بروكسيل – غسان شربل
قال صالح مسلم رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سورية، إن الأكراد في إيران «مضطهدون ومحرومون»، لافتاً إلى أن الوضع في مناطقهم متوتر وقابل للانفجار في أي لحظة. وأكد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليس جاداً في حل مشكلة الأكراد في بلاده. وذكر أن النظام السوري اتخذ بعد الغزو الأميركي للعراق قراراً بتأديب أكراد سورية، معتبراً أن حادثة مباراة كرة القدم الدامية رتبتها أجهزة الأمن السورية، وهو ما أدى إلى اندلاع انتفاضة القامشلي.
تحدث صالح مسلم عن أوضاعه الشخصية والعائلية وظروف مقتل نجله في معركة كوباني. وروى أنه أتقن العربية لأن المدرس كان يسارع إلى ضربه ومصادرة مصروفه الشخصي كلما نطق بالكردية في المدرسة.
كيف تنظر إلى النزاع الشيعي ? السني في المنطقة؟
– أعتقد أنه يجب تغيير الذهنية، فهو نزاع عمره 1400 سنة وحتى الآن لم يُحَل. إذا لم يحل هذا النزاع الآن سيستمر إلى أبد الآبدين. يجب أن تكون العقول منفتحة بشكل أكبر، وهذا يمكن حله من طريق العلمانية، بحيث يسود الاحترام بين الجميع بغض النظر عن المذهب.
تريدون دولة علمانية تحترم الأديان؟
– نحترم الجميع ونأخذ الدين ببعده الأخلاقي، فالمجتمع يجب أن يقوم على الأخلاق، وبالتالي يجب أن تكون فيه ديانات. الديانات السماوية كلها مبنية على الأخلاق، فلنتمسك بالأخلاق التي هي الأساس الذي يجمعنا، فلا دين يقول لك إن السرقة حلال أو الزنى حلال أو الاعتداء على الآخرين حلال. دعنا نأخذ الأمور بأبعادها الأخلاقية، وهذا ما نسميه العلمانية، وهذا ما يجمع الأديان كلها، وبالنهاية الكل حر في التفاصيل: فواحد يذهب إلى المسجد والآخر إلى الحسينية والثالث إلى الكنيسة.
هناك في منطقة الشرق الأوسط أربع مجموعات كبيرة: العرب والفرس والأتراك والأكراد. هل لدى الأكراد شعور بأنهم تعرضوا للاضطهاد على أيدي المجموعات الثلاث الأخرى؟
– هذا ما تظهره الحقائق التاريخية، صلاح الدين الأيوبي كان كردياً ولكن لم تكن لديه تلك النزعة القومية ليؤسس قومية مستقلة. لماذا أصبحت الإمبراطورية العثمانية تركية، ولماذا أصبح الأمويون عرباً ولماذا أصبح العباسيون عرباً، ولماذا أصبحت الصفوية فارسية؟ لأن لديهم نزعات قومية. أما قبل ذلك، فكانت الإمبراطورية الدينية وبعدها تم اجتذاب البعض إلى مجموعات مختلفة، إلا صلاح الدين بقي إسلامياً عالمياً ولم نتمكن من جعله كردياً محضاً.
لماذا لم تحلّ مشكلة الأكراد في إيران الخميني؟
– في أيام الشاه كان هناك اعتراف بأننا من أصل إثني واحد، وتم تكريس تدريس اللغة الكردية في المرحلة الابتدائية، ولكن في أيام الثورة كان هناك القائد الكردي عبدالرحمن قاسملو، رحمه الله، وكان «الحزب الديموقراطي الكردي» والأحزاب الاخرى التي اجتمعت كلها من أجل التخلص من الشاه. اغتيل قاسملو في فيينا، حيث جاء أشخاص للقائه بحجة التفاوض مع النظام، وكانت المخابرات وراء الاغتيال، والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد كان متورطاً في قتله وكان ضمن الفريق الذي رتب اغتياله، كما اغتيل شرف كندي في مطعم في ألمانيا بإطلاق النار عليه.
أعتقد أن 12 حزباً أو جهة ساهمت في إسقاط نظام الشاه، وكان الجميع يأملون بالحصول على حقوقهم، ومن جملتهم الأكراد الذين وُعدوا بالحصول على حقوقهم عند مغادرة الشاه الحكم. لكن بعد الشاه توجه المدعي العام (صادق) خلخالي إلى مختلف المدن لنصب المشانق.
هل تعتبر أن أكراد إيران مضطهدون؟
– طبعاً، هم مضطهدون ومحرومون ولا يستطيعون ممارسة تقاليدهم وثقافتهم بحرية وعلاقاتهم السياسية مقموعة.
هل تتوقع أن ينفجر الوضع الكردي في إيران ذات يوم؟
– إذا لم يستطيعوا حل الأمور بشكل ديموقراطي، فبالتأكيد سينفجر الوضع.
وفي تركيا؟
– كذلك الأمر بالنسبة إلى تركيا، توصل المفاوضون الأكراد إلى عشر نقاط وأقدم رجب طيب أردوغان على إلغاء كل شيء.
هل تتوقع خروج عبدالله أوجلان من السجن؟
– وجوده في السجن قضية معنوية بالنسبة إلى الأكراد، ولكن لم يتمكن أحد من حجز أفكار أوجلان وفلسفته داخل سجنه، فهي تنتشر يوماً بعد يوم. والأتراك هم الذين توجهوا إليه للتفاوض معه. نحن جميعاً نتمنى أن يتم إطلاق سراحه، ولكن هذا كله مرتبط بحل القضية الكردية في الشمال، خصوصاً في تركيا. برأيي أنه لا مفر من إطلاق سراحه، فبالعودة إلى الأمثلة الدولية الأخرى، مثل نيلسون مانديلا الذي كان في السجن لسنوات، عندما قررت حكومة جنوب أفريقيا التفاوض معه أطلقت سراحه ووضعته في منزل معين ليتمكن من لقاء المفاوضين. بينما تركيا لا تزال تفاوض أوجلان داخل سجنه ولم تنقله إلى خارج السجن.
هل تشبّه أوجلان بنيلسون مانديلا؟
– على الأقل لأن مانديلا، رغم احترامنا الشديد له واعتباره قدوة، نضاله كان محصوراً في جنوب أفريقيا فقط، وكانت لدينا علاقات طيبة معه واحترمناه، لكن تأثيره من حيث التغيير البنيوي، محصور في جنوب أفريقيا، بينما أفكار أوجلان مؤثرة في الشرق الأوسط كله وفي المنطقة. إذا أُفرج عن عبدالله أوجلان فإن تأثيره سيكون أكبر من تأثير مانديلا بكثير، لخصوصية الشرق الأوسط أولاً، ولأفكاره العمومية التي تهم كل شخص في الشرق الأوسط ثانياً، وبالتالي سيكون تأثيره أكبر من تأثير مانديلا بكثير.
إذاً، أوجلان مؤيد لتصوراتكم لجهة الإدارات الذاتية للأكراد في دول وجودهم؟
– ليس مؤيداً بشكل مباشر، لكننا استشففنا ذلك من أفكاره ومن فلسفته، وليس هناك اتصال مباشر معه، بل فقط اتصال روحي وفكري.
هل تعتبر أنك سيئ الحظ لأنك ولدت ابن أقلية في الشرق الأوسط؟
– التاريخ والجغرافيا لهما أبعاد أخرى، فلربما الله خلقني كردياً لأدافع عن الأكراد، وخلقني في منطقة مظلومة لأدافع عن المظلومين، ربما كان ذلك امتحاناً لي.
هل تعرضت لمحاولة اغتيال؟
– لا، فأنا عبد فقير ولا سبب لاغتيالي.
أصبحتَ لاعباً على الساحة السورية؟
– الشعب الذي يضحي هو الذي يلعب دوراً على الساحة السورية.
هل تعتقد أن الأكراد حجزوا مقعدهم كلاعبٍ في الشرق الأوسط؟
– نعم، وأتوقع أن يكون لهم دور أكبر مستقبلاً بناء على أفكارهم ومنطلقاتهم، فهم حقيقة رواد الديموقراطية في الشرق الأوسط.
في صغرك ماذا كان أهلك يقولون لك عن العلاقة مع العرب؟
– والدي كان يتعامل مع العرب وكان لدينا جيران عرب نتعامل معهم بشكل عادي ولم نحس بالفرق بيننا. أنا شعرت بالفرق عندما بدأ الأستاذ في المدرسة الابتدائية في كوباني يضربني لأنني لا أتحدث العربية. كان الأستاذ يقول لي عليك أن تتحدث بالعربية وأنا لم أكن أعرف اللغة. حتى مصروف الجيب الذي كنت أتلقاه (فرنك) كان يتم حرماني منه في المدرسة ويستولون عليه كعقاب لي لأنني تحدثت بالكردية ويتوجب علي دفع الفرنك، وكان عمري حينها خمس سنوات وكان ذلك قبل أيام البعث في 1957 و1958.
عند وصول البعث إلى الحكم في 1963، استمر ذلك التوجه وازداد التشدد، ولكن كان ذلك قانوناً في المدرسة: لأتعلم العربية يجب ألا أتحدث الكردية داخل المدرسة. أنا الآن عمري 64 سنة، ولا أنسى أنني كنت أتعرض للضرب في المدرسة ويؤخذ مصروفي.
عندما سجنتَ، إثر قصة غازي كنعان، هل تم تعنيفك لأنك كردي؟
– غازي كنعان رآني عدواً ووجدني قليل الأدب لأنني أحمل مطالب فأراد تأديبي. قال لرجاله: خذوه وأدّبوه، فهذا يعني أنه اعتبرني شخصاً غير مؤدّب. أخذوني إلى علي مملوك الذي سألني عن تفاصيل كثيرة. ولكن يجب أن أسجل أنه بعد حوالي أسبوع أو عشرة أيام من التعذيب طلبوا مني كتابة محضر التحقيق حول «اعترافاتي»، فكتبت عشر صفحات عن تنقلاتي رداً على أسئلتهم التي أجبت عليها كتابة. أخذ مملوك المحضر وقال لي إن لغتي العربية ممتازة، فقلت له مَرَدّ ذلك إلى الضرب الذي تعرضت له في المدرسة، فضحكَ. وأضفت أنه نتيجة تعريضي للضرب في المدرسة جعلتموني أتقن العربية. بقيت محتجزاً أربعة أشهر وتعرضت للتعذيب، ونتمنى أن تكون تلك الأيام ذهبت إلى غير رجعة.
أوجلان والنظام السوري
هناك من يعتقد أن إرث العلاقة بين النظام السوري وأوجلان أثر في موقفكم خلال ما شهدته سورية في السنوات الأربع الماضية فبقيتم على علاقة بالنظام.
– كانت لأوجلان علاقة مع القيادة السورية وكانت له علاقة جيدة مع جميل الأسد شقيق الرئيس. كان كل طرف يحاول الإفادة من الآخر. كان هناك في النظام فريق يعتقد، وربما أحياناً لأسباب مذهبية، بإمكان استخدام «حزب العمال الكردستاني» ضد تركيا. واشترطوا على الحزب عدم القيام بنشاط داخل سورية ولو فتح مكتباً في دمشق. الحزب تجاوز هذه الممنوعات، إذ إن شباناً من أكراد سورية كانوا يتدربون في معسكره في البقاع. كان هناك في دمشق 72 مكتباً لـ «حركات ثورية» من العالم. المخالفات كانت موجودة، وكان عدد السجناء الأكراد بالمئات. وكثيراً ما كتبوا على جدران السجون السورية بالكردية.
بماذا شعرت حين شاهدت الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر يشارك في جنازة حافظ الأسد؟
– ربما كانت بداية استدراج الرئيس الجديد إلى الفخ. الحقيقة أن ما يجري في السر أكثر أهمية مما يجري في العلن.
ما هي أحداث 2004؟
– في 2003 حصل الغزو الأميركي للعراق. وُجهت إلى أكراد العراق اتهامات بتأييد الغزو والتحالف مع الأميركيين. نظرت السلطة السورية بريبة إلى الأكراد السوريين، وكان بعض عشائر دير الزور المعروفة بتأييدها صدام حسين، ناقماً على الأكراد.
أعتقد أن المخابرات لعبت لعبتها هنا. أعلن أن فريق كرة القدم في دير الزور سيزور القامشلي لمقابلة فريق «الجهاد» فيها. الغرض كان تأديب القامشلي. جاء جمع من دير الزور ونظم تظاهرة حول الملعب وأطلق المشاركون هتافات تؤيد صدام حسين وتندد بمسعود بارزاني وجلال طالباني وأوجلان. لم يعترض أحد. دخلوا الملعب وهاجموا شباناً من جمهور فريق «الجهاد». حصل إطلاق رصاص وسقط ثلاثة قتلى. تولى مذيع التلفزيون نقل الحادث على الهواء، ما ساهم في توتير الأجواء. في اليوم التالي شارك عشرات الآلاف في تشييع الشبان الذين سقطوا وفوجئوا بهجوم من الشرطة بالرصاص الحي وسقط قتلى وجرحى. غضب الناس وتوسعت المسألة في المالكية وتل أبيض وهاجم الناس مراكز الدولة والمخابرات ووصلت الاحتجاجات إلى كوباني وعفرين. لم تتوقع السلطة حصول انتفاضة كردية واسعة. بدأت الأحداث في 12 آذار (مارس) 2004 واستمرت ثلاثة أيام. تعرض آلاف الأشخاص للاعتقال.
في 2005 وعد بشار الأسد بحل المشاكل العالقة مع الأكراد؟
– المشكلة أن الوعود تكررت ولم تأخذ طريقها إلى التنفيذ. كانت السلطة مبتهجة بالعلاقات مع النظام التركي، ولم تكن راغبة أبداً في إزعاجه، فبقيت الوعود في الأدراج. أنا أعتقد أن الأسد تحدى الأكراد لإرضاء الأتراك وهذا فخ وقع فيه.
هل تقصد أنكم دفعتم ثمن العلاقة السورية – التركية؟
– نعم دفعنا ثمن الأخوة بين بشار وأردوغان.
هل سلمت سورية إلى تركيا عناصر من «حزب العمال الكردستاني» بعد اتفاق أضنة؟
– نعم، سلموا كثيرين. مرة جاء الأمن العسكري يستدعيني فمازحتهم قائلاً: هل تريدون تسليمي لتركيا؟
لكن السلطة أبدت استعدادها في 2005 لحل بعض مشاكلكم.
– بعد انتفاضة القامشلي في 2004 وما تبعها من قمع، بدأت أجهزة الأمن تسأل عن المطالب. قلنا لهم إن الذين سحبت جنسياتهم سابقاً صار عددهم نحو 300 ألف. وتحدثنا عن اللغة وتغيير أسماء الأماكن من الكردية إلى العربية ومسائل أخرى. كانوا يقولون إن المرسوم جاهز لكن لم يصدر إلا بعد اندلاع الثورة السورية.