عباس مراد
قبل اسبوعين فجّرت صحيفة ذي سدني مورنيغ هيرالد فضيحة التسريبات الحكومية بعد ان نشرت تفاصيل جلسة مجلس الوزراء المتعلقة بالنقاش الحاد الذي دار داخل الإجتماع حول المسألة المثيرة للجدل والمتعلقة بسحب الجنسية الأسترالية من الأستراليين المشتبه بقيامهم بنشاطات ارهابية، ومنح صلاحيات اضافية تقديرية لوزير الهجرة بدون العودة الى القضاء.
وقد وصف وزير العلاقات الصناعية إيان ماكفرلين التسريبات بأنها دقيقة وكأنها منقولة حرفياًّ! ودعى الوزير المسرّب او المسربين للأستقالة من الحكومة اذا كانت لديهم نية للإستمرار في هذا النهج (سدني مورينغ هيرالد 04/06/2015 ص 6)، بدأت القصة عندما طرح رئيس الوزراء طوني ابوت مسألة سحب الجنسية الأسترالية من غير حاملي الجنسية المزدوجة من خارج جدول مجلس الوزراء، وهذا ما فاجأ الوزراء الذين لم يكونوا على اطلاع على الموضوع مع العلم بأنه كان هناك اتفاقاً ضمنياً على سحب الجنسية من حملة الجنسية المزدوجة رغم بعض المحاذير القانونية سواء كانت متعلقة بالقوانين الاسترالية اوالتزامات استراليا الدولية.
حسب التسريبات، طرح الموضوع بتلك الطريقة أثار حفيظة ستة من الوزراء، وزيرة الخارجية جوليا بيشوب التي اعتبرت انها خُدِعت لعدم اطلاعها على الموضوع مع انها عضو في مجلس الأمن القومي، وزير الزراعة ونائب رئيس الحزب الوطني بارنبي جويس قال اذا لم يكن هناك ادلة كافية لإدانة المشتبه بهم في المحاكم فكيف يمكن ان نحصل على ادلة كافية لسحب جنسياتهم.
وزير الإتصالات مالكوم تبرنبول قال في تصريحات حول الموضوع جاءت تأكيداً لمواقفه داخل مجلس الوزراء، وتحدث عن الديمقراطية وحكم القانون والأمن القومي معتبراً ان الديمقراطية ليست اكثرية تستطيع فعل كل ما ترغب به، هذه ليست دميقراطية، مضيفاً بأن الديمقراطية الصحيحة هي الحكم حسب القوانين المرعية، وديمقراطيتنا تتعزز بالعملية الإنتخابية التي تفرز اكثرية واقلية عبر صناديق الإقتراع، واحتواء هذه الأكثرية بأن تلتزم بالقانون، واعتبر تصريحات بعض نواب المقاعد الخلفية بإتهامه بالخيانة مسيئة، وردد نفس الموقف الذي اتخذه داخل مجلس الوزراء حيث قال: يجب احترام القوانين المرعية ويجب على الحكومة ان لا تمنح نفسها صلاحيات شديدة القسوة (دراكونية) لسحب الجنسية بأمر وزاري (س م ه 04/06/2015 ص 6). ومن الوزراء الذين كان لهم مواقف متحفظة ايضاً، وزير الإدعاء العام جورج برندس ، وزير التعليم كرستوفر باين ووزير الدفاع كيفن اندروز. اما وزير الخدمات الإجتماعية فكان له موقف آخر اذ دعى الى سجن المشتبه بهم وتجريدهم من بعض حقوقهم المدنية. وكان الملفت للنظر موقف السنتور المحافظ كوري برناردي الذي ابدى خشيته من هذه الصلاحيات الإضافية حيث قال: من ناحية مبدئية، اعتقد انه لمن الخطأ الكبير ان نسحب الجنسية من الأفراد الذين يحملون الجنسية الاسترالية فقط، خصوصاً اذا قررنا ذلك بدون العودة الى القضاء ومن خلال قرار وزاري تعسفي (س م ه 08/06/2015 ص 16).
وزيرة الهجرة السابقة في حكومة جان هاورد الاحرارية اماندا فانستون شنت هجوماً عنيفاً على الطريقة التي تتعامل بها الحكومة مع مسالة سحب الجنسية من المشتبه بتورطهم باعمال ارهابية من خلال منح وزير الهجرة صلاحيات تقديرية دون مراجعة قضائية ورات ان الحكومة تظهر سوء فهم عميق لطريقة عمل النظام الديمقراطي الغربي ووصفت فانستون هذه الخطوة بالغبية.
رئيس الوزراء والذي تلقّى دعم نواب المقاعد الخلفية، والذين وقّع 43 منهم عريضة تطلبه بالمضي قدماً في المشروع، حذّر من تداعيات شخصية وسياسية على المسرّب او المسرّبين لمحضر جلسة مجلس الوزراء، وكان التشدد ظاهراً في مواقف بعض النواب حيث ذهب بعضهم الى اتهام المعتدلين خصوصاً وزيرة الخارجية جوليا بيشوب ووزير الاتصالات مالكوم تيرنبول بالتساهل والضعف في القضايا المتعلقة بالأمن القومي ولا يصلحان للقيادة!
هنا يتبادر للذهن السؤال المحوري، من سرّب وما هي الأهداف من وراء التسريبات المكتومة النفوس حتى الآن، من المستفيد ومن المتضررمن هذه التسريبات؟ وهل هي استمرار الصراع على السلطة داخل حزب الأحرار او لتحسين شعبية الحكومة على المستوى الوطني من خلال اظهار تشددها بقضايا الامن بعد فشل سياستها المالية والإقتصادية؟
حتى تاريخ كتابة هذه المقالة نفى اربعة من الوزراء علاقتهم بالتسريبات وهم جوليا بيشوب، مالكوم تيرنبول، بارنبي جويس وكرستوفي باين.
من خلال ما تقدّم، وموقف نواب المقاعد الخلفية لحزب الاحرار، يبدو ان هناك استهداف بشكل او بآخر لكل من بيشوب وتيرنبول لأنهما البدائل المحتملة لخلافة ابوت على زعامة الحزب من خلال اتهامهم بالضعف، وإظهار ابوت على انه اكثر حرصاً على الأمن الوطني، علماً ان معظم نواب المقاعد الخلفية الذين يدعمون ابوت حالياً كانوا قد وقفوا ضده عند تحدي زعامته اوائل العام خوفاً من خسارة مقاعدهم. أذاً فما المانع من ركوب موجة التخويف التي تدرّ المزيد من الأصوات في صناديق الإقتراع، ولا يشذّ عن هذه القاعدة رئيس الوزراء نفسه الذي يعرف حق المعرفة ان سحب الجنسية من افراد سواء كانوا من حاملي جنسيتين او جنسية واحدة مربحة انتخابياً، لذلك لن يتوانَ للحظة واحدة من استخدام هذه الورقة ضد خصومه الحزبيين، او على المستوى الوطني ضد المعارضة الفيدرالية الغائبة عن السمع ولنفس الأسباب خوفاً من ان تتهم بالتهاون بقضايا الأمن القومي، حيث لاحظنا كيف وافقت المعارضة على تمرير كل القوانين المتعلقة بقضايا الإرهاب مما ادى الى تعطيل دور مجلس النواب المفروض ان يدقق بالمشاريع واخرها المتعلقة بسحب الجنسية التي ما كنا لنعرف ماهيتها لولا انتفاضة الوزراء الستة داخل مجلس الوزراء، هذا مع العلم بأن المعارضة طالبت رئيس الحكومة باحالة مسالة تسريبات محضر مجلس الوزراء للشرطة الفيدرالية للتحقيق فيها لانها تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن لمدة عامين خصوصاً اذا ما كان الأمر يتعلق بقضايا الأمن القومي، وحسب بعض المعلّقين ان موقف المعارضة هو لتسجيل موقف كعملية رفع عتب لأنها اي المعارضة قد تصل الى السلطة في المستقبل ولا تريد ان تشكّل سابقة قد ترتد عليها مستقبلاً .
من جهته زعيم المعارضة بيل شورتن ركّز على الإنقسام الحكومي وراى ان تفاقم الانقسام داخل الحكومة دليل على انها حكومة لا يمكن للأستراليين الثقة بها وشبه ما يحصل بالحرب الاهلية داخل حزب الاحرارواتهم الحكومة بتعمد التسريبات من اجل استغلال المسالة سياسياً ضد خصومها.
وفي المواقف من تلك التسريبات وقضية سحب الجنسية، رأت رئيسة مفوضية حقوق الإنسان الأسترالية جيليان تريكس والمغضوب عليها اساساً من الحكومة التي طالبتها سابقاً بالإستقالة من منصبها لمواقفها من قضايا اللاجئين، اعتبرت تريكس ان منح صلاحيات إضافية لوزير الهجرة بدون ضوابط قانونية وتدقيق تعتبر تهديداً للديمقراطية ( س م ه 06-07/06/2015 ص 11).
وفي عددها يوم 08/06/2015 نشرت الصحيفة ذاتها مقالاً للمحامي تيم ديك بعنوان :خطة الوزير داتن لسحب الجنسية يمكن ان تشكل على حريتنا خطراً يماثل التهديد الإرهابي نفسه.
صحيفة سدني مورنيغ هيرالد وفي افتتاحيتها 02/06/2015 ص 16، وصفت اقتراح ابوت لسحب الجنسية بالمسخرة ورأت الصحيفة ان استعمال ورقة الإرهاب والجنسية يظهر ذكاءّ سياسياً، ولكن ما هي كلفته على حكم القانون في استراليا والتماسك الإجتماعي ناهيك عن مصداقية الحكومة ووحدتها.
ومن هنا حتى تنجلي غيوم التسريبات وبعرف الجاني، هناك أشياء اصبحت مؤكدة، ان ازمة عدم الثقة ما زالت تسري في عروق حكومة ابوت، في الوقت الذي تعتبر فيه استراليا بأمسّ الحاجة الى حكومة تعمل على تعزير الأمن القومي بجوانبه الإقتصادية، الإجتماعية، المالية والإنسانية كما الأمنية.
الشيء الثاني، الذي اصبح مؤكداً ان قضايا الأمن القومي دخلت زواريب السياسة الضيقة وبزار الإنتخابات وكسب الأصوات للإحتفاظ بالسلطة، وهذا ما يؤكده كلام وزير الهجرة بيتر داتن الذي اعتبر ان رئيس الوزراء خرج اقوى من ازمة التسريبات، ورأي داتن ان ابوت حسن موقعه بعد ان تم نشر خبر الإنقسام حول سحب الجنسية، وحسب ما قال للقناة التلفزيونية العاشرة ونقلته (س م ه 08/06/2015 ص 7) والملفت للنظر ان الوزير لم يستطع ان يشرح لماذا تم تكليفه هو وليست المحاكم بسحب الجنسية من المشتبه بهم؟
أخيراً، كيف ستكون ردة الفعل لدى المواطنين عندما معرفة المسؤول عن التسريبات المكتومة النفوس التي لم يتبناها احد حتى تاريخه على زعامة ابوت بشكل خاص والحكومة ومصداقيتها بشكل عام؟