جورج  عيسى

يكاد لا يمرّ يوم منذ مقتل زعيم تنظيم « القاعدة»  أسامة  بن لادن، بدون أن يسمع العالم خلاله خبراً يتعلّق بشخصيّة من كان المطلوب الرقم واحد من أجهزة الاستخبارات العالميّة.
كان الموعد مؤخّراً مع نشر لمجموعة من الأشرطة (حوالي 1500 شريط) التي كانت بحوزة تنظيم  «القاعدة» بين عامي 1987 و2001. هذه المجموعة وصلت مؤخّراً الى الخبير في الثقافة العربيّة في جامعة كاليفورنيا فلاغ ميلر الذي أكّد لهيئة الاذاعة البريطانيّة «بي بي سي» أنّ بن لادن أراد أن يخلق صورة المقاتل الحقيقي الاسطوري على الارض كي يعكس الصورة التي كانت شائعة عنه والمتعلّقة بمجرّد كونه رجلاً ثريّاً وشديد التأنّق في لباسه، الامر الذي صعّب الامور عليه بداية.
الاميركيّون لم يكونوا أعداءه
ميلر يؤكّد أنّ بن لادن اعتبر المسلمين الذين لم يتبعوا فكره أعداء له. ويضيف أنّ من كان يصنّفهم في الاشرطة التي سجّلت أواخر الثمانينات، كأعداء للاسلام أيضاً، الشيعة والبعثيّون العراقيّون والشيوعيّون والمصريّون الناصريّون.
جنٌّ وموسيقى غربيّة
وصانع سلام
من بين الاشرطة، ما دلّ على وجود حديث مع جنّيّ استولى على أحد الاشخاص وادّعى من خلاله، علمه بالسياسة، إلّا أنّ بن لادن عُرف عنه بأنّه لم يملك وقتاً لخرافات كهذه بحسب تعبير ميلر. بينما يظهر شريط ثانٍ وجوداً لموسيقى البوب الغربيّة التي أدّاها الجزائري اليهودي أنريكو ماسياس، ما يعني أنّ جزءاً من مقاتلي «القاعدة» استمتع بهذا النوع من الموسيقى. والمهاتما غاندي ظهر في أحد خطابات بن لادن التي وجّهها عام 1993 لمقاطعة البضائع الاميركيّة، مثلما بيّن أحد الاشرطة. بينما لم تتظهّر العدائيّة تجاه واشنطن الا في التسجيلات الاخيرة حيث تحدّث في حفل زفاف أحد حرّاسه الشخصيّين عن «خطّة» لم يكشف عنها وعن «أنّنا سنسمع أخباراً سارّة» سائلاً الله «منح إخوتنا النصر» بحسب ميلر.
شغف برياضة واحدة
إذاً يتبيّن أنّ شخصيّة بن لادن لم تكن خالية من المفاجآت. ثيودور هوكينز كتب في موقع «كراكد» الالكتروني عن كره بن لادن لكلّ ما في الولايات المتحدة من حضارة وفرح ورفاهيّة ما عدا أمراً واحداً: الكرة الطائرة، كما يخبر عن ذلك حارسه الشخصي السابق ناصر البحري، الذي ينقل ايضاً عن القائد العسكري الاسبق للتنظيم محمّد عاطف شغفه بهذه اللعبة، لكن لم يكن يسمح لهذين الشخصين باللعب معاً في نفس الفريق نظراً الى براعتهما بهذه الرياضة، يضيف هوكينز.
بارانويا أمنيّة
بن لادن أصبح في السنوات الاخيرة من حياته مهووساً بمطاردة أعدائه له عبر وسائل تكنولوجيّة متطوّرة. فبحسب صحيفة «الدايلي مايل» البريطانيّة طلب الزعيم السابق ل»القاعدة»من إحدى زوجاته التي توجّهت من إيران الى مجمّع آبوت آباد في باكستان بأن تعتني بنفسها جيّداً، كاتباً في رسالة أرّخت في 26 أيلول 2010:»قبل أن تصل أم حمزة الى هنا، من الضروري أن تترك كل شيء وراءها، بما في ذلك الثياب والكتب وكلّ ممتلكاتها في إيران … كلّ شيء قد تدخل فيه إبرة». وكان بحسب الصحيفة نفسها يبدي قلقه من الرقائق المتطوّرة التي تستخدم في عمليّات التنصّت والتي على حدّ تعبيره يمكن لها أن تخبّأ داخل إبرة.
وكان يمنع عمليّات التواصل الالكترونية بين المقاتلين إلّا في ما خصّ الرسائل العامة، لكنّ هذا الامر أزعج مساعده عطيّة عبد الرحمن الذي شدّد في إحدى الرسائل على أنّه لا يمكن التواصل مع المقاتلين في الجزائر او الصومال او غيرها إلّا بواسطة هذه الطريقة. غير أنّ بن لادن لم يقتنع بهذا الامر. وكان يصرّ على المقرّبين منه ويطلب منهم عدم التنقّل إلّا حين يكون الجوّ غائماً لأنّ الغيوم تمنع الطائرات بدون طيّار من تحديد أهدافها.
شبكة «سي أن أن» الاميركية للتلفزيون أكّد أنّ بن لادن كان مصاباً بجنون الشك في الايام الاخيرة من حياته، حين كان يطلب من معاونيه إصدار الاوامر بعدم أخذ أيّ غرض أو مال من الاشخاص الذين يخطفونهم خوفاً من أن تكون أدوات التعقّب زرعت في هذه الاموال. وتنقل عن بعض الرسائل التي وصلت اليها من تلك التي وجدت في مجمّع  آبوت أباد أنّ بن لادن كان مصرّاً على ضرب الاميركيّين في عقر دارهم، على عكس الرجل الثاني في التنظيم حينها  أيمن الظواهري الذي كان يعتبر أنّ ضرب جنود أوباما في  أفغانستان أكثر واقعيّة.
مغنّية سحرت عقله
الشاعرة السودانيّة كولان بوف التي استعبدها بن لادن جنسيّاً لمدّة أربعة أشهر كما قالت، كتبت أنّه أخبرها بأنّ الممثّلة والمغنّية ويتني هيوستن كانت أجمل امرأة رآها في حياته، كما أكّدت أنّه كان يردّد اسمها كثيراً، وذكرت أيضاً رغبته في الزواج منها ونيّته قتل زوجها بوبي براون، علماً أنّه كان يعتبرها مسلمة حقاً لكنْ تمّ غسل عقلها بالحضارة الاميركيّة، وذلك كلّه جاء في سيرتها الذاتية التي نشرها موقع «هاربرز بازار» الالكتروني.
بعض الكتب التي قرأها
صحفة «لوس انجليس تايمس» الاميركيّة نشرت مقالاً فيه لائحة من مئة وثلاث وثائق للاستخبارات الوطنيّة تظهر أنّ بن لادن كان عدوّاً ذكيّاً ومتعلّماً بحسب تعبير الصحيفة. كتبٌ ووثائق عديدة قرأها مثل «9/11 commission report» و «The Best Democracy Money Can Buy» لغريغ بالاست وقرأ أيضاً لنعوم تشومسكي كتاب:
«Hegemony or Survival: America’s Quest for Global Dominance»
و «The Rise Fall of the Great Superpowers» لبول كينيدي وغيرها.
بيّنت هذه الوثائق، بانتظار أخرى قد تظهر يوماً ما، تخبّطاً واضحاً في شخصيّة بن لادن تجاه العديد من الأمور المحلّيّة والعالميّة كما تجاه ما كان يعتبره أمنه الخاص. فبحسب «الدايلي ميل»، كان من السخرية بمكان أن يموت مساعده عبد الرحمن بواسطة ما كانا كلاهما يسعيان لتفاديه وهو الطائرة بدون طيّار، كما انسحبت سخرية القدر على مقتل بن لادن نفسه بفعل مراقبة رجال الاستخبارات لأحد سعاة البريد العادي لا الالكتروني الذي تخوّف منه طويلاً، تاركاً بذلك جميع احتياطاته الأمنيّة تذهب معهما … أدراج الرياح.