مع بدء «اجازة» قسرية للحكومة، يستبعد ان تنتهي في وقت سريع ما لم تطرأ تطورات غير محسوبة، حرك قرار رئيس الوزراء تمّام سلام تعليق جلسة مجلس الوزراء هذا الاسبوع لعدم دعوته اليها تحركات ووساطات سياسية مكوكية تهدف الى تجنب اطالة هذه «الاجازة» التي اريد منها ابعاد محاذير اخضاع الحكومة لاختبار يصعب اجتيازه تحت وطأة الشروط غير القابلة للتنفيذ.
لكن تعليق الجلسة هذا الاسبوع تحديداً لا يعني على ما يبدو ان ثمة مؤشرات تبشّر اقله حتى الآن بانتهاء أزمة ملف التعيينات الامنية والعسكرية التي يتمسك «التيار الوطني الحر» ببتها أولاً ورفض اقرار أو مناقشة أي بند آخر في مجلس الوزراء. وهو الامر الذي برز من خلال تلميح البعض ولا سيما منهم وزير الصحة وائل ابو فاعور الى احتمال تمدد فترة تعليق الجلسات الى ثلاثة أسابيع كفترة اختبارية، فيما يراهن بعض آخر على نجاح وساطات في ايجاد مخرج يسمح بعقد جلسة الاسبوع المقبل.
وأمام هذا المشهد الحكومي برزت مخاوف جديدة – قديمة من تشابك الخسائر وتزايدها وسط تمدد الشلل الى العمل الحكومي بعد الشلل النيابي، وقبل هذا وذاك تمادي ازمة الفراغ الرئاسي بما يهدد بتفاقم خطير على كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية جراء مسارات الفراغ والتعطيل والشلل. وليس أدل على هذه الاخطار من معلومات توافرت من مصادر نيابية بارزة ورجّحت إجراء إتصالات مع المرجعيات المالية الدولية والاقليمية وخصوصاً البنك الدولي من أجل تعديل آجال المصادقة على القروض المقررة للبنان والتي تقدّر بمئات الملايين من الدولارات وذلك بعد عجز مجلس النواب عن الانعقاد في جلسة عامة بسبب المقاطعة المسيحية لجلساته وانصرام مهلة العقد العادي للمجلس في نهاية ايار الماضي. وستتركز الاتصالات على تأجيل آجال المصادقة أربعة أشهر على الاقل ريثما تبدأ الدورة العادية الثانية للمجلس في تشرين الاول لئلا يحرم لبنان الحصول على هذه القروض وتحويلها الى دول اخرى. ومعلوم ان في مقدم القروض ما يتعلّق بسد بسري والمقدر بـ 600 مليون دولار وهو المشروع الذي نوّه به وفد كتلة «المستقبل» بعد لقائه امس رئيس المجلس نبيه بري.
برّي – عون
أمام هذا الانسداد الحكومي ? النيابي المزدوج، تحركت بعض قنوات الاتصالات والمشاورات وزار النائب ابرهيم كنعان الرئيس بري موفداً من رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون. وأبلغت مصادر قريبة من اللقاء ان البحث كان ايجابياً وترك انطباعات مريحة وطرحت خلاله اسباب الازمة الحكومية، فأكد بري انه مع تعيين القادة الامنيين والعسكريين وليس مختلفاً مع «التيار الوطني الحر « على هذا المبدأ، لكن الخلاف هو على اسلوب المواجهة. ورد كنعان بأنه لم تعد ثمة خيارات الا المواجهة بعدما ضاقت الخيارات. وقالت مصادر «التيار» إن هذا اللقاء يندرج ضمن إطار اللقاءات التي يعقدها «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» بعد «اعلان النيات» بينهما لشرح الإعلان وأبعاده الوطنية والبحث في سبل ترجمته مسيحياً، لكنه استتبع بنقاش في شأن كل الملفات المرتبطة به كملف الرئاسة والتعيينات والحكومة وقانون الانتخاب، «اذ انها كلها متصلة بهذه الحقوق المسيحية التي يعتريها خلل كبير منذ الطائف حتى اليوم».
وأوضحت المصادر نفسها انه كان توافق على التوصيف، خصوصاً ان بري رحب بالتفاهم بين كل المكونات المسيحية واعتبره خطوة مهمة على الصعيد المسيحي والوطني تريح لبنان كثيراً في هذه المرحلة التي يمر بها. كما حصلت مصارحة خصوصاً بعد التمايز بين بري وعون في ملفات التعيينات وتشريع الضرورة، وتقول المصادر إن اللقاء اتجه الى مسببات الأزمة «اذ ان المسيحي يشعر بأنه غير مشمول لا بالدستور ولا بالشركة ولا بالميثاق من الطائف الى اليوم، وهذا الامر في حاجة الى معالجة كي نصل الى رئاسة قوية وميثاقية والى تعيينات تؤمن مناصفة فعلية ميثاقية دستورية وكيانية. كما نوقشت الأساليب والمآخذ عليها، لذا كان اتفاق على متابعة اللقاء في الأيام المقبلة».
«المستقبل « وعرسال
في غضون ذلك، تناول اللقاء الآخر الذي جمع الرئيس بري ووفداً من كتلة «المستقبل « موضوعي عرسال والوضع الحكومي الناشئ، علما ان زيارة الوفد لعين التينة جاءت ضمن جولة له شملت أيضاً الامانة العامة لقوى 14 آذار ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وخصصت أصلاً لاثارة هواجس كتلة «المستقبل» حول وضع عرسال.
وعلم أن وفد «المستقبل» عرض على من التقاهم من السياسيين بالتفصيل الوضع في عرسال وإصرار الأهالي على التمسك بالجيش اللبناني والدولة على رغم كل ما يعانونه حياتياً وأمنياً، مبدياً مخاوف من رهانات وتطلعات محتملة لدى بعض الجهات التي تسعى ربما إلى فرز تقسيمي، أو ضرب البلدة لأسباب تتعلق بوضع النظام السوري وحساباته المتداخلة مع حسابات حلفاء محليين له، الأمر الذي يمكن أن يفجر لبنان بأكمله والضغط في الوقت نفسه على الجيش وقيادته والتشكيك فيهما لأسباب باتت مكشوفة، مروراً بأخطار ظهور ميليشيا أو أكثر من طفّار في بعض المناطق البقاعية.
كما شرح الوفد أن وضع عرسال بات أولوية ملحة وتداول مع من اجتمع معهم آراء في سبل حماية عرسال وأهلها من خلال التمسك بالجيش وحده لحماية الحدود وأمن اللبنانيين والتنسيق أكثر فأكثر مع المؤسسة العسكرية، وأيضاً المطالبة بمساعدة المجتمع الدولي لضبط الحدود وفقاً للقرار 1701 الذي يؤمن هدوءاً تاماً بموافقة «حزب الله» على الحدود الجنوبية للبنان.
وبرز على هامش هذه الجولة رد النائب احمد فتفت من معراب على تصريح لنائب الامين العام لـ»حزب الله « الشيخ نعيم قاسم امس اعلن فيه انه «أمام الفريق الآخر خياران: إما انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية وإما الفراغ الى أجل غير مسمى». واعتبر فتفت في رده ان «أكبر المنزعجين من كلام قاسم يجب ان يكون العماد عون لأنه اذا كان ثمة امل لدى عون فاعتقد ان قاسم حرقه اليوم بما قاله».
نداء البطاركة
الى ذلك، انتهت قمة بطاركة الشرق التي انعقدت في الكنيسة المريمية بدمشق بتوجيه نداء الى المسيحيين جاء فيه ان «الوقت حان لمواجهة الفكر التكفيري وتجفيف منابعه من خلال تربية دينية تعمم ثقافة الانفتاح والسلام»، محذّرة من «استباحة الارهابيين كل شيء باسم الله خدمة لاهوائهم ومصالحهم ومصالح كبار هذا العالم». ودعت المسيحيين الى «العمل جاهدين من أجل وحدة بلدانهم وقيام الدولة المدنية فيها والحفاظ على التعددية بكل ما فيها من غنى والمواظبة على افضل العلاقات مع اخواننا المسلمين». وطالبت بإيجاد حل سياسي للحرب في سوريا وانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان «يعيد للمؤسسات الدستورية انتظامها».