الياس المر
في مثل هذه الأيام الصعبة، من الواجب مُصارحة اللبنانيين في ما ينتظر المنطقة من تحدّيات وإستحقاقات، وإرتداداتها على لبنان، من أجل أن نكون متنبّهين ونُبقي بلدنا محصناً.
قبل سنة سألني أحد المسؤولين الكبار في لبنان عن حظوظ الإتفاق النووي بين الدول الكبرى وفي مقدّمها أميركا، وبين إيران. فأجبته أن في السياسة لا يوجد مئة في المئة، ولكن معلوماتي أن حظوظ هذا الإتفاق هي مئة في المئة. وكم أتمنى اليوم أن يكون ما لديّ من معطيات ومعلومات في شأن الأوضاع المستجدة خاطئاً مئة في المئة.
بعد توقيع الإتفاق، تم ترتيب الأولويات حسب روزنامة الدول الكبرى، كما دول المنطقة، تحت عنوانين أساسيين هما: «مسائل رئيسية»، و»مسائل ثانوية».
وُضِع لبنان واليمن في خانة «المسائل الثانوية» التي يمكن حلها فوراً، كون مشكلة لبنان اليوم هي الأقل تعقيداً ويمكن البدء في حلّها من خلال إنتخاب رئيس للجمهورية، فيما اعتُبِرت اليمن كالبحرين منطقة أمان للمملكة العربية السعودية، ولا يُسمح لأحد اللعب أو التدخل فيها، والحل هو سعودي بامتياز. وبالتالي إن ملفّي لبنان واليمن هما الأقل تعقيداً.
أما ملفّا سوريا والعراق فقد دخلا قبل أسبوعين في خانة «المسائل الرئيسية». وليس سراً أن الحل في هذين البلدين سيستغرق وقتاً طويلاً نظراً الى تعقيدات الوضع الميداني، والواقع السياسي المأزوم بين إيران والسعودية، وتداعيات النزاع الأميركي الروسي في أوكرانيا وغيرها على الشرق الأوسط، ووضع النظام في سوريا والدعم الإيراني الذي يحظى به، وخطر تمدّد «داعش»، والمسألة الكردية.
أما العراق فبين الكرّ والفرّ وفشل الدولة والعشائر، وعجز السياسة الأميركية في بناء دولة قادرة، كما فشل الجمهورية الإسلامية الإيرانية في إقامة توازن طائفي وسياسي بين كل مكوّنات العراق، والتجاذب الإسلامي أيضاً حول النفوذ في هذا البلد الممزق، دخل العراق أيضاً في خانة «المسائل الرئيسية».
وعليه، كان للبنان فرصة في شهر تموز أن يُمرّر ملف الرئاسة لتبدأ ورشة عمل بعدها على كل الصعد سياسياً وإقتصادياً ومالياً وأمنياً. غير أننا كالعادة، ضيّعنا الوقت بين الآلية والتعيينات والنزول الى الشارع، فضاع شهر تموز في متاهات، وتغيّرت الأولويات منذ أسبوع.
دخلت تركيا على خط مواجهة «داعش» والحالة الكردية على حدودها، ضمن مشروع متكامل للوضع السوري يتضمن مخططاً لتثبيت معارضة معتدلة في شمال سوريا، يقوم على توجيه ضربات مع التحالف ضد «داعش» لإنهاكه وإضعافه ثم تكليف المعارضة السورية مواجهته، ليدخل الملف السوري مرحلة الحل السياسي بين المعارضة والنظام كما بين دول المنطقة، أي السعودية وإيران، وأيضاً وأيضاً ضمن صفقة متكاملة بين أميركا وروسيا.
وهكذا فجأة تحولت الأولوية من محاولة حلّ «المسائل الثانوية» الى محاولة حلّ «المسائل الرئيسية»، فأصبح الملف السوري بعد الدخول التركي أولوية الأولويات لتصبح روزنامة الأولويات كالتالي:
1- سوريا
2- لبنان
3- العراق
4- أما اليمن فهو خارج أي صفقة، وهو ملف سعودي بامتياز.
من هنا، علينا أن ندرك كيف نتعامل مع هذا الوضع خاصةً وأن الحل لسوء الحظ ليس غداً، وقد يكون بعد أشهر طويلة، وأتمنى أن أكون مخطئاً وأن تتغير هذه المعطيات في السياسة الدولية والإقليمية. علينا أن نحصّن لبنان ونستعد للأسوأ لنمرّر الوقت بأقل خسائر ممكنة.
إن الأولويات الدولية والإقليمية للبنان هي، بالتساوي، كالتالي:
1- الأمن ومكافحة الإرهاب.
2- القطاع المصرفي والليرة والإستقرار النقدي.
3- المحافظة على الحكومة ورئيسها.
4- والأهمّ العمل التشريعي في ما يُبقي لبنان مالياً وإقتصادياً مع المجتمع الدولي.
5- إستمرار المرافق العامة ومعالجة كلّ ملف منفرداً وبمعزل عن سواه، وفي وقته، لتجنّب تفاقم الخلافات.
6- عدم الإنجرار الى أي نزول في الشارع تفادياً لأي انجراف طائفي أو مذهبي قد يُعرِّض الإستقرار الأمني والمالي.
هذه العناوين، تشكل محور توافق دولي وإقليمي في انتظار أن يتبلور حلّ في سوريا.
إن أولوية الأولويات اليوم هي أن يسعى اللبنانيون بكل إمكاناتهم للحفاظ على هيكل وطنهم، لكي تبقى في لبنان أعمدة يُبنى عليها في المستقبل.