{ ترعرعتُ في بلدةٍ تعانق البحر على امتداد سبعة كيلومترات وهي الأطول في لبنان.. درجتْ الجيّة المشهورة بجودة خضارها على اقامة حاجز تبولة سنوي، وكان العابرون بسياراتهم من الجنوب وإليه يترجلون ليتذوقوا التبولة مجاناً بين السنوات 1971 و1974. حضنتْ بلدتي اكبرَ معملٍ لتوليد الكهرباء في لبنان وهو المعملُ الحراري الذي بدأ العمل فيه اواسط الستينات، فأنار لبنان من أقصاهُ الى اقصاه وبقيت ْبلدتي تشهد اطولَ فترات الظلام لتنيرَ الوطن كلَّ الوطن. تهجّرتْ بلدتي ثلاثَ مرّات خلال عشر سنوات ( 1975-1985) وهو رقم قياسي، فأحرقتْ بيوتُها ودُمّرتْ في المرّات الثلاث، وهي التي كانت نموذجاً للعيش المشترك.. لكن ابناءها ابوا الخضوع للفرز الطائفي والمذهبي فكانوا في كل مرّة يعيدون وبإصرار بناءض منازلهم واكثرهم مقيمون في استراليا. أحزُن اليوم، وانا أرى الحواجز تقطع الطرقات في بلدتي، ليس لاستضافة االعابرين على صحن تبولة، بل لإبعاد النفايات عن ترابها المعروف بأنه الأخصب في لبنان. ..من التبولة الى النفايات، نموذج الوطنِ الذي يسير القهقرى.. ويقولون لنا: «يا مهاجرين ارجعوا»!؟.