مصطفى العويك

مضت سبعة اشهر على الحوار الذي يرعاه الرئيس نبيه بري بين «تيار المستقبل» و»حزب الله»، عقدت خلالها خمس عشرة جولة اتصفت بالجدية واتخذت في معظمها طابع الحوار الهادىء الذي يرى فيه الطرفان طريقا اجباريا للحد من نسب التشنج الداخلي، وسياجاً محكماً يمنع تسلل الفتن قدر المستطاع خارج اطار اللعبة السياسية المعهودة، ويحمي البلد من تداعيات الحريق الذي يحيط به من كل صوب.
قد لا يشكل هذا الحوار قناعة لدى بعض نواب ووزراء الطرفين، لكنه في الحصيلة ضرورة وطنية خبر المتحلقون حول طاولة عين التينة جدواها وكثيرون غيرهم وان كانوا يكابرون في الاعتراف بذلك.
بعد 15 جولة من الحوار تخللتها ساعات طويلة من النقاشات، كيف يقّوّم «المحاور المستقبلي» النائب سمير الجسر هذه الجولات وماذا يقول عن مسار هذا الحوار؟
في البدء يعيد الجسر التأكيد ان «الحوار مع حزب الله قام لسببين، الاول تخفيف الاحتقان المذهبي الناتج من التشنج السياسي، والثاني وضع معايير محددة تسهل انتخاب رئيس للجمهورية». في موضوع الاحتقان يقول الجسر: «اعتقد انه كان مجديا ومفيدا، ربما لم يحقق كل الطموح الذي يتمناه كل واحد منا، لكن على وجه التأكيد ان مجرد الحوار يوجد ارتياحاً لدى المواطنين واسترخاء سياسياً ونفسيا، وهو حقق مناخاً يؤسس عليه لازالة الاحتقان». لكن ماذا عن بعض التدابير التي اتخذت والتصرفات التي شهدها بعض المناطق، وعن تنفيذ الخطة الامنية التي يسود اعتقاد انها نفذت في مناطق ولم تنفذ في اخرى؟ اليس من شأن ذلك تزكية التشنج الداخلي؟ يجيب: «نعم بعض التدابير الامنية التي اتخذت كانت دون الطموح، خصوصاً انه أعقبتها في الضاحية الجنوبية وبعلبك – الهرمل احداث امنية اساءت الى صورة الخطة الامنية وجديتها وجدواها، منها مثلا تشكيل «لواء القلعة» وحشد المطلوبين للعدالة تحت رايته، وأيضاً اطلاق الرصاص المتكرر في المناطق التي يتم فيها تشييع مقاتلي الحزب الذين يسقطون في سوريا، هذا الامر اثر على صورة الخطة الامنية واظهرها انها فولكلورية وان هناك تجاوبا من مناطق دون أخرى».
ويعزو سبب ذلك الى «الواقع الراهن الذي يعيشه لبنان»، في اشارة الى التنظيم العسكري والامني للحزب بموازاة السلطة الرسمية، مضيفاً: «لا اعتقد ان للحزب مصلحة في ذلك، ربما هو يراعي بهذا الأمر العشائر على مضض، وفي الاساس ليس من مسؤولية الحزب ضبط الامن وانما هذا من مسؤولية الدولة والاجهزة الامنية، لكن عليهم ألا يغطوا احدا في السياسة».
وماذا عن ملف رئاسة الجمهورية؟
يكشف الجسر ان المرة الوحيدة التي تم التعاطي مع هذا الملف بجدية كانت عقب خطاب الرئيس سعد الحريري في ذكرى 14 شباط، حين تحدث عن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب، وبعد يومين تلقف السيد حسن نصرالله المبادرة وتجاوب معها، «يومها طرحنا ملف الرئاسة من باب انه اذا اردنا استحداث استراتيجية وطنية لمكافحة الارهاب فهي تتطلب اجماعا وطنيا وهذا يقضي باشراك مكون اساسي في البلد بها متمثلاً برئيس الجمهورية، وتحدثنا عن المعايير التي سبق ان تحدثنا عنها في جلسة الحوار الاولى، والتي يمكن ان تساعد على ايجاد قواسم مشتركة في هذا الملف من دون البحث في اسماء المرشحين، لكن جواب الحزب في الجلسة التالية كان على الشكل الآتي: «وضع معايير محددة للرئاسة، لكنهم يرون ان كل هذه المعايير تنطبق على العماد ميشال عون، وتوقف الامر عند هذا الحد».
هذا الحوار الذي ذهب اليه «المستقبل» بقناعة تامة، سجلت اعتراضات عليه من البيت الداخلي سائلة عن جدواه في ظل تمسك الحزب برأيه، واوجد نقمة شعبية على التيار الأزرق داخل الطائفة السنية، إلا أن الجسر يضع ذلك في اطاره الطبيعي، «نحن لا نحاور لتحقيق مكاسب خاصة بنا، والناس عابت علينا كثيرا القبول بالحوار وركزت على سلبياته، لكن نظرتنا كانت ابعد من ذلك، نحن نعتبر ان الحوار استراتيجية وطنية بحد ذاته، فنحن نحاور شركاء في الوطن وبالنهاية نحن في هذا البلد محكومون بالحوار، واذا كنا نستطيع اختصار الوقت وتهيئة الجو لحوار اعمق واشمل لماذا لا نفعل ذلك؟ والسؤال الاساسي الذي يجب ان يطرح: ما البديل من الحوار؟ وماذا كان ليحصل في البلد في ظل التأزم السياسي المتتالي لو لم يكن هناك من حوار؟».
وعن الآراء داخل «المستقبل» لجهة جدوى الحوار يوضح: «نحن مؤسسة ديموقراطية وما يجري من نقاشات في اجتماعاتنا يكاد يكون شبه معدوم عند الاحزاب الاخرى، فهناك اراء مختلفة لكن الجميع في النهاية يلتزم القرار. نعم هناك تمايز في الاداء والتعبير لكن المضمون واحد، والكل مقتنع بالحوار وكل نائب او وزير يعبر عن موقفه السياسي على طريقته». وماذا عن جلسة الاربعاء (اليوم)، هل ستطرح الملفات الساخنة بكليتها؟ «لن يكون هناك اي استثناء لاي موضوع من شأنه التأثير على الاحتقان الداخلي وعلى انتخابات الرئاسة»، مثلا أزمة النفايات؟ يقول الجسر: «صحيح هناك تقصير في ادارة ملف النفايات، لكن أزمة النفايات استخدمت سياسياً ووظفت بطريقة غير لائقة وغير وطنية، وانا لا اتهم احدا لانه ليس لدي اثباتات، لكن الامنيين لديهم ذلك، الا ان هناك منطقتين خرجت منهما مجموعات شبابية على الموتوسيكلات ومعهم قنابل حارقة، والسؤال هل خرج هؤلاء بأمر سياسي، ام انهم باتوا خارج السيطرة وتمردوا على قيادتهم السياسية؟ هذا أمر خطير طبعاً وسيصار بحثه في الجلسة، اضافة الى موضوع عمل الحكومة التي يحاول البعض الايحاء بأن المشكلة هي لدى تيار المستقبل، وكأننا نختصر قرار مجلس الوزراء وهذا غير صحيح، لأن هناك مكونات اخرى في الحكومة نلتقي معها بملفات ونختلف بأخرى، وهي لها رأي مماثل لنا سواء في آلية ادارة الجلسات او في خيارات التعيين».
ببراغماتيته المعهودة وهدوئه الدائم، يرى الجسر ان الحوار مع «حزب الله» في هذه المرحلة «أساسي، ولا بد منه، لكنه طبعاً ليس على قدر الطموح، لذلك يصح اعتباره حواراً تمهيدياً لحوار أعمق وأشمل ربما بانتظار ما سترسو عليه أمور المنطقة».