية، على الأقل في البيئة التي يعيش فيها، مطالباً بالاحترام والاصغاء الى توجيهاته واعتبار موقعه الجديد ، خاصة ان ما  حدث جاء في ظروف مليئة بالتشنجات الطائفية ومشاعر الاضطهاد.

ب – التحصيل العلمي

المكانة  الاجتماعية المتقدمة يمكن تحقيقا ايضاًَ عن طريق التحصيل العلمي العالي.. ما لم يتمكن الوالدان من تحقيقه يوفرونه لابنائهم في المجتمع الجديد. وهذا ما يفسر وجود طبقة اجتماعية جديدة من رجال الاختصاص وفي مجالات عديدة.

اتذكر  في اكثر من لقاء مع سياسيين واكاديميين من اصول اثنية ثناءهم الخاص لوالديهم الذين عملوا ليلاً نهاراً لكي يتمكن ابناؤهم من تحقيق نجاحات علمية، والانتقال الى مستوى اجتماعي وطبقة جديدة.

والد احد السياسيين علّق قائلاً: لو بقيت في بلادي لا ما تمكّن ابني من الحصول على وظيفة «زبال» في بلدية. وهذا ما يميز  استراليا، بلد الفرص والمساواة والانجازات الهامة.

ج – الانخراط في الجمعيات والتنظيمات

وتأتي هذه الخطة الرمزية اما للخدمة او للحصول على خدمات وضمانات تدعم الانسان المستضعف في بيئة شاسعة غريبة مليئة بالتحديات. ويأمل البعض في هذه الجمعيات الخيرية منها والسرية ان تكوّن بيئة بديلة عن العآئلة الداعمة وتعويضاً عن مشاعر الغربة. وهذا موضوع شاسع يستحق البحث.

الثابت اننا نشهد في الجاليات الشرق اوسطية ظهور طبقة اجتماعية جديدة من الاثرياء والمثقفين ورجال الاختصاص. منهم من كافح وحقق بعض اهدافه ، ومنهم من لجأ  الى الاساليب غير المشروعة لجني الثروة..

لكن الشاطر هو من يتابع المشوار.