وديع شامخ
رئيس تحرير مجلة «النجوم»
{ إن السبب في إضطراب العالم اليوم، هو أن الأحمق واثق أكثر مما ينبغي، والعاقل يكتنفه الشك)
برتراند رسل
كنت أعتقد أن الحكاية، أيّة حكاية، مهما أَذنت لصولجانها أو مهمازها أن يكون ميزان القدرة للسير على حبال الواقع أو حبال الخيال الموتورة، لا بد ان تكون عصا يرعى فيها الرواي شتات غيوم مطر الشخوص والمكان والزمان. عصا الحكاية هي أسلوبي المفترض للدخول إلى خانة السرد الواقعي والمتخيل كما أرى.
كلُّ الكائنات، بشر، حيوانات، أمكنة، أزمنة، غياب، حضور، أقنعة، جسور، موت او حياة، خير وشر، ثنائيات وعلاقات غير متناهية، كانت عصاي تقود ها الى مآلها المنطقي والفنطازي، المتخيل المبتذل و الواقعي الأكثر بذاءة. عصاي كانت العلة والمعلول، الدال والمدلول، البرهان والفروض. كانت عصاي المعقوفة حينا كضلع آدم والخطيئة، او عصا موسى، او عصا المعلم، او عصا التبختر حينا آخر. إنها عصاي التي تلمّ شتات الغيوم المصابة بالأنفلونزا وهي تعطس في مصائر اللاهثين وراء السراب الأبدي، وليّ فيها مآرب اخرى.عصاي أحد المفاتيح التي صدأت يوم أذنت للجميع باستباحتي.
«كان من بعض طبائعي ان أطوح بالملوك على الرقاع».
لكن الغابة لا مفاتيح لها، فصار كل حلم مفتاحا، وكل مشهد قفلا.وعصاي إجترت مآربها في أول مواجهة مع حشود الحكاية. قررت ان أكون بهلوانا ارقص على كل الحبال الموتورة بالغسيل لأكون جزءا من بللها او شمسها، أسرارها وفضائحها. لقد سرقت حشود الحكاية عصاي. وها أنذا انزلق كضفدعة تكون شاهدة على حياتين، في الماء تحت رحمة الأوكسجين المذاب، وفي المحكمة تحت سياط الأوكسجين المعلب بالوصايا.لقد اختار-الفيلسوف نيتشه -ان يكون في العمق لا في الأعالي ليُشيع كل إله، كما اختار ?باشلار- ان يتوحد في أحلام اليقظة أمام لهب شمعة، ليعيد صياغة الحياة حلميا.
اشعر أنني بلا عصا اكثر تحررا من مؤدب لابن السلطان او معلم يلوك أبجدية عقيمة، او فيلسوف متعال بحقه في تقرير مصائر الرعاع او العامة او النخبة. أنني بلا عصا الحكاية وبلا شروط الحقل، إنسان يحتاج الى تحقيق ذاته كحيوان اجتماعي يمتلك ذاكرة باشطة هي فرقه النوعي عن الحيوان ( إنسان يحتاج الى قوة المجتمع حتى يتحقق له حصول احتياجاته الضرورية والكمالية، فلا يمكن ان ينال الكمال إلا من خلال وجوده في مجتمع يتعاون أفراده ويعملون متشاركين، بحيث سينالون مجتمعين ما لا ينالونه منفردين)، كما افهم من الفارابي، ومن أبن رشد الذي يقرر (ان الإنسان يحتاج في حصوله على الفضيلة الى أناس آخرين. ولذلك قيل بحق عن الإنسان انه مدني بالطبع، ولا يحتاج الى هذا التعاون في الكمالات الإنسانية وحدها، بل أيضا في جميع الأشياء الضرورية لحياة الإنسان، وهي الامور التي يشترك فيها معه الحيوان نحوا من الاشتراك، كالحصول على الغذاء واتخاذ مسكن وارتداء اللباس، والجملة جميع ما يحتاجه الإنسان من قبل القوة الشهوانية ). إني بلا عصا اقف على الحافات القصوى لمجتمع مصاب بداء النزوع الى المخيال لتبرير وجوده كقطيع قابل للانقياد دائما بشروط العصا ومآرب أقنعتها، بمجتمع مصاب بداء الاجترار. لكنني اشعر بسعادة ولذة خاصة عندما أكون في الحافات القصوى بسبب كوني في القطيعة الشاملة التي تفترض الوجود في أدوار استحالة الأزمة للوصول الى التلويح لها بكل الحواس والحدوس. إهالة التراب عليها مع سبع حصوات لرجمها ليس كشيطان معادل لوجونا في الأرض او في السماء، بل للوقوف دوريا لنزع ما ينبغي نزعه لمواصلة المار ثوان،
الإنسان اثمن رأسمال في الحياة.والتاريخ هو من صنع الإنسان وهو الامتحان لفحص الفلسفات والعقائد لتحديد صدقها او كذبها بمعزل عن الزمن الذي ظهرت فيه دون تجريد تعسفي للسياق او الحاضنة التي ولدت فيها وتعميمها على الزمانية الكلية، أليست الفلسفة الماركسية علم متطور خلاق كما يرى لينين. اللحظة في الحياة تنتمي الى ماضيها ولا حق لها في اغتصاب حياة دقيقة تالية. أليست الحياة برمتها هي حلم.
( يا خسارة هذا الحلم ان قضاه المرء وحيدا ) كما يقول اندريه بريتون.
يا خسارة ان نقضي هذا الحلم بكوابيس التفسير !!!
يا خسارة ان نمضي الى عذرية الحياة بانتصاب واحد.
يا خسارة … سسنستمني كلنا في عذرية الحياة.دون ان نعي من انتصب؟