أصبحت ظاهرة التسول في شوارع العاصمة البريطانية لندن تجارة يتنافس عليها كثيرون، ومجالا تبدع فيه عصابات منظّمة ويأكل فيه حق الضعيف والمحتاج. وتزداد هذه الظاهرة حدة مع حلول إجازة الصيف، حيث لا تكاد الشوارع، التي يرتادها السياح العرب خصوصا، تخلو من نساء وأطفال وشباب، أغلبهم من المهاجرين الرومانيين، اتخذوا من التسول منهج حياة.
وتتنوع شخصيات من يلجأون للتسول فقد تكون بائعة ورد في مقتبل عمرها، أو سيدة متقدمة في السن، أو شابا ثلاثينيا يعزف بأداة بالية وهو يراقب عن بعد ما جمعته فتيات تحت إمرته من تبرعات المارّة. ما الذي يجمعهم؟ قد تكون جنسياتهم الرومانية أو البلغارية أو البوسنية وضياعهم في بلد توجهوا إليه من أجل حياة أفضل فخذلوا، وبعض الكلمات العربية كـ»السلام عليكم أختي»، و»الله أكبر» و»أرجوك» يستميلون بها العرب والمسلمين.
تراهم يتبعون المارة في شارع العرب الشهير «إدجوار رود»، ويجلسون قبالة المقاهي والبقالات العربية، وينامون تحت جسور لندن وفي مداخل قطارات الأنفاق، ويغسلون ملابسهم ومواعينهم في نافورة «ليدي ديانا» وغيرها من النافورات المركزية في حديقة الهايد بارك، وينتظرون خروج المصلين عند أبواب مساجد العاصمة.
قالت مريم، وهو اسم مستعار لسيدة رومانية في عقدها الستين، لـ»الشرق الأوسط» بعد صلاة الجمعة في مسجد «ريجنتس بارك» المركزي إنها قدمت إلى بريطانيا منذ ثلاثة أشهر لم تتمكن خلالها أن تحصل على عمل. وأضافت أنها هاجرت و7 من أفراد عائلتها إلى بريطانيا، آملة في حياة أفضل من حياتها في تيميشوارا (غربي رومانيا). وبكلمات إنجليزية قليلة وركيكة، قالت إنها اضطرت إلى اتخاذ التسول مهنة وإن «العرب والمسلمون كريمون».
وبيد أن هذه الظاهرة تستمر منذ سنتين على الأقل، إلا أن قوات الشرطة في لندن لم تستطع إلى الآن السيطرة بشكل كامل على نشاط عصابات التسول المنظمة، كما لم تتمكن من ضبط تحركاتهم لضمان سلامتهم وسلامة السياح. ويوضح ماثيو راسل، متحدث باسم شرطة لندن المركزية، أن «قوات أمن لندن وشركاءها تقوم بعمليات وقتية تستهدف ظاهرة الحياة (غير المستقرة) بما فيها التسول، والسرقة، وشرب الكحول في الشوارع، والعنف». ويفيد راسل أن «هذه عمليات الشرطة قد تتخذ شكل دوريات توعية يشارك فيها أفراد من الشرطة وشركات أمنية شريكة». كما قال راسل إن الهدف من هذه العمليات المنتظمة هو «دعم هؤلاء الأفراد في الابتعاد عن أسلوب حياة قد يعرضهم وغيرهم إلى الخطر».
ووصل عدد المهاجرين الرومانيين والبلغاريين إلى المملكة المتحدة إلى نحو 37 ألفا في عام 2014 فقط، ما يمثل نحو 6 في المائة من إجمالي المهاجرين، وفقا لآخر الإحصائيات الرسمية. وعرفت بريطانيا توافدا كبيرا للمهاجرين الرومانيين والبلغاريين منذ 2007، وهي السنة التي انضم فيها البلدان إلى الاتحاد الأوروبي، واستمرت الهجرة منذ أن ألغت دول الاتحاد الأوروبي قيود العمل المطبقة على الرومانيين والبلغاريين السنة الماضية. وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، أوضح مصدر في مكتب الإحصاءات الرسمية البريطاني أن ثلاثة أرباع من مهاجري هذين البلدين قدموا إلى بريطانيا للعمل، مسجلا ارتفاعا بنسبة 15 في المائة مقارنة مع عام 2013.
أما عن معدلات الجريمة المرتبطة بهذه الظاهرة، فأفاد مسؤول في «اسكوتلانديارد» في حديث أن إجمالي المهاجرين الرومانيين الموقوفين في العاصمة البريطانية وحدها خلال السنوات الستة الأخيرة تجاوز 42 ألفا، مسجلا ارتفاعا ملحوظا منذ أواخر عام 2009، ذلك حيث ارتفع عدد الموقوفين الرومانيين من 4093 في مناطق لندن المركزية عام 2009 إلى 7605 عام 2014.
وفي حين ترتكز التغطية الإعلامية البريطانية عموما على جوانب الهجرة السلبية كتلك المتعلقة بالجريمة، والتسول، والفقر، إلا أن ذلك أثار نقاشا حادا في الأوساط الحقوقية البريطانية التي انتقدت التعميمات التي تطال المهاجرين الرومانيين والبلغاريين خصوصا. وتوضّح دورا فيكول وويليام آلن، خبيرين في شؤون الهجرة في مرصد الهجرة التابع لجامعة أكسفورد، أن الصحافة البريطانية والصفحات الصفراء، على حد السواء، يتعاملون مع المهاجرين الرومانيين على أنهم شريحة متجانسة، وعادة ما يربطونهم بالفقر والعنف والتشرد وغيرها. كما اعتادت الصحافة الوطنية كذلك على توقع «غزو روماني وبلغاري» على بريطانيا بعد رفع قيود العمل المفروضة عليهم العام الماضي، إلا أن الإحصائيات تظهر ارتفاعا تدريجيا ومماثلا لنسب الأعوام الماضية.