فاطمة مارديني -نيوكاستل

كنت دائما أحلم بالحصول على جنسية غربية , وثيقة أعبر من خلالها الى وطني فلسطين , لأرى مسقط رأس أجدادي , لأرى قريتي التي لم أملّ من حكايات جدتي عنها , حتى صرت أرى أهلها وجاراتها في مناماتي الطويلة , وأشم رائحة تربتها  زيتونها وزعترها في أزقة بيروت حيث ولدت وترعرعت  . كانت  كاترينا هدية أرسلتها السماء الى معذب في الارض , الى مهاجر ابدي على حدود الاوطان  , مثقفة جميلة والأهم تعاطفها مع قضيتي . تزوجتها  رغم عدم تشجيع أهلي وعدم ممانعتهم  في نفس الوقت, كان زواج مصلحة بالنسبة اليهم , فكاترينا ستعطيني جنسية يحلم بها الكثير من الفلسطينيين ويغرق يوميا  بسببها المئات من اللاجئين العرب  في المحيطات.

لم أبال  بمعارضة أهلها العنصرية   , أنتمي بنظرهم  الى شرق الظلام والتخلف والى  « أمة الارهاب « والى دين العنف والقتل والسبي. وضعت نصب عينيي هدفا واحدا , الجنسية والاستقرار في استراليا. حاولت أن أتكيف مع حياتي الجديدة , كزوج ومقيم في بلد لا أعرف قوانينه وعادات وتقاليد سكانه . كانت مهمتي صعبة , كنت أقف لأدافع عن شرقيتي وعروبتي واسلامي .  يوميا كنت موضع اتهام من صديقاتها واصدقائها , وأسئلة تبدأ عما اذا كنت  أؤيد القاعدة في حربها على الغرب, وما رأيي بالعمليات الاستشهادية « الانتحارية « كما يسمونها  ضد الاسرائيليين , و تنتهي عند اذا كان المسلمون ينوون أسلمة العالم  .

كنت أشعر بالقلق قبل موعد نشرات الاخبار وما ستحمله عن الشرق الاوسط , وكانت المصيبة الكبرى اذا حصلت أية عملية ارهابية ضد المصالح الغربية في اوروبا أو استراليا , كنت مطالبا حينها بمحاضرة عن الاسلام وانه دين سلام ولا علاقة لديننا بهذه العمليات .  أما اذا كان الخبر هو عن خطف أب عربي لأولاده من امرأة استرالية , كانت كاترينا لا تتفوه بكلمة ,رغم الاتهامات الصامتة في عينيها , خوفا على»أولاد « لم ننجبهم بعد .

تحاملت على نفسي , وأقنعت كاترينا بزيارة لبنان , للتعرف على عائلتي , كانت الخطوة الخطأ التي دفعت ثمنها لاحقاً . لم أكد ألتقط أنفاسي من عناء السفر حتى  بدأت أمي  تردد على مسامعي أسماء الصبايا الجميلات في العائلة,  ووجوب التعرف إليهن , لاختيار زوجة المستقبل . لم تعير  كاترينا  الجالسة الى جانبي أي اهتمام , لاعتقادها أنها لا تجيد اللغة العربية , ولكن كاترينا كانت  تفهم بعض الكلمات والجمل العربية ,تعلمتها من معلمة لبنانية في استراليا , مما أثار امتعاضها وتوجيه كلمات قاسية الى أمي , التي لم  تعدم وسيلة لتظهر عدم ترحيبها بكاترينا كزوجة لابنها المدلل . حتى أن نساء العائلة تبارين  في استعراض بناتهن امامي, وأصبح الامر كأنه منافسة للفوز  بعريس مغترب»لقطة «!  .  لم يعرفوا أنني أعيش في بيت زوجتي وأنني اعتمد عليها في الكثير من مصاريفي , وانني لم أحصل على الجنسية  بعد. اصدقائي الرجال  لم يكونوا أفضل , عاملوها  كأنها عشيقتي , ولم يبخلوا علي  بسرد تجارب عن  زواجات فاشلة بين شبان عرب وغربيات , ناصحين  بأن تركها سهل وهي لن تجد صعوبة في العثور على رجل آخر , هذه هي نظرتهم لنساء الغرب, نساء بلا مشاعر ولا احاسيس ومن رجل لآخر , لا يصلحن كربّات بيوت أو أمهات صالحات لأولادنا .

تجدد العراك بيننا  فور عودتنا الى استراليا , فكنا نتشاجر  على كل شيء , بدءاً من تنظيف البيت الى سهري في الخارج مع اصدقائي حتى وصل الامر بها الى  التجسس على مكالماتي الهاتفية وصفحتي على الفيس بوك , واتهامها لي  بمصاحبة نساء آخريات, وتبذير اموالها عليهن . وعندما رفعت صوتي عليها هددتني بالشرطة  قائلة « نحن هنا في استراليا وليس في لبنان , القانون يقف الى جانب المرأة , انتبه !». وأتى الطلاق ليضع حدا نهائيا لمشاجراتي معها, ولينهي  المشاحنات بين  «نحن « يعني الغرب بحضارته وتقدمه وتفوقه  و «أنتم « يعني الشرق بكل تخلفه ورجعيته وجهله وفقره.