بقلم بيار سمعان

لفت نظري حدثان هامان يجب التوقف عندهما لخطورة ورمزية الدلالات فيهما.

الاول جرى على الساحة الاسترالية وشمل اكثر من مدينة وولاية والآخر دولي مرتبط بالداخل الاسترالي. وباعتقادي يوجد ترابط وثيق بين الاثنين. والحدثان مرتبطان بدورهما بما يجري في الشرق الاوسط منذ سنوات. ولكل منهما  دلالات قد تكون شديدة الخطورة اذا لم تجر معالجة انعكاساتهما وتلافي التصعيد ومنع الانشقاقات داخل المجتمع الاسترالي، وبالتالي سائر المجتمعات والدول في العالم.

اما الحدث الاول فيتعلق باستطلاع للرأي شمل حوالي 36 الف شخص من مختلف انحاء العالم ومن ضمنهم ما يزيد على 1050 شخصاً من استراليا ومثلهم من دول الشرق الاوسط.

وطلب ممن جرى استطلاعهم الاجابة ب «نعم» او «لا» على عمّا كانوا قلقين للغاية، او «قلقين بعض الشيء»، او انهم «لا يشعرون بالقلق الكبير» او هم غير «معنيين على الاطلاق» حول الامور التالية: – التغيير المناخي – عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي – ظاهرة «داعش» الارهابية. برنامج السلاح النووي الايراني – الهجمات الالكترونية – التوتر في العلاقات مع روسيا.

اللافت ان استراليا قادت قائمة الدول حيث بدا ان الناس قلقون للغاية من تنامي ظاهرة «داعش» الارهابية، وتلاها الدول الاوروبية والولايات المتحدة، الى جانب الدول العربية المجاورة لسوريا والعراق…

اتساءل مع القراء لماذا يعتبر 45 بالمئة من الاستراليين ان ظاهرة «داعش» هي مصدر قلق شديد لهم وتقدم  هذا الموقف على القلق الاقتصادي والتبدلات المناخية والهجمات عبر الانترنيت والازمة الروسية. تلا داعش القلق من امتلاك ايران للسلاح النووي.

فلماذا يخشى سكان استراليا وغيرهم من الناس في العالم الغربي من تصاعد الارهاب الذي تمثله الآن  «داعش» بعد ان اقلقت القاعدة العالم في وقت مضى خاصة بعد احداث 11 ايلول، رغم ما اثير حولها من شبهات؟؟

اما الحدث الثاني واللافت هو قيام مظاهرات في معظم مدن استراليا مناهضة للتطرف الاسلامي ولمساعي البعض لاسلمة استراليا حسب نظر البعض عن طريق فرض الشريعة والحلال والزي الاسلامي وغيره من المظاهر التي يعتبرها بعض الاستراليين عوامل دخيلة على المجتمع الاسترالي والثقافة الاسترالية.

ولقد اوجز النائب الليبرالي الفيدرالي مواقف المتظاهرين عندما صرح في مظاهرة تطالب «باستعادة استراليا» فقال: «انه من الغباء الاعتقاد اننا لسنا في حالة حرب مع الاسلام الاصولي». واكد باسم من يمثل «اننا لن نجلس ونتفرج او نستسلم ونراقب الثقافة الاسترالية ونمط الحياة فيها والذي يحسدنا الناس عليه، لن نسمح بتسليم كل هذا الى اناس يكرهوننا لما نحن عليه وما نمثل.. وعلينا ان نواجه كل تطرف من هذا النوع. واكد انهم يتظاهرون ضد التطرف الاسلامي وضد سياسة المراوغة التي يمارسها بعض الاحزاب السياسية في استراليا.

اللافت في هذه المظاهرات انها استهدفت لأول مرة فريقاً دينياً داخل المجتمع الاسترالي. وهنا تكمن الخطورة.

للمرة الاولى يظهر فريق، مهما كان حجم انصاره ومؤيديه ، يخرج الى العلن ويخرج على العرف الاجتماعي القائم على التعددية الثقافية والدينية والاثنية ليعلن عدم رضاه لما يجري من محاولات تغيير لنمط الحياة والمنحى الثقافي العام والسائد في البلاد على يد فريق ديني معين..

ربما شعر بعض المسلمين انهم مستهدفون مباشرة في هذا النوع من المظاهرات، وهم على حق في ذلك. لكن لندع التشنجات جانباً ونتساءل : ما الذي يدفع فريق داخل المجتمع الاسترالي المنفتح والمتسامح ان ينحو نحو «التطرف» وهي صفة مرفوضة ثقافياً وقانونياً، رغم حق التعبير وحق التظاهر؟؟

وهل بالامكان ان نفصل ما يحدث في الشرق الاوسط على يد «داعش» التي يعتقد 45 بالمئة من المجتمع الاسترالي انها تشكل طليعة القلق والمخاطر على السلم الاهلي ووحده المجتمع التعددي؟

هل بالامكان ان نعزل ما ترتكبه تنظيمات وقوات «داعش» من اعمال قتل وذبح واغتصاب واستيلاء علىاملاك وارزاق الآخرين، وبيع النساء والاطفال ونحر الرقاب باسم الدين غير منفصل عن ردود الفعل في ذهنية المواطن في العالم الغربي؟

ربما المقصود احداث شرخ في التركيبة الاجتماعية داخل الدول الغربية هو المقصود. لذا يجري انتاج افلام الفيديو حول التفنن في الاعدامات وتصوير مشاهد تفجير الآثار التاريخية والدينية ونشرها مداورة على شبكات الانترنيت لكي يراها سكان العالم ويدبّ الذعر في نفوس البعض ومشاعر الكراهية والغضب والخوف من هذا «البعبع الاسلامي» الذي يهدد السلم العالمي من خلال تجييش مسلمي العالم ضد البلدان التي يعيشون فيها ويستفيدون من خيراتها؟؟

مَن نلوم؟ أنلوم المواطن المسالم الذي يرى المآثم الكثيرة التي ترتكب بحق الابرياء العزل في الشرق الاوسط وبحق مَن يختلفون عن «داعش» في العقيدة والايمان والممارسة؟ آلا يتتساءل اي انسان عاقل حول ما يمكن ان يحدث في حال ارادت مجموعة ان تقتدي باعمال مقاتلي «داعش» وتنفذ  اعمالاً ارهابية عن طريق القتل الفردي وجزّ الرقاب واستخدام اسلحة تقليدية يسهل نقلها؟؟

لا اعتقد ان ما يحدث على الساحة الاسترالية من اعتقالات لارهابيين او لداعمي الارهاب وللمئات ممن يرغبون الانتقال الى الشرق الاوسط للقتال الى جانب فريق من الاطراف المتنازعة تذهب عبثاً ولا تؤثر في السلوك العام وفي الوعي الجماعي للاستراليين

ان حادثة المارتن بلايس اعادت تذكير الاستراليين بخطورة الارهاب الداخلي  كما ارجعتهم الى حوادث بالي الارهابية  التي حصدت مئات القتل من الاستراليين.

وباعتقادي ان ما يزيد الاوضاع خطورة هو الانقسام السياسي والمذهبي في صفوف المسلمين. منهم مَن يرفض التطرف ويخشى الاعلان عن موقفه لاعتبارات شخصية، وآخرون يعتبرون استراليا هي وطنهم، لكن دون الافصاح عن ذلك لاعتبارات مذهبية.

ان غياب الموقف الموحد لدى المسلمين واستمرار الازمة في الشرق الاوسط، وهي على ما يبدو طويلة وستزداد تأزماً، قد يؤدي ذلك الى المزيد من الانطواء والابتعاد عن المجتمع الاسترالي، كما قد ترفع هذه العوامل من حدة التطرف داخل المجتمع ككل.

فالمطلوب الآن الكثير من الحكمة والمزيد من التروي وظهور مجموعة واعية تضم مسوولين  من مختلف المذاهب والتيارات السياسية تعمل على جبهتين: استيعاب التطرف  لدى الاقلية من المتهوسين، وفتح حوار صادق، ليس للدفاع عن الاسلام والمسلمين بل لخلق حالة من الحوار الموضوعي لمعالجة كل خلل طارئ والتعاون مع المؤسسات الحكومية لضبط العناصر المتطرفة.

لأنه افضل للجميع ان يضحى بأقلية متطرفة لحماية الجماعة والمجتمع ككل. فالمطلوب الآن قيادة اسلامية غير تقليدية لمعالجة ظروف  غير طبيعية وشديدة الخطورة.

والعبرة لمن يعتبر..؟؟

pierre@eltelegraph.com