سامر حنا ترزي-غزة

لا يعرفون أنفسهم مشوشين،  متصارعين،  يتهمون بعضهم البعض بالخيانة والعمالة،  نعم يحزٍّبون الفقراء مستغلَّين حاجتهم للقمة العيش،  مطلقين شعارات وأهداف خدّاعة منها سياسية ووطنية ودينية، ومنها اقتصادية ، وكلها تبشرهم بحياة كريمة وعدالة اجتماعية وحريات وديمقراطية وحرية التعبير، ولكن في الحقيقة هي إخماد لأصواتهم، ساعين لطمس بصيرتهم (الشعب الفقير) وإطفاء نور عقولهم وتوجيه حركاتهم وضبط أذواقهم وجعل الجري وراء سد اضعف الاساسيات للقمة العيش تستحوذ على عقولهم وتقتل كل ابداع لهم وتنال من حرية الفكر وحتى مجرد التفكير بواقعنا الأليم والشعور بالغضب والملل ….أصبحت الأشياء والطعام والملابس والأفكار في عالمنا كلها عنصرية، حزبية، قبلية.

إن حالة الصدام الدائم في حياتنا اليومية، اضافة إلى ما يبثه  الإعلام السلبي من سموم، ذلك الإعلام الذي غالبا ما يُستخدَم ويُموَّل من قبل أحزاب وجهات تخدم مصالحها الحزبية والعنصرية والطائفية، وظهور أيدلوجيات مختلفة، وتنامي دول أقليمية ودولية، والهيمنة الامبريالية الأمريكية، واسرائيل التي تتغنى بالتعددية الثقافية والحريات، إنهم يهيمنون على الآلة الإعلامية الغربية الأحادية القطب التي أدت إلى المزيد من الإنقسامات داخل المجتمعات التي اصبحت رهينة لقيادات في المنطقة، يتحكمون بالمجتمعات التي لا يستطيعون أن يوفروا لها أدنى الاحتياجات والخدمات اليومية .

تلك القيادات تعتمد على التسول فيما يخدم مصالحها الشخصية والخاصة، ويقسمون المجتمع حسب الحزب والنوع والطبقة الأيدلوجيا،  والفقر هنا سيد الموقف  دون الأخذ بعين الاعتبار ما يجري للوطن أو لقيمة الإنسان فيه .

إن هذا الاختلاف والخلافات فيما بين القيادات جعلتنا أداة سيطرة بين أطراف إقليمية متنازعة، وقد استغلت اسرائيل ذلك بتنمية خطابات ايدلوجية وتضخيمها بما يخدم الانقسامات والتفتيت بداية من الانقسام الفلسطيني الى ما يجري في الدول العربية،  بدعم طرف على حساب طرف،  مما يؤجج الصراع،  ودعم التطرف والارهاب بعدة مناطق بما يخدم مصالح أمنها الاستراتيجي وهيمنتها الأمريكي صهيونية وتحالفهم مع البترودولار، نعم لقد أعدو لنا مسبقا بما أرادوه لنا من استغلال،  لنصبح مستهلكين مسلوبو الإرادة والذات، لقد خططوا ودرسوا ، يَفهموننا يُحرّكوننا يتحكمون بنا، اصبحنا غير قادرين على المقاومة حتى المقاومة أصبحت بالشكل الذي أرادوه بما يعزز مكانتهم امام المجتمع الدولي.

إن كل ما سبق قد أثر علينا من كل النواحي الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية،  كلها ممارسات تشكلت لتدمير حياتنا اليومية التي أصبحت مستحيلة  بسبب قيادات فاشلة بالإضافة للنظام الإعلامي العربي الموجود حاليا وهو موروث اعلامي استعماري،  لم يستطع حتى اللحظة تحديد هويته الثقافية والعربية والتي تعبر عن وضعه الاجتماعي وحريته الانسانية،  ولم يقدم رؤى جديدة تساعدنا في فهم التغيرات والتطورات المستمرة حول العالم،  ولكن بالرغم من الحقيقة الواضحة تماما ورغم الفقر المقدع وعدم الاستقرار والظروف المزرية، ما زال لدينا الموهوبون والمثقفون والمبدعون والمخترعون والاقتصاديون والسياسيون لذلك يجب استغلال تلك الطاقات والابداعات، للتخطيط السليم لتكون نقطة لقرارات حرة ومجتمع يتمتع بالتعددية الفكرية والثقافية من أجل هدف بنّاء وهو بناء وطن يجمعنا لا وطن يفرقنا، أن نعمل معا يد بيد وليس اقصاء الاخر وأن نكسر قواعد الهيمنة بجميع أشكالها ، وأن نزرع الوعي الثقافي والتعددي الوطني التحرري،  بدلا من الوعي المقدس الذي فرض علينـا، ومن هنا تبدأ المقاومة الحقيقية على جميع أشكالها ونحصد انتصارات حقيقية بدلا من إنتصارات وهمية سواء سياسية لم تأت بثمارها على أرض الواقع، أو انتصارات مقاومة لم تأت بثمار سياسية أيضا وكلاهما أعطى نتيجة متشابهة دون جدوى ووضع أمتنا العربية والإسلامية في ظروف أصعب وأشد حلكة وظلاما.