كشفت مصادر في المخابرات والجيش الإسرائيليين أن التحقيقات الأولية مع تنظيمات التطرف اليهودي، التي جاءت في أعقاب عملية حرق عائلة دوابشة أثناء نومهم، تبين أن وراء هذه التنظيمات فكرا وآيديولوجيا وبرنامج عمل. وأن خطتها تقضي بتنفيذ عمليات رعب ضخمة بغرض إحداث الفوضى في البلاد، ومن ثم الانقضاض على الحكم وتطبيق الشريعة اليهودية في إسرائيل. وقالت هذه المصادر إن من يتحمل المسؤولية عن قتل الطفل الفلسطيني علي دوابشة، وإصابة والديه وشقيقه بحروق بالغة إثر حرق منزلهم في قرية دوما، فجر الجمعة الماضي، هم نشطاء اليمين المتطرف، المرتبطون بتلك المجموعة الآيديولوجية التي نفذت سلسلة من جرائم الكراهية في الآونة الأخيرة. وتضم النواة الصلبة لهذه المجموعة عشرات النشطاء الذين يتخذون من البؤر الاستيطانية مراكز لعملهم، لكنهم يكثرون من التجوال في أنحاء البلاد، داخل الخط الأخضر، أيضا. وخلافا للماضي، فإن المفهوم السائد اليوم هو أن هؤلاء النشطاء لا يسعون إلى العمل انطلاقا من معايير نفعية، كردع الحكومة وقوات الأمن عن إخلاء بيوت في البؤر الاستيطانية والمستوطنات، فهؤلاء لديهم أفكار أكثر طموحا، في مركزها تقويض الاستقرار في الدولة بهدف تحقيق انقلاب سلطوي يحقق نظاما جديدا في إسرائيل على أساس الشريعة اليهودية.
ويسعى هؤلاء إلى استخدام العنف بشكل منهجي ومتواصل، دون علاقة بسلوك الشرطة في المناطق. وقد اكتشف الشاباك والشرطة التحول الآيديولوجي في صفوف هذه المجموعة من الشبان، ممن كانوا يسمون، في أواخر 2014، «بطاقة الثمن» أو «شبيبة التلال». وقد استنتج هؤلاء الشبان أنهم استنفذوا عمليات حرق المساجد، وأنه يجب التوجه نحو خطوة أكبر. وتم التعبير عن بعض أفكار هذه المجموعة في الوثيقة التي صادرتها الشرطة من موشيه أورباخ، الشاب المتزمت من ضاحية بني براك (جنوب تل أبيب)، الذي تم أخيرا تقديم لائحة اتهام ضده بتهمة المشاركة في إحراق كنيسة الطابغة في طبريا. وقد كتب أورباخ الوثيقة التي تحمل اسم «ملكوت الشر»، ترسم القاعدة الفكرية التي تبرر تصعيد الهجمات ضد مؤسسات دينية وضد العرب، وتوفر نصائح عملية لسبل التهرب من التعقب والتحقيق. كما عبر عن أفكار مشابهة بشأن تصعيد الخطوات ضد العرب ومحاربة الدولة، ناشط يميني آخر هو مئير اتينغر، حفيد الراب مئير كهانا (مؤسس حركة كاخ)، الذي أعلنت أجهزة الأمن الإسرائيلية أمس عن اعتقاله في مدينة صفد. ومن بين النشاطات التي عكست أفكار اتينغر، المقيم في بؤرة «غبعات رونين» في شمال الضفة، نشر مقال بعنوان «الصوت اليهودي». وقد سعى الشاباك في مطلع العام الحالي إلى تفعيل أمر اعتقال إداري ضده، لكن النائب العام للدولة شاي نيتسان رفض الطلب، وفي نهاية الأمر تم إبعاده عن الضفة، فسكن في مدينة صفد. ومن خلال الوثائق والتصريحات الكثيرة، يعبر هؤلاء النشطاء عن خلق حالة من الفوضى في البلاد، من خلال تصعيد الاحتكاك في النقاط التي يعتبرونها ضعيفة. وإذا كان التنظيم الإرهابي اليهودي الذي نشط في الضفة قبل عقد زمني (ولم يتم أبدا فرض عقوبات بالسجن على نشطائه)، قد عمل في الأساس على تنفيذ عمليات إطلاق نار على السيارات الفلسطينية المسافرة على الشوارع، فإن الإرهابيين اليهود الجدد يبحثون عن أهداف أخرى يصفونها بأنها «إحراق لبراميل البارود»: التعرض للحرم القدسي، «اجتثاث العمل الأجنبي» (إحراق المساجد والكنائس)، و»طرد الأغيار» ? هجمات منهجية على غير اليهود، بمن في ذلك المواطنون العرب في إسرائيل (فلسطينيو 48)، ومن ضمنهم البدو والدروز.
ويتحدث النشطاء عن الحاجة إلى التحريض على مؤسسات السلطة، وفرض الدين قسرا على المؤسسات العامة، خصوصا في ما يتعلق بظهور النساء وإجبارهن على ارتداء ملابس محتشمة ومتواضعة.
وتفيد تقارير الشاباك بأن من يتحمل المسؤولية عن تنفيذ العمليات هي خلايا صغيرة وبعيدة بعضها عن بعض، ولا تحتاج إلى سلسلة هرمية متواصلة. ويقف على رأس كل خلية ناشط قديم، يقوم بتجميع عدد من الشبان حوله. ولا تطلع هذه الخلايا بعضها بعضا على نشاطاتها. وكما يبدو فإن تصريحات قادة الدولة بشأن الحاجة إلى العمل ضد المخربين اليهود لا تردع هؤلاء النشطاء حاليا. فغالبية نشطاء هذه الخلايا معروفون للشرطة والشاباك. وقد تم في السنوات القليلة الماضية جمع معلومات استخبارية كثيرة عنهم، لكن الصعوبة تكمن في تحويل هذه المعلومات إلى أدلة قانونية دامغة. وفي غالبية الحالات، يتم تدريب هؤلاء النشطاء مسبقا على الصمت خلال التحقيق، وكيفية الامتناع عن ترك أدلة تسمح بتشخيصهم (في حالة إحراق كنيسة الطابغة الاستثنائية تسبب إلقاء القفازات التي استخدمها أحدهم، باعتقال أفراد الخلية بعد تشخيص الحمض النووي لصاحب القفازات).
وكان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قد عقد سلسلة من المشاورات على مستوى القيادة السياسية والجهاز القضائي. وأوصى رئيس الشاباك يورام كوهين، وكبار المسؤولين في الجهاز بالسماح لهم بتصعيد التدابير ضد المشبوهين بتنفيذ عمليات الإرهاب اليهودي. وتذمر الشاباك من العقاب المتسامح جدا الذي تفرضه المحاكم، خصوصا عدم استخدام الوسائل القانونية ضد المشبوهين بالإرهاب، ممن خرقوا أوامر الإبعاد عن الضفة أو القيود الإدارية التي فرضت على تحركاتهم. هناك حالات خرق فيها هؤلاء النشطاء الأوامر عشر مرات تقريبا، ولم يجر اعتقالهم. وفي حالات أخرى، تم تخفيض القيود التي فرضت على تحركاتهم. وينضم موقف الشاباك إلى موقف وزير الأمن موشيه يعلون الذي يؤيد الاستخدام المحدود لأوامر الاعتقال الإدارية ضد المخربين اليهود. وقال جميع هؤلاء إنهم بحاجة إلى قرار سياسي للتعامل مع الإرهاب اليهودي مثلما يتم التعامل مع الإرهاب العربي. واتفق على استصدار أوامر اعتقال إدارية ضد الإرهابيين ومن يرسلونهم ويصمتون.