يعرف ان المجتمعات الشرق اوسطية تولي اهمية قصوى للشرف والاخلاق والسلوك الاجتماعي المقبول من الآخرين.
وكم من العداوات خلقت بسبب «المساس» بشرف شخص ما لأن في ذلك مساس بشرف العائلة والاقارب و«القبيلة»..
وكم من الجرائم ارتكبت لتحصيل الشرف، وكم من النساء جرى تصفيتهن لأنهن وقعن بعلاقة عاطفية لا ترضى عنها العائلة، او لأن احد ما وجه اتهامات قد تكون باطلة، فأثارت ردود فعل عنيفة تجاه الابنة او الاخت او الزوجة تحصيلاً للشرف ولمحو العار…!!
ورغم عدم موافقتي على هذه التصرفات ورفضي لها كظاهرة اجتماعية متطرفة لا تحترم الحرية الشخصية وخيارات الافراد، اسأل اليوم جميع الجاليات الشرق اوسطية في استراليا من مسلمين ومسيحيين، اسألهم اين الشرف؟ واين المواقف التي يجب ان يتخذوها كأفراد وكمجموعات اثنية ودينية للحفاظ على الشرف؟
ليس فقط شرف افراد في العائلة، ولكن الشرف في حماية العائلة بكاملها، وحماية المبادئ الاخلاقية التي تحفظ تكوينها ووحدتها وغاياتها واهدافها البشرية والاخلاقية والطبيعية؟؟
كما هو معروف نحن مجتمع تعودنا على احترام الزعامات والتبجيل لها ورفعها على الراحات في كل مناسبة. فلا تحلو حفلاتنا ومناسباتنا الا بوجود نائب المنطقة او زعيم سياسي او ممثل حزب او من عضو صغير في البلدية. ولا تكتمل مناسباتنا وافراحنا الا بوجود زعيم ما او رئيس بلدية او ضابط في شرطة المنطقة يجلس على طاولة الشرف.. ونصفق له طويلاً عندما يلقي كلمة، يكررها في معظم الحالات في كل المناسبات المماثلة، وسنة بعد سنة.. يبدل الاسماء والالقاب، لكن تبقى الكلمات هي نفسها، جوفاء، يضجر هو نفسه من تكرارها.. ونحن نصفق ونفرح ونأخذ له الصور ومعه لنشرها في الصحف المحلية.. ونفاخر انه يساهم بحضوره وصوره معنا في اعلاء شأننا ومركزنا الاجتاعي واستعادة كرامتنا و… شرفنا..؟؟
اتذكر مرة سألني رئيس حكومة الولاية الاسبق باري انزوورث، وكان صديقاً مقرباً من سيادة المطران عبده خليفه، رحمه الله قال لي: انني احضر اسبوعياً مناسبات وحفلات لبنانية. آت واتناول الطعام القي كلمة واذهب الى منزلي.. وعلّق قائلاً: انني كرئيس حكومة الولاية وخلال كل هذه اللقاءات لم يسألني مرة واحدة اي لبناني، افراداً ومؤسسات، ماذا تريدون مني وما هي مطالبهم..؟؟ انه لأمر محيّر..؟؟
بالأمس، وخلال كلمة العظة التي القاها الأب يوسف سليمان رئيس دير مار شربل بمناسبة قداس السنة عن نفس المرحوم اخي نلسون، اعتقد ان باري انزوورث تلقى جواباً على تساؤلاته التي طرحها عليّ في مطلع الثمانينات.. جاءه الجواب واضح وشديد. كلمات مقتضبة، فيها اكثر من رأي سياسي. انه يطرح توجهاً في المواقف، اذا التزم به المسيحيون والمسلمون على حد السواء، يظهرون على الاقل مستوى عالٍ من الوعي السياسي الملتزم بالاخلاقيات والكرامات والشرف الذي نسعى جميعاً للحفاظ عليه دون اللجوء الى العنف والتطرف…
قال الأب سليمان: «بعض السياسيين الذين يزورون مار شربل والكنائس المارونية في المناسبات ويجلسون في الصفوف الامامية، يذهبون بعدئذ ليتخذوا قرارات تتعارض مع تعاليم الكنيسة والمثل الاخلاقية المسيحية… والمنحى الطبيعي لها…
وبامكاني ان اتصور رجال دين من مذاهب وديانات اخرى يكررون نفس القول ويدعون الى مقاطعة هؤلاء، لأن مواقفهم فيها الكثير من التكاذب والرياء والاستخفاف باخلاقياتنا الشرق اوسطية.
ردّد الأب سليمان هذا الكلام ليعبر عن استيائه من هذا النوع من السياسيين المراوغين.. ربما هم معذورون لكثرة غبائنا وقلة ادراكنا لما هو مهم وما هو اهم وما هو ضروري والزامي ولا يتقبل المتاجرة..
اليوم يتصارع فريقان سياسيان على الساحة الاسترالية. فريق يريد تشريع زواج المثليين واعادة تحديد الزواج على انه علاقة عاطفية بين راشدين، بغض النظر عن جنسهما، اي بامكان الرجل ان يتزوج من آخر او بمقدور امرأة ان تعقد قرانها من امرأة اخرى، ويكوّنان معاً اسرة لها كامل الحقوق كأي زوجين. ويقود حزبي العمال والخضر هذا الفريق .
اما الإئتلاف فيعارض هذا التغيير وتشريع زواج المثليين. لأن الزواج هو بين رجل وامرأة وعكس ذلك هو غير صحيح او مقبول لأنه يتعارض مع الطبيعة وشريعة الحياة والقيم الدينية والاخلاقية.
اعتقد ان الأب سليمان يدرك ما يقول ويعي خطورة هذه المرحلة التي لا تتحمل التأويل او تتوقف على منحة او خدمة او مساعدة مالية. هذه المرحلة هي الاخطر في تاريخ استراليا وهي الاخطر على العائلة والايمان والاخلاق.
انه بكل بساطة لن يرحب مجدداً بهؤلاء السياسيين الذين يبيعوننا كلاماً فارغاً ويعملون على تدمير كل المثل والأسس الايمانية من خلال تدمير العائلة، وهي حسب مفهومنا وتقاليدنا الاجتماعية مصدر شرفنا وديمومتنا حسب تقاليدنا الشرق اوسطية.
ألم نرتكب الجرائم للحفاظ على «صيت» عائلاتنا؟ ألم نقتل لحماية شرفنا وعرضنا وما يشتق عنهما من اهانات وتحقير و…
اليوم يريد بعض السياسيين التعرض لهذه الكرامات، لمصدر الشرف والاخلاق والايمان لدينا.. فهل نثأر لهذه التعديات الخطيرة من خلال اتخاذ مواقف صريحة من جميع السياسيين الذين يؤيدون مشروع قانون زواج المثليين واعادة تحديد العائلة، ام اننا نتابع التصفيق والهتافات لمن يطعنونها في صميم القلب؟
فأين الشرف يا اهل الشرف؟!